هجوم “الخميس الدّامي” على مجمّع وزارة الدفاع اليمنية في قلب العاصمة صنعاء، الذي أسفر عن مقتل 56 شخصاً وجرح ما يزيد عن 200 آخرين، أغلبهم من الأطباء والمرضى والممرّضين، وضع اليمن وسلطاته في مُنعرج خطير وكشف عن اختِراقات أمنية وعسكرية ومخابراتية من قِبل تنظيم القاعدة، وصلت حدّ تهديد أعلى سلطة سيادية في البلاد وألقت بكثير من الشكوك حول علاقة قيادات عُليا، أمنية وعسكرية واستخباراتية في الدولة بهذه الجماعات، ما يدعو حسب كثيرين إلى “اتخاذ تدابير وِقائية ضدّ هذه الجماعات وضد من تواطَأ معها” في هذه العملية، كما في غيرها من العمليات السابقة. […]
هدف الهجوم: الرئيس عبد ربه منصور!
تؤكد الدلائل المتوفرة اليوم على أن المهاجمين توجّهوا منذ الوهْلة الأولى، بعد اقتحامهم لمجمّع العرضي، مباشرة إلى مقرّ مستشفى “العرضي” العسكري، الواقع داخل مجمّع وزارة الدفاع وباشروا القتل رمياً بالرصاص ضدّ كل من يُصادفونه في ممرّات وغُرف المستشفى، من أطباء ومرضى وممرضين، ووصلوا إلى غرف العمليات وقتلوا مَن فيها، ما يعني حسب مراقبين أن الهدف الرئيسي للهجوم كان يُوجد داخل المستشفى، وهو الرئيس عبدربه منصور هادي، الذي كان من المقرّر أن يصل إليه قُبيل وقوع الهجوم بدقائق بغرض زيارة شقيقه الأكبر، الذي يرقد في المستشفى أو بهدف إجرائه فحوصات طبية، إلا أنه تأخّر عن الموعد أو غيّر رأيه في آخر لحظة، وفقاً لمصادر أخرى. وقد أكّد السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية لاحقا أن الهجوم “كان يستهدِف الرئيس”.
في الأثناء، تلتقي آراء المحلّلين والمراقبين على أن الهجوم على المستشفى واستهداف الأطباء والمرضى والمُمرضين، وليس الجنود أو منشآت عسكرية، كما هو معتاد في العمليات التي يُنفِّذها هذا التنظيم بواسطة مجموعة من الانتحاريين، يؤكد على أن لهم هدفاً أكبر من مجرّد قتل أشخاص عاديين وِفق ما يوضحه لـ swissinfo.ch العقيد عبد الحكيم القحفة، الخبير الأمني والاستراتيجي في وزارة الداخلية بقوله: “المتعارف عليه، أن العمليات التي تنفِّذها جماعة من أعضاء القاعدة على مواقع حيوية، تنتهي بقتل قادة عسكريين كِبار أو خبراء أجانب أو باحتجازهم والتفاوض عليهم”، لافتاً إلى أن العمليات التي نفّذتها الجماعة في كلٍّ من محافظة أبين ومحافظة حضرموت جنوب البلاد أسفرت عن احتجاز أو إعدام العشرات والمئات من الضبّاط والجنود والمفاوضة عليهم، مقابل إطلاق سراحهم.
لهذا السبب، فإن الفرضية الأقرب، حسب القحفة، هي أن هدف المهاجمين من هذه العملية، هو شخصية هامة داخل المستشفى، وهو رئيس الدولة عبد ربه هادي الذي كان من المتوقّع أن يصل إليه قبل دقائق من تنفيذ الهجوم، وهذا “مؤشر على الاختراق الأمني والإستخباراتي لهذه الجماعة وأكثر خطورة من أيّ عمليات سابقة” حسب رأي الخبير الأمني والإستراتيجي الذي يذهب إلى أن ما حصل “كان محاولة انقلابية بامتياز لصالح أطراف في السّلطة تربطها علاقات بهذه الجماعات وتشترك فيها مخابرات أجنبية”، إضافة إلى أنها “كانت – لو تمكّنت من الوصول إلى رأس الدولة – مُرشّحة لتطوّرات وتفاعلات على درجة كبيرة من الخطورة”، ذلك أن المنطقة التي تحرَّك فيها المهاجمون وكذا الزمان الذي تم اختياره، وكيفية توزيع القنّاصة على أسطح المنازل، يُؤشّــر إلى أنهم كانوا يهدفون إلى القيام بعمليات أخرى متتالية بعد الإجهاز على الرئيس هادي. وخلُص القحفة إلى أن المجموعة المهاجمة، كانت لها أهداف مُشتركة مع أطراف نافذة في النظام معروفين بتوظيف أعمال هذه الجماعات لصالحهم تحت ما يُعرف بـ “مهمّات الضرورات المشتركة”.
ظاهرة “الأفغان العرب”
في الأثناء، يؤكد مراقبون أن الحديث عن “العلاقة” القائمة بين هذه الجماعات وبين أجهزة الإستخبارات، ليس من قَبيل المكايدات السياسية، بل له جذور قديمة تعود، حسب الصحفي نبيل عبد الرب، في آخر ما نشر له يوم الأحد 8 ديسمبر 2013 في صحيفة يمنية، إلى ما كان يُعرف بظاهرة “الأفغان العرب”، حيث أوضح أن “المرء لا يجد عناء في اكتشاف تلك العلاقة بين الأجهزة الاستخباراتية العربية والأفغان العرب، وأنها النواة الأولى للقاعدة ولانتشارها”، مسترسلاً في مقاله الموسوم بعنوان “القاعدة في العمق” أم “من بين تلك الأجهزة، جهاز الأمن السياسي في اليمن، والفارق بينه وبين الأجهزة الاستخباراتية العربية، أن بعضها قطع صلاته بالأفغان العرب بعد استخدامهم لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ضد السوفييت، وبعضها استطاع تصديرها واستخدامها إقليمياً، وتفردت الإستخبارات اليمنية في استخدامها لتصفية حسابات سياسية محلياً، وفتح غرفها لعناصر القاعدة… وكانت الدولة تحاول استيعاب عناصر فاعلة في أجهزتها الأمنية، ما جعلها تحت مجهر التنظيم”.
الرأي ذاته جاء في تصريحات صحفية نُشرت على لسان السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية بُعيْد الهجوم مباشرة عندما أشار إلى أن “القاعدة مُخترقة من قبل الأجهزة الأمنية، وهي في الوقت ذاته، تخترق أجهزة الأمن، سواء في أماكن رسمية أو غير رسمية”، على حد قوله.
محاولة لإفشال الحوار الوطني
هذه العلاقة التاريخية عزّزت الإعتقاد لدى الكثير من الأوساط بأن الهجوم بحجمه وموقِعه وتوقيته وأهدافه، لم يكن إلا “محاولة من قِبل القوى السياسية والعسكرية والقبلية المُرتبطة بعلاقات وطيدة بأجهزة أمنية ومخابراتية، الرافضة لمخرجات الحوار الوطني”، ويأتي كاستمرار لمحاولاتها من أجل إفشال الحوار الوطني وإعاقته، وأنها استمرار لمسلسل الاغتيالات وتفجير بُؤر الحروب والمواجهات الطائفية والمذهبية، الرامية من قبل قوى دينية وتقليدية تعارض بشدّة بعض توصيات ومقترحات الحوار، لاسيما ما يتعلق منها بشكل الدولة والفدرالية وتخصيص نسبة 30% لتمثيل النساء في الإنتخابات التشريعية وفي الإدارات والهيئات الإدارية والقيادية للأحزاب السياسية، وتحديد السن القانوني للزواج واقتراح المزيد من الحماية، دستورية وقانونية، للحقوق والحريات… إلخ من التوصيات التي يرفضها رجال الدّين وزعامات قبلية وسياسية، تريد إنهاء الفترة الانتقالية والعودة من بوابة الانتخابات التشريعية.
من بين هذه الأطراف الرئيس السابق الذي ما زال يُراهن على عودته للحياة السياسية هو والمنشق عنه الجنرال علي محسن الأحمر، الحليف الرئيسي لحزب الإصلاح وللجماعات السلفية المتشدّدة، التي أبدت في الآونة الأخيرة عدم قبولها لمثل تلك التوصيات، حيث نظر إليها على أنها تُعيق الحوار خصوصا وأنها موجودة جميعا في مكوِّنات الإئتلاف الحاكم وممثلة في لجان وهيئات الحوار، ومنها أيضا أفراد في النظام السابق وسياسيين وصفهم مجلس الأمن الدولي مؤخراً بـ “انتهازيين” وبـ “المُعرقلين للحوار” في بيانه الأخير بشأن اليمن ويبدو أن لهم ارتباطات مشبوهة بالجماعات المتشددة أو أنها تشاطرها في قناعاتها، وتلتقي مصالحها مع أعمال العنف والإرهاب إذا ما عملت على إعاقة الحوار الوطني الذي ترفض مُخرجاته.
الإنزلاق إلى العنف والإحتراب
في سياق تقييمه لأثر الهجوم الإرهابي على إفشال الحوار، أوضح محمد سلام، المحرر السياسي في صحيفة “يمن تايمز” لـ swissinfo.ch أن ما حدث “سيزيد من التمسّك بمخرجات الحوار وقراراته، لأنها ستقود مختلف الفاعلين وحتى الشعب الذي أبدى تذمره الملحوظ من مثل هذه الأعمال الوحشية، إلى المقارنة بين كلفة الإنزِلاق إلى العنف والإحتراب، وبين خيار القبول بمخرجات الحوار”، منوِّهاً إلى أن “الظرفية الحالية بعد دخول المجتمع الدولي كطرف في التسوية السياسية وما نتج عنها من حوار وطني، ستجعل من أي رِهان خارج هذه التسوية، رهاناً باهظ الكلفة”، وهو نفس ما ذهب إليه الرئيس اليمني في أول تصريح له بعد الحادثة حين أكد على أن “المِحن بكل أنواعها ومنها الأعمال الإرهابية الإجرامية، لن تثني اليمن عن خطّ سيره نحو تنفيذ التسوية السياسية على أساس المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المُزمنة وقراري مجلس الأمن الدولي 2014 و2051 وبإصرار وقوة أكبر”.
خلاصة القول، يبدو أن وقوف المجتمع الدولي إلى جانب القيادة السياسية للبلاد لا يكفي، ما لم تباشر السلطات اليمنية في اتخاذ جملة من القرارات التي تعيد ترميم الإختراقات الأمنية والإستخباراتية والعسكرية العميقة للدولة من قبل تنظيم القاعدة.
* * *
أهم محطات “القاعدة” خلال عام
أبريل 2013: عرض تنظيم القاعدة مجموعة من الشروط للتصالح مع الحكومة في اليمن وهي: تطبيق الشريعة الإسلامية، القرآن والسُنة، مرجعية الحكم، تعديل جميع مواد الدستور المخالفة للشريعة، طرد جميع مظاهر الاحتلال الأمريكي برّا وبحرا وجوّا، ومنع السفير الأمريكي من التدخل في شؤون البلد، إزالة جميع المنكرات الظاهرة كالبنوك الربوية والفساد الأخلاقي في الإعلام والسياحة، مراقبة المنظمات الكافرة العاملة في اليمن، استقلالية القضاء والإفناء وأن يكون الإشراف بيد نخبةٍ من العلماء الشرعيين، فتح المجال للدعوة والدّعاة، رفع المظالم عن الشعب من ضرائب ومكوس وغيرها، إلغاء الصفقات المجحفة في ثروات البلد، إخراج جميع المساجين الذين عليهم قضايا مرتبطة بالجهاد في اليمن أو في الخارج.
14 يونيو 2013: القاعدة تقتل خمسة جنود بالقرب من منشآت بالحاف الغازية.
مطلع أغسطس 2013، التقطت المخابرات الأمريكية مكالمة بين زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ومسؤول التنظيم في اليمن ناصر الوحيشي، دفعت واشنطن إلى اتخاذ قرار بإغلاق حوالي عشرين سفارة وقنصلية أمريكية في الشرق الأوسط وإفريقيا.
30 سبتمبر 2013: مجموعة مكوّنة 30 فرداً من أعضاء تنظيم القاعدة يهاجمون قيادة المنطقة العسكرية الثانية بحضرموت وسيطروا على أجزاء من المعسكر واحتجزوا حوالي 70 رهينة وكانوا يذبحون أعداداً منهم ويلقونها من مقرّ القيادة. وانتهى الهجوم بمداهمة مقرّ القيادة ما أدى إلى مقتل حوالي 76 من بينهم 25 من عناصر القاعدة.
8 أكتوبر2013: مقتل 7 سعوديين بطائرات بدون طيار في اليمن للاشتباه بأنهم أعضاء في تنظيم القاعدة.
18 أكتوبر 2013: مقتل ما لا يقل عن 12 جندياً وإصابة آخرين في هجوم انتحاري نفّذه مسلّحون ينتمون لتنظيم القاعدة على اللّواء 111 في مديرية أحور بمحافظة أبين، جنوب اليمن.
22 نوفمبر 2013: قوات خفر السواحل اليمنية أحبطت هجوما انتحاريا، كان يستهدف ميناء تصدير الغاز الطبيعي المسال في محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن..
بلغ عدد ضحايا الإغتيالات التي استُخدمت فيها الدراجات النارية منذ 1 يناير 2013 وحتى مطلع شهر ديسمبر الجاري، أكثر من 90 شخصا معظمهم من الضباط وقيادات المخابرات.