لا شك بان معظم المعارضين السوريين يدركون تماما حجم المخاطر التي يتعرض لها المجتمع السوري سواء من النظام أم من الخارج، ويعالجون الأمر بجدية وتحليل موضوعي بعيدا عن كل أشكال التمييز والتفرقة بين مكونات الشعب السوري الذين هم جزء لا يتجزأ منه. وقد دفعهم حسهم الوطني وشعورهم الإنساني إلى طرح سلسلة من الأفكار والمواضيع التي من شانها خلق قاعدة اجتماعية مدنية قادرة على تحريك الرأي العام نحو اتخاذ خطوات ايجابية لبناء أسس الديمقراطية وإطلاق الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.
فالأسلوب السلمي والعلمي في النقد البناء الذي ينهجه هؤلاء من شانه أن يحظى بتأييد كبير من قبل المتنورين في الداخل وذلك لان خطابهم السياسي يعبر عن مدى أخلاقياتهم بعيدا عن مبدأ الشتائم وإطلاق التهم جزافا دون مبرر أو دليل، ولم ينجرف هؤلاء نحو التيارات المنظمة قليلة العدد التي تنتهج نظاما شموليا فرديا في معالجة اكبر القضايا وأصغرها.
لقد فضل هؤلاء البقاء في دائرة العمل السياسي كمعارضين بعيدا عن التنظيمات العامة في سورية وخارجها لأنهم يرفضون التهليل لأقطاب المعارضة المنظمة كما يطلقون على أنفسهم ، فتراهم يدعون إلى ترسيخ العمل الجماعي المشترك بعيدا عن الفردية والأنانية ، لكن وللأسف نجد شريحة من هؤلاء يبحثون عن التمويل المادي فينصرفون نحو قادة التيارات الكبرى المتمكنة ماديا (من أمثال عبد الحليم خدام ورفعت الأسد والشيخ البيانوني) للحصول على لقمة العيش والانطواء تحت لوائهم لإنقاذ حياتهم من الفقر الذي هم أصلا هربوا منه.
لقد خدمت المعارضة السورية النظام من حيث لا تدري وثبتت قاعدته الشعبية بعد فشلها في إقناع المواطن بجديتها وسلامة خطابها السياسي وكان عبد الحليم خدام من أهم الأقطاب التي قوضت فرص نجاح المعارضة بعد هربه بأمواله وتمرده على النظام الذي كان احد أركان أعمدته الأساسية. فلو ظهر خدام من داخل سورية للمناداة بإجراء تغيير جذري للنظام وانتقده من الداخل لكانت له مصداقية وربما التف حوله نفير من البشر ليشكل إعاقة حقيقية للنظام الذي كان سيقع في إرباك شديد يخشى من خلاله تقييد خدام أو سجنه أو حتى تصفيته.
ولو كانت نية خدام صادقة في السعي للتغير نحو الأفضل، لكان قد تحرك من داخل السلطة الحزبية والسياسية . لكنه فضل الهرب وبأمواله التي سرقها من جيوب الفقراء من المواطنين ضاربا عرض الحائط بالقيم الإنسانية والأخلاقية في (صحوة مفاجئة) متناسيا ماضيه المشبوه في قيادة الدولة، ربما تعيد إلى الذاكرة هروب حسين كامل من العراق ومصرعه بعد أن وجد نفسه انه لم يعد يملك أية ورقة رابحة في خطوته السياسية التي كانت أشبه بالصبيانية لسياسي له ثقله عند صدام حسين.
كما أن التفاف خدام على البيانوني وجماعته، و مصافحته (بالسر أو العلن) لرفعت الأسد الذي ما زال يعيش حلم السلطة ، أفقدته أية مصداقية.
ويحاول الثالوث المفكك (خدام- رفعت- البيانوني) كل على حدة استقطاب المعارضين السوريين من خلال إغرائهم وتحويل الكتاب منهم إلى ناطقين مأجورين حتى انكشفت خفايا اللعبة السياسية التي يروج لها هؤلاء وتفككت لحمة المعارضة فلم يعد هناك معارضة منظمة، إلا قلة محدودة العدد، بل هناك شخصيات معارضة فقط . كما أن هذه التنظيمات لم تغير في نهجها السياسي بما يتلاءم وتطورات العصر ومتطلبات الحياة الإنسانية وانتشار العولمة والاستفادة من الانطلاقة الدولية الحديثة نحو تعزيز الديمقراطيات واحترام حقوق الإنسان من خلال تقوية دور المؤسسات المدنية وإعطائها الأولوية في بناء الإنسان والمجتمع.
وفي محاولة لـ (جس نبض) مصداقية هذه التيارات لأجد مبررا واحدا يجعلني أثق بطروحاتهم السياسية ونهجهم العملي قمت بالتوجه إلى مواقعهم لنشر مقالة بعنوان (في ذكرى المجازر : لن نذرف دمعة على قتلة الأبرياء أيا كانوا) حيث أن بعض المواقع قامت مشكورة بنشرها أما الأخرى فلم تكلف خاطرها لنشر المقال أو حتى الاعتذار عن عدم النشر عملا بقواعد العمل الصحفي علما بأنني حملت المسؤولية لجميع الأطراف ولم أتحيز فيه لأحد وسميت الأشياء بمسمياتها بعيدا عن الحقد والكراهية والتعصب لأنني تربيت في مدرسة تقدس العقل وتحترم الإنسان وتدعو إلى نشر بذور المحبة بين أبناء البشر بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو الثقافية.
فإذا كانت بعض أقطاب المعارضة ترفض نشر مقال موضوعي هادف لجمع الشمل تحت مظلة إنسانية فكيف سنثق بها؟ أليست مستبدة هي الأخرى؟ هل تؤمن بمبدأ احترام الرأي والرأي الآخر؟
أليس من الضروري أن نتقبل بعضنا البعض ونحترم آراء الغير بعيدا عن المشاحنات والخلافات التي لسنا بحاجة لها في هذه الظروف القاسية التي تمر علينا من كل صوب ؟
ما الفرق بين هذه التنظيمات في نهجها السياسي وشعاراتها ونظام الاستبداد في سورية؟
إن بعض أقطاب تنظيمات المعارضة السورية في الخارج شخصيات تحوم حولها الشبهات ولا تسمح لأحد أن يتعرض لها ومع هذا تراهم يدعون الديمقراطية والحرية وهم لا يطبقونها على أنفسهم ولا على من ينتمي إليهم أو من يحاول الدخول معهم في شراكة مهما كان نوعها وما الدليل على ذلك إلا الانشقاق الأخير لحسام الديري من جبهة (الخلاص).
عجبا الم يتعلم هؤلاء من الديمقراطيات والحريات التي تمارس في البلدان المتقدمة والمتطورة التي يعيشون فيها ويسمحون لهم بالعمل السياسي وبحرية التعبير عن أرائهم وأفكارهم ونشر طروحاتهم الهادفة (كما يزعمون) إلى التغيير وإجراء الإصلاحات لإنقاذ شعب بأمس الحاجة إلى الحرية للتخلص من براثن وقبضة المتربص على رقابه من القائمين على النظام الأمني في سورية!
الشعب السوري ينظر إلى الطبقة المثقفة والى المتنورين من المعارضة بعين ملؤها الأمل لإنقاذه من الوضع الذي يحرمهم من ابسط الحقوق فأين هذه الرؤية؟ وأين العمل الجماعي ؟ الم نتخلص بعد من مصطلحات (الزعيم المطلق) (القائد الأوحد) (الفرد)، إلى متى سنبقى وارثين لعبادة الفرد؟ أليست مغروسة حتى في مفاهيمنا وتحركاتنا! فهل علينا جميعا قبول دعوة المعارضة لان نلتف حول زعيم أوحد (فرد) لنعلن له الطاعة والولاء محاولين إقناع أنفسنا بأنه المخلص؟ .
إذا كانت الأمور تسير على هذا النحو فلماذا نخاطر وندعو لمكافحة الفساد والمطالبة بالحرية والديمقراطية وتغيير النظام ؟ وفي سورية زعيم أوحد وفرد يحكم البلاد ويستطيع من يرغب مشاركة النظام بالفساد وكسب الجاه والسلطة.
انظروا ما حدث في فلسطين بين حماس وفتح، الم تتعلموا من هذا الدرس المؤلم! أليس علينا جميعا أن نرفع أصواتنا لنقوي دعائم البيت الداخلي للمعارضة بعيدا عن الفردية والزعامات! يجب أن نتفق على هدف مشترك وان نترك خلافاتنا جانبا وننطلق في عمل جماعي مشترك تكون أهدافه واضحة المعالم ويستند إلى قيم المحبة والسلام من خلال تواضع البعض ممن يرون أنفسهم بأنهم من أحق الشخصيات في قيادة المعارضة.
كيف نحاول أن نوصل أفكارنا وطروحاتنا إلى المجتمع المدني ونحن لا نملك من أدبيات الكلام إلا الشتيمة واللعنة ضمن دائرة الكراهية والحقد فقط ؟
ومع كل هذا الضعف والتشرذم والانشقاق والأنانية نقول للنظام (هيا ارحل)، أبهذه البساطة سيرحل نظام قمعي شرس تحكمه الأجهزة الأمنية ؟ هذه سذاجة وجهل وقصر نظر.
عندما نكون أقوياء وأصحاب نوايا حقيقية وصادقة نعتمد على خطاب سياسي واضح الأهداف بعيدا عن الطائفية (التي تنخر البعض منا) وعن الشعارات المبطنة فإننا سنصل إلى ما يبتغيه الشارع السوري، وستلتف حولنا قاعدة شعبية قوية تساعدنا على الانطلاقة السلمية السريعة. وخلافا لذلك لن تقوم قائمة لمعارضة حقيقية للنظام ولن يكتب الأمل لمشروع أجهضته الزعامات الأنانية التي تنخر في صفوف المعارضة في الخارج والداخل أيضا.
فالمعارضة كتنظيمات أعلنت إفلاسها واحتضرت ولم يبقى إلا (أشخاص معارضون) يتحسرون على ما فقدناه من مصداقية واحترام أمام إخوتنا في الصف الأول الذين يعانون من القمع والفقر والجوع ويحلمون بالخروج من الظلمات وكانوا يرون فينا الأمل في التغيير والنور الذي سيضيء طريقهم نحو حياة كريمة يتشارك فيها كل المواطنين في العيش تحت ظلال الديمقراطية والعلمانية.
mazencharif@yahoo.com
المعارضة السورية … إلى أين؟
غريب كيف تم حذف الردود الأخرى؟؟؟
لن تتأسف على الاطفال والنساء الذين قتلوا في حماة
لانك تنتمي انفس ثقافة العصابة
ولماذا تسميها عصابة؟ الم تكن حينها جزءا من النظام؟
هل غضب النظام عليهم لانهم ابادوا اهل حماة
ام لان الاخ حاول ان يغدر باخيه؟
ساذج انت يا مازن
ومقالك يخلو من موقف شريف
لا تعد اليها
المعارضة السورية … إلى أين؟
مقال اخر رائع لافض فوك كم نحن بحاجه لامثالك ولا اجاملك