*تقرير معهد”إدفا” يكشف وحشية النظام الاقتصادي الإسرائيلي*
في التراث اليهودي القديم أمثال كثيرة تدعو إلى التكافل الاجتماعي، ومنها: “كل اليهود أخوة” و”اليهودي ضامن لأخيه اليهودي”. كما أن التراث الديني اليهودي يحض على الرحمة والمساعدة والعون للفقير والملهوف.
ولكن إسرائيل، اليوم، هي نموذج لمجتمع رأسمالي شرس ومتوحش. والتقرير السنوي لمركز “إدفا” الذي صدر مؤخراً حول الوضع الاجتماعي في إسرائيل يقدم صورة مذهلة ومفزعة لما آلت إليه الأمور في إسرائيل من تقاطب اجتماعي يصل حد الانفجار.
يتبين من تقرير “إدفا” أن معدل دخل الفرد من العُشْر الأعلى: 41 ألف شاقل شهرياً، بينما معدل دخل الفرد من العُشْر الأسفل 3,600 شاقل فقط!! وحسناً أن نرى التدريج الطبقي من أعلى إلى أسفل، العُشر التاسع 24 ألف شاقل، العُشْر الثامن 18 ألف شاقل، العُشْر السابع15ألف شاقل، العُشْر السادس 12ألف شاقل، العُشْر الخامس 10ألاف شاقل العُشْر الرابع 8 آلاف شاقل، العُشْر الثالث 7 آلاف شاقل، العُشر الثاني 5 آلاف شاقل.
ويقول الدكتور سفيرسكي مدير مركز “إدفا” للأبحاث الاجتماعية إن 60% من العاملين في إسرائيل يجب أن يعمل الواحد منهم سنة كاملة حتى يحصل على معاش الموظف الكبير خلال شهر واحد.
ويقول واضعو التقرير إن هناك استقطاباً سريعاً في المجتمع الإسرائيلي، بحيث تتركز الثروة الأسطورية في يد طبقة قليلة جداً بينما قاعدة الفقر والجوع تتسع من سنة إلى أخرى، وليس مفاجئاً أبداً ما قاله الدكتور سفيرسكي بأن الفقر المدقع يتركز بين العرب واليهود الشرقيين والمهاجرين من إثيوبيا، كما أن قطاعاً من الفقراء موجود أيضاً بين المهاجرين من روسيا وأوروبا الشرقية.
ويستفاد من التقرير أن كل عامل بأجرة خامس في دولة إسرائيل يعيش تحت خط الفقر.
ويقول الدكتور سفيرسكي إن الصناعات المتطورة جداً (الهايتيك) هي التي تدر الأرباح الأساسية، وهي مملوكة من فئة قليلة جداً. لذلك مع أن هذه الصناعات تدر أرباحاً طائلة إلاّ أنها تتركز في يد قلة قليلة، ولا تؤثر على ارتفاع معدل الدخل العام للسكان عموماً.
ويقول الدكتور سفيرسكي إن الدولة مسؤولة عن الاستقطاب الطبقي الحاد، فقد أقرت تسهيلات ضريبية واسعة للأغنياء الجدد، بينما الطبقة الوسطى تدفع ضرائب عالية جداً. ولذلك يلاحظ أن الطبقة العليا تزداد غنى وتوظف بعض رأسمالها في صناعات خارجية أيضاً، بينما الطبقة الوسطى تدفع ضرائب باهظة ولذلك تتدهور قطاعات من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة. وهناك تذمر شديد بأن السياسة الحكومية تسحق الطبقة الوسطى،بانتظام، بينما هي تقدم التسهيلات الواسعة للطبقة العليا، كما أن هناك صناعات تقليدية مثل النسيج، تنهار والدولة غير معنية بها، أو تشجع انتقالها إلى دول العالم الثالث. فمن المعروف أن بعض صناعات النسيج في إسرائيل انتقلت إلى الأردن.
ويقول الدكتور سفيرسكي إن الغنى الصافي للعُشْر الأعلى ازداد ب4% خلال السنة المنصرمة، وصار العُشْر الأعلى يملك 29% من مجمل الثروة في دولة إسرائيل. وخط التطور الواضح هو تركز أكثر فأكثر للثروة في أيدي قلة قليلة من الرأسماليين الكبار (العُشْر الأعلى في الدولة).
ويستفاد من التقرير أنه بينما كان 10% فقط من السكان تحت خط الفقر، فقد ارتفعت النسبة إلى 19% بالمئة، وهذا يدل أنه كلما تركزت ثروة أكثر في يد قلة قليلة تتسع قاعدة الفقر في المجتمع الإسرائيلي.
ويقول الدكتور اسحق سبورتا، المعلق الاقتصادي في “يديعوت أحرونوت” إن السياسة الاقتصادية للدولة تساعد رسمياً وبانتظام الطبقة العليا، بينما هي لا تقوم بأية خطوات حقيقية لمساعدة الطبقات الفقيرة. إن السياسة الاقتصادية الحكومية رسمياً، هي لصالح الطبقة العليا في المجتمع، وكل الكلام حول “الدعم” للفقراء هو كلام فارغ لا رصيد له.
وتقول يديعوت أحرونوت إن هناك قطاعاً متزايداً من الفقراء، الذين يكونون يومي الجمعة والسبت بلا طعام إلاّ إذا أعطتهم الجمعيات الخيرية ما يأكلون. كذلك تشير الصحيفة إلى أن عائلات كثيرة جداً لا تجد الطعام والحاجيات الضرورية الأخرى في الأعياد.
وتقول الصحيفة إنه في منطقة جنوب تل أبيب. هناك مدراء يتذمرون بأن الطلاب جياع لا يجلبون معهم من البيوت أية ساندويشات ويطالب المدراء بالتبرع بالطعام للطلاب أبناء العائلات الفقيرة. وتقول الصحيفة إنه مهما زادت كمية الساندويشات فإنها تنفد بسرعة، وهناك أولاد جياع يخجلون أن يقولوا إنهم جياع ولكن عندما يحضر الطعام يأكلون.
كما هو معروف فإن الفقر يتركز بين اليهود من الطوائف الشرقية، اليهود القادمين من الدول العربية والأفريقية والآسيوية، وكذلك بين الإثيوبيين والمهاجرين من بعض دول الاتحاد السوفييتي سابقاً.
يشار هنا إلى أن 58% من العرب، المواطنين داخل إسرائيل، هم تحت خط الفقر كما تنتشر البطالة بين العرب واليهود الشرقيين أكثر منها بين اليهود من أصل أوروبي.
ويقول الدكتور اسحق سبورتا إن من السذاجة انتظار أن تقوم الحكومة بتغيير جذري تقدمي للسياسة الاقتصادية. ولذلك فإن المطلوب هو تحرك الأحزاب والجمعيات الأهلية لتنظيم الناس الفقراء وشن صراع اجتماعي اقتصادي مثابر، لضمان تغيير في السياسة الاقتصادية-الاجتماعية لصالح الطبقات الفقيرة وقليلة الدخل وزيادة الضرائب على الطبقات العليا، لبناء موازنة بين الفقراء والأغنياء، مما من شأنه أن يمنع انفجاراً اجتماعياً مثل انفجار “الفهود السود” في السبعينات من القرن الماضي.
salim_jubran@yahoo.com
* الناصرة