ليست المرّة الأولى ولا الأخيرة التي يواجه المغرب مغالطات في شأن
قضية الصحراء. ولكن في نهاية المطاف لا يصحّ إلّصحيح نظرا إلى أن ليس في الإمكان التلاعب بالحقائق والوقائع إلى ما لا نهاية بسبب مصالح لدى هذا الطرف أو ذاك أو وجود رغبة في مسايرة الذين يرغبون في الإساءة إلى المغرب.
المغرب ليس مكسر عصا لأحد والمغرب قادر على الدفاع عن قضاياه الوطنية متى دعت الحاجة إلى ذلك. في الإمكان الكذب على كلّ الناس بعض الوقت. وفي الإمكان الكذب على بعض الناس كلّ الوقت. ولكن ليس في الإمكان الكذب على كلّ الناس كلّ الوقت.
في أساس هذه المغالطات، التي كان آخرها ما صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في شأن حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمغرب، ما يعكس إلى حدّ كبير رغبة، عن قصد أو غير قصد، في تفادي فهم طبيعة الصراع في تلك المنطقة المغربية. من يريد التحدث عن الصحراء المغربية وأن يكون كلامه مفيدا لا يتجاهل أن في أساس الصراع الطرف الجزائري الذي يشنّ حرب إستنزاف على المغرب منذ استعاد الصحراء من المستعمر الإسباني.
كان لا بدّ للملك محمّد السادس الإتصال ببان لوضع النقاط على الحروف بعدما تجاهل الأمين العام للأمم المتحدة جانبا من الواقع القائم في الصحراء وسعى إلى تجاوزه. يندرج الإتصال أوّلا في سياق المشاورات المعتادة بين العاهل المغربي والأمين العام للأمم المتحدة، مع فارق أنّه كان ضروريا هذه المرّة ضبط تجاوزات رُصدت في التقرير الأخير لبان في شأن الصحراء المغربية. كان لا بدّ من لفت نظر الأمين العام إلى زلّات محتملة يمكن أن تكون لها نتائج كارثية على مسار القضية المطروحة وتقويض جهود الأمم المتّحدة الهادفة إلى إيجاد حل سياسي مقبول من الطرفين للنزاع في شأن الصحراء. والطرفان هما في طبيعة الحال المغرب والجزائر. الأمين العام للأمم المتحدة وممثلوه، بمن فيهم المبعوث الحالي كريستوفر روس، يعرفون أن لا وجود لشيء إسمه جبهة “بوليساريو” من دون الجزائر.
كذلك، كان لا بدّ لمحمّد السادس من تقديم توضيحات في شأن موقف المغرب الحازم والواضح حتى لا يحصل خطأ من أي نوع كان في ما يخصّ هذا الموقف. تأتي التوضيحات المغربية في الوقت الذي لدى الرباط تحفظات عن عبارات وردت في تقرير بان كي مون.
من الضروري أن يفسّر الأمين العام للإمم المتحدة ما عناه بهذه العبارة أو تلك. هل لديه إستيعاب حقيقي لأهمّية قضية الصحراء ولما يدور في محيطها وللواقع المتمثّل في أن الإصلاحات في المغرب، خصوصا ما يتناول منها حقوق الإنسان، تنسحب على كل مواطن مغربي. تنسحب الإصلاحات على كلّ مواطن بغض النظر عن الإقليم الذي يقيم فيه أو المنطقة التي ينتمي اليها، أكان في وجدة أو تطوان أو طنجة أو الرباط أو الدار البيضاء أو فاس أو مكناس أو مراكش…أو العيون والداخلة.
لا تفريق في المغرب بين مواطن وآخر. يفترض بمن يتحدّث عن حقوق الإنسان في الصحراء أن يعي أن الصحراء أرض مغربية وأن هناك مشروع حلّ مغربيا، هو مشروع الحكم الذاتي، يمكن أن يرضي الجميع، خصوصا أن ضمانته هي السيادة المغربية، أي المملكة التي نذرت نفسها لمحاربة الإرهاب بكلّ أشكاله. يمكن لهذا المشروع المطروح، والذي لا وجود لغيره في الساحة الإقليمية والدولية، إرضاء الجميع بما في ذلك الجزائر التي تسيء قبل غيرها إلى كلّ صحراوي بعدما أقامت مخيّمات الذل في تندوف بهدف واحد وحيد يتمثّل في إستنزاف المغرب.
ما ينبغي ببان كي مون إدراكه أنّ المغرب كان ولا يزال وسيبقى هادئا وواضحا ومطمئنا إلى موقفه. سيبقى على إيمانه الراسخ بحقوقه المشروعة في أرضه. ستستمرّ جهوده الهادفة إلى المحافظة على حقوق كلّ مواطن مغربي والدفاع عنها في سياق الإصلاحات المعتمدة التي لا يستطيع بان كي مون ولا غيره تجاهل أهميتها.
يبقى كلام الأمين العام للأمم المتحدة مهمّا. لكنّ الأهم ما سيصدر قريبا عن مجلس الأمن في شأن الصحراء المغربية. سيتبيّن ما إذا كان هناك إستيعاب دولي لأهمّية ما يدور في منطقة الصحراء والتحدّيات التي تواجه المغرب والأطراف الأخرى على طول الشريط الممتد من موريتانيا إلى جنوب السودان ووسطه، مرورا بالنيجر والتشاد ومالي وجنوب الجزائر وجنوب ليبيا.
في حال إستمرّت المتاجرة الجزائرية بالصحراء والصحراويين، ألف سلام وسلام على الحرب التي يخوضها المجتمع الدولي مع الإرهاب. هل من وعي كاف لما قام به المغرب في مالي في إطار الحرب على الإرهاب؟ شمل ذلك تقديم كلّ أنواع المساعدات إلى هذا البلد المهمّ فضلا عن دعم تحقيق المصالحة الوطنية فيه بغية إبعاده عن كلّ ما له علاقة من قريب أو بعيد بالتطرّف.
إضافة إلى ذلك، ليس سرّاً أن الوضع في ليبيا في غاية الخطورة. هناك بلد بكامله يمكن أن يتحوّل إلى قاعدة إرهابية تهدّد المنطقة كلّها، خصوصا إذا أخذنا في الإعتبار كمّية السلاح التي تركها نظام القذّافي في كلّ المناطق الليبية فضلا عن وجود آلاف المسلّحين الأفارقة الهائمين في المنطقة. هؤلاء كانوا في الماضي جزءا لا يتجزّأ من المرتزقة الذين جنّدهم الزعيم الليبي السابق للدفاع عن نظامه الإرهابي. هؤلاء صاروا منتشرين في كلّ أنحاء الساحل يبحثون عن عمل وهم ليسوا بعيدين عن التهريب والعمليات الإرهابية، بما في ذلك عمليات الخطف، التي يرتبط بعضها بما يدور في مخيّمات تندوف. ففي تندوف تخلق الجزائر بيئة حاضنة للإرهاب في الوقت الذي تدعي فيه أنّها تحاربه!
بعض الجديّة ضروري بين حين وآخر. الجدّية تعني أوّل ما تعني تسمية الأشياء بأسمائها. الصحراء مغربية. حقوق الإنسان فيها مصانة، علي غرار ما هي مصانة في المغرب كلّه بشهادة كلّ العالم. لماذا التحرّش بالمغرب بدل التركيز على الحرب على الإرهاب في المنطقة؟ هل يمكن أن تخرج الأمم المتحدة من عقلية الموظّف ذي الأفق المحدود إلى آفاق السياسة الدولية الرحبة التي تمتلك نظرة ذلت طابع إستراتيجي إلى الصحراء وما يدور في منطقة الصحراء…من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر؟