إذا كان لمفهوم وجود الله أية صحة او غاية، فإنه يهدف تحديداً لجعلنا أكبر، أكثر حرية، وأكثر محبة. أما إذا كان الله غيرَ قادر على ذلك، فقد حان الوقت كي نتخلص منه”.
جايمس بالدوين
قد تكون عبارة بالدوين، الكاتب الأمريكي من أصل إفريقي، صادمة. وهي بالفعل صادمة.
لكن عبارته تحديداً هي الجوهر الذي يقوم عليه مفهوم الإسلام الإنساني.
مفهوم يقول ببساطة إن الإيمان يهدف إلى خلق علاقة بين الإنسان والخالق. لا أكثر ولا أقل.
علاقة روحانية.
وأن هذه العلاقة من الممكن ان تأخذ أشكالاً متعددة. فأي دين، أياً كان هذا الدين، ماهو إلا طريق. وسيلة يستخدمها من يريد أن يؤمن. ولذلك لا توجد تراتبية بين الأديان. ليس هناك دين أفضل من دين اخر. كلها طرق، تصل بنا إلى الهدف نفسه.
بكلمات أوضح، الإيمان يمكن أن يصل إليه الإنسان من خلال الأديان الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، من خلال الأديان الهندوسية والبوذية، تماماً كما يمكن أن يصل إليه دون دين. الدين ماهو إلا غلاف أوقشرة خارجية. أما المضمون فهو العلاقة الروحانية التي تربط بين الفرد والرحمن. طريقة الإيمان لا تنعكس على طبيعة الإيمان، لا تنقص منها، أو تشوهها. كلها طرق متساوية، تماماً كالعلاقة التي تجمع من خلالها الإنسان بخالقه.
كوني اقول ذلك يعني بداهة أني افترض أنه لا يوجد دينٌ كامل.
وهذه أيضا عبارة صادمة. فأعذراني إذا كنت قد تسببت فعلاً في صدمكما. لاسيما وأنني سأكررها. كثيراً. ورجوتكما رغم الصدمة أن تتمعنا في هذه العبارة: ليس هناك دينٌ كامل. والإسلام أولها.
مؤيدو فكر الإسلام السياسي هم واتباع التفسير الكلاسيكي الإرثوذوكسي للإسلام بشقية السني والشيعي سيرفضون هذه الرؤية عندما تتصل بالإسلام تحديداً (وفي الواقع سيرفضها أيضاً أتباع الأديان الأخرى المتزمتون لكن حديثنا في هذا الموقع يركزعلى اصحابنا هؤلاء).
هم لن يشيروا إلى الأديان البوذية أو الهندوسية من الأساس بأعتبار انه من تحصيل الحاصل ان هذه الأديان “كفر” و”شرك” و”إلحاد”، ثم سيعرجون على اليهودية والمسيحية، اتباعها “اهل كتاب طبعاً”، لكنها تظل في رأيهم “ناقصة”، “ناقصة”، إنما جاء الإسلام ليكملها. وهو يعني حتماً إقتناعهم أن الإسلام جاء كاملاً جامعاً تاماً، لا تشوبه شائبة.
الإسلام الإنساني يرفض هذه القناعة. ويصر على ان أي دين، بما فيه الإسلام، لا يتصف بالكمال.
الدين ليس حجراً صلداً. لا يتغير، لا يتبدل، لا يتحول.
لو أردتما صورة ذهنية للدين، تخيلاً بذرة، نضعها في تربة، فتنمو، وتترعرع، ينبثق منها فروع وأغصان، وثمار أيضا. لكن كي تنمو، كي تزهر، لا بد من تشذيبها، من قطع بعض اطرافها، من العناية بها.
أعود واكرر لكما تلك العبارة المزعجة: ليس هناك دين كامل.
لماذا؟
كل دين خرج من ضمن نطاق زمني تاريخي محدد. وهو لذلك إبن زمنه. ولأن كل الأديان وجدت قبل أكثر من الف سنة، فإنه من الطبيعي أن يكون فيها الكثير الكثير الذي لا يتماشى مع مفاهيمنا الحديثة العصرية لحقوق الإنسان وكرامته.
هذه الرؤية الإنسانية للإسلام تقول إن الدين، أي دين، ما هو لحظة نشأته إلا نواة، وَضع جذورها من آمن بهذا الدين ونشر رسالته، ثم بني عليها الناس على مر الآجيال، جيلاً بعد جيل، فإذا بالنواة تتحول، تتغير، تتبدل، ثم تتشكل وفقاً لرؤية و مواقف وأفكار من يؤمنون بهذا الدين.
الأديان تتغير على مر الزمن. وهذا يفسر على سبيل المثال السبب الذي جعل الإسلام الإندونيسي (قبل أن يتأسلم أخيراً) شكلاً مغايراً عن الإسلام النجدي. ويفسر أيضا سبب تفرع الإسلام إلى مذهب سني واخر شيعي وثالث صوفي، ثم تحوله إلى شكل اخر مغاير إلى حد كبير في صوره العلوية، الدرزية…. وغيرها.
نحن من يصنع الأديان، اعزائي.
نحن.
الإنسان هو من يصنع الدين.
هو من يجبله بطبعه، بروحه، بعقلانيته أو إنعدامها، وبالحب او الكراهية الذي فيه.
هذه الرؤية للدين تتطلب حتما التعامل معه بشكل “نسبي”، فكما أن كل شيء يتغير، يتغير الدين. وطالما ان الهدف هو تنظيم علاقة الإنسان بالخالق (إذا أراد هذا الإنسان ان يؤمن) فإن كل ما عداه يخضع للتغيير.
من هذا المنطلق أتعامل على سبيل المثال مع الحدود التي جاء بها القرآن الكريم أو السنة النبوية.
قطع يد السارق، رجم الزانية (احدد الضحية بالمؤنث لإني لم أسمع في عصرنا هذا عن عقوبة إستهدفت رجلاً لأنه زنى. هو منطق الكراهية، لا يستهدف إلا الضعيف)، الجلد… وغير هذا من العقوبات البدنية، كلها تنتمي إلى العصر الذي وضُعت فيه، أي القرن السابع الميلادي.
وهي عقوبات لم يبتكرها النبي الكريم.
إنتبها، فهذا الأمر مهم.
هذه العقوبات لم يبتكرها الرسول الكريم. كانت موجودة قبل أن يولد. وعندما أراد ان ينظم الدولة التي أسسها إستخدم ادوات العقاب التي كانت متواجدة حينها.
كان ذاك زمانه.
اليوم زمان أخر.
في زماننا هذا، نسمي الأشياء باسمائها، نسمي هذه العقوبات عقوبات “بشعة”، لأنها “بشعة” بالفعل، لا تنتهك حقوق الإنسان فحسب، بل تنتهك آدميته وكرامته. شاب سرق. أنقطع يده وننتسبب له في عاهة تحوله إلى عالة على المجتمع، أم نعاقبه بمدة سجن مناسبة ونأهله كي يخرج عضوا فاعلاً في المجتمع؟ ثم تخيلا منظر يده وهي تقطع، اليس هذا منظر ينتمي بجدارة إلى القرون الوسطى؟
من يطالب بالعودة إلى تطبيق هذه العقوبات، أقول “العودة” لإن معظم الدول العربية والإسلامية بإستثناء تلك الدول الدينية الكهنوتية التي نعرفها ولن نسميها، لا تطبقها؛ أقول من يطالب بالعودة إليها لا يعيش فقط بعقله وروحه في القرن السابع الميلادي، بل نسي أيضاً آدميته.
— –
كما أن الزمان تغير فيما يتعلق بأساليب العقاب، تغير أيضاً بالنسبة للمغزى من الإيمان بدينٍ ما.
فالهدف، وفقاً لرؤية الإسلام الإنساني، من الإيمان بدين ما، يرتبط حتماً بإحتياجات هذا الإنسان.
إحتياجات هذا الإنسان الروحانية، لا أقل ولا أكثر.
الهدف هو الإنسان نفسه.
ولذلك، لا ارى أن الإنسان يجب أن يُسخر نفسه واسرته ثم مجتمعه للدين. العكس هو الصحيح.
الدين وسيلة. طريقة. توصلنا إلى الخالق، إذا أردنا أن نصل إليه.
ولذلك لن يضير الله كثيراً لو صليت خمس مرات، أو ثلاثة، أو مرة في الأسبوع. في الواقع أنا لا أصلى إلا إذا احسست بحاجة إلى الصلاة والتأمل.
وإذا قرر إنسان إنه لا يريد أن يصلي، فهذا أمر لا يستحق الإدانة أو النقد أو التجريح. لن يجعله افضل أو اسوأ. شأنه.
وفي الواقع، سواء صلى او لم يصل، صام أو لم يصم، لن يزيد الأمر عن مسألة تخصه. شأنه.
الدين ليس فرضاً، وفروضه ليست قهراً.
وعندما نحوله إلى فرض ثم قهر ينتفي الإيمان.
لن يكون إيماناً حراً من شخصٍ إختار، بل قهراً كهنوتياً يتناقض حتماً مع مفهوم “الإيمان”.
أن تؤمن يعني أن تكون حراً.
وهذه الحرية تعني أيضاً أن من حقك أن لا تؤمن.
الله ليس في حاجة إلى الإنسان.
ولا أظنه عز وجل سيبالي كثيراً او قليلاً لو انقرضت الأديان من على وجه الأرض.
وفي الواقع كما قلت مرة لصديق، إني وصلت إلى قناعة أننا إذا اردنا أن نبحث عن الله، فعلينا أن نبحث عنه فينا، في أنفسنا. نحن.
وأنه إذا كان موجوداً خارج ذواتنا فإنه قد تركنا وشأننا منذ بدء الأزل، واننا لذلك مطالبين بتحمل مسؤولية أنفسنا والعالم الذي نحيا فيه.
ووالله أني كثيراً ما شككت في وجوده، خاصة في أوقات الحروب. عندما رأيت الطفل يُقتل وهو لا يحميه.
اسأله: أين انت عندما نحتاج إليك؟
وأسمع رداً، هامساً: أنا فيك، إبحثي عني فيك، في الإنسان فيك، وفي الخير الذي في روحك. فكما يصنع الإنسان الحروب ويغرس الكراهية، هو أيضاً من يصنع السلام وينشر المحبة.
— –
سيهزأ مني الكثيرون. ويحنق غيرهم، وبعضهم سيُكّفر.
وسيقولون مارقة، كفرت وخرجت عن الإسلام. ولهم ان يقولوا ما شاءوا، فلن يغير من إصراري أني في كل ما أقوله
اقوله من داخل دائرة الإسلام.
أصر على أن أقول إن الدين الذي اخترته لنفسي هو الإسلام.
لكني في الوقت ذاته ارفض مقولة “هذا هو الإسلام، إما أن تقبلوا به كما هو أو تخرجوا منه”.
فأنا في الواقع، اخواتي، لا أقبل به كما هو، لكني لن أتركه، وفي الوقت ذاته سأسعى إلى تقديم رؤية مغايرة، تمكنني من الإيمان لكن بصورة تحترم آدميتي، عقلي، وكرامتي. بصورة تحترم مفاهيم حقوق الإنسان في صورتها الحديثة اليوم.
وبصورة تجعل من هوية الإنسان هي المعنى الأشمل لمفهوم الإيمان.
ولذلك، لو لاحظتما، في الفقرة السابقة قلت “اصر على أن اقول إن الدين الذي اخترته لنفسي هو الإسلام”، ولم أقل “إني مسلمة”. لأني اصر، أذكركما، على أن الدين ليس هوية.
الدين ليس هوية. بل إختيار.
و الهوية هي الإنسان.
أُكمل هذه الفكرة معكما في المقال القادم.
* كاتبة يمنية- سويسرا
الهوية إنسان 12 (أ) جمال عبد الناصر — zahrat@anrt.ma الخطأالرئيسي الذي نقع فيه هو في تعميم بعض الحقائق التي قد نتوصل إليها أو قد تبدو حقيقة فمثلا مقولة الشيوعيين بأن الدين هو أفيون الشعوب هي حقيقة لكن ليس بالمطلق لأن حين نعممها نقع في خطأ و الصحيح هو ( الدين الباطل أفيون الشعوب )، هذا من الناحية العلمية المحايدة و بغض النظر عن الصراعات أو الأهداف المصلحية التي تستغل بعض الأقوال المنمقة و زخرف القول لأغراض شخصية أو مصالح مادية. كما أن نظرية التطور قد تبدو حقيقة لشخص لم تصله بعد اكتشافات علوم البيولوجية الحالية مثل السيد داروين و بعض… قراءة المزيد ..
الهوية إنسان 12 (أ) جمال عبد الناصر — zahrat@anrt.ma أولا هذا رأي من فيلسوف عادي لأننا كلنا فلاسفة نحن فصيلة الإنسان. المقال فيه تكرار و محاولة إحياء ما قاله أعداء الإسلام من مستشرقين و من يدور في فلكهم. إذا من الناحية العلمية فهو لا قيمة له لأنه ليس محايدا بل متحامل على الإسلام و لم يقدم لنا شيئا جديدا يذكر، فهو يلوك مغلطات قديمة أكل عليها الدهر و شرب و ينفثها بفم و مفردات مطلية بصبغة و تقنية زمانناالحالي ولا أقول الحديث و لا العصري لأن ليس كل ما هو حديث أو عصري بجيد أو متقدم و خاصة فيما يتعلق… قراءة المزيد ..