لحظتان نادرتان في التاريخ العربي الحديث والقديم أن يوضع نظامان عربيان (السوري والسوداني) أمام سؤال المحاكمة أو المحاسبة، أي مخالفة الشرع السلطاني الاستبدادي بإعلان ممكنات (محاسبة الحاكم)، حيث الفقه السلطاني الذي يبشرنا به دعاة الأصالة والأصولية يبلغ حد أن يعفى الحاكم من المساءلة والمحاسبة حتى في الآخرة يوم القيامة أمام الله، بل ويبلغ الأمر في الفقه الشيعي أن يكون ولي الفقيه أعلى رتبة من الأنبياء، لأن ولي الفقيه هو (روح الله) وذلك لأن فيه قبسا من روح الإمام الغائب … ولذا علينا أن نعتبر –نحن كشعوب عربية وإسلامية بعد أن استأثر عالمنا العربي والإسلامي دون العالم بالاستبداد- أن هذين اليومين من آذار2009 عنوانا لزمن قادم تنتقل فيها المحاكمات من لاهاي إلى دمشق والخرطوم وعلى يد شعوبهما، ولن نعدد كل العواصم العربية والإسلامية المبتلاة بالطغيان، فيكفينا هذه الغلة الأممية اليوم على طريق الغلال الوطنية، فاليوم الأول من آذار يجب أن يكون عيدا وطنيا للبنانيين والسوريين، إذ هو تتويج لمعانات الشعبين من الحقبة الأسدية الكابوسية، حيث أثمر نضالهما أخيرا عن تحريك الضمير الدولي ليستشعر آلامنا بعد أن أيئست هذه الأنظمة المتوحشة العالم من ممكنات إعادة تأهيلها بشريا بعد أن استوطنتها سرطانية هذه الأنظمة المتغولة على أهلها الذين لم يبق لهؤلاء الأهل سوى عواطف الغريب (الأجنبي) وتضامناته لإنقاذه من براثن أخيه في القومية أو الوطن أو الدين، بعد أن بلغت النذالة بالحاكم حد أن يجعل من مواطنه رهينة يهدد العالم بها بعدم الاستقرار وإثارة القلاقل الإقليمية والدولية إذا لم تطلق يده في رقاب شعبه، وأن شعوب مستعمراتها السابقة أصبح هروبها من أوطانها حلما يدفعون حياتهم ثمنه غرقا في بحار الهجرة واللجوء إلى المستعمر هربا من جحيم (الوطنية الطغيانية) للأوطان التي تعرضت إلى استعمار ممن يفترضون أنهم أبناء الوطن أشد مرارة وقسوة وشراسة وفتكا بإنسانية مواطنهم مما كان يفعله المستعمر، مما أحيا من جديد ما كان يسميه مالك بن نبي (قابلية الاستعمار) عند شعوبنا، وذلك عندما يخرج مليون مواطن جزائري يطالب الرئيس الفرنسي المستعمر السابق بجواز سفر الهجرة إلى فرنسا، مما أدى في المقابل إلى انكفاء أكثر المثقفين الديموقراطيين الراديكاليين الغربيين المتضامنين مع شعوبنا بما كان يسمى بظاهرة عقدة الذنب نحو استعمار بلادهم لبلادنا، لقد بدأ هذا الانكفاء بعد أن رأوا هذه النخب العسكرية الريفية القبلية والطائفية -ما بعد الاستقلال بحقبة قصيرة- تفتك بمجتمعاتها أكثر مما كان يفعله استعمارهم الغربي في البلاد المستعمرة.
ولذا علينا أن نستشعر-مع محاكمة البشير وبشار- الأمل بعودة الوعي لدى بعض قطاعات النخب الغربية بمآسينا، أي نتفاءل بممكنات يقظة الوعي التضامني المواطنوي العالمي لدى النخب الثقافية والسياسية الغربية والعالمية لسماع صرخات آلامنا، فنحييهم بصورة القضاة المندوبين لتمثيل الادعاء العام، بل ولجان التحقيق الذين يستعصون قيميا وأخلاقيا على بيع ضمائرهم للأنظمة الفاسدة-سوريا وسودانيا- كما تفعل هذه الأنظمة بضمائر قضائها(الوطني) الذي دمرته تدميرا، بعد أن احتكرت هذه الأنظمة ثرواتها الوطنية لوضعها تحت تصرف خدمة سيطرتها وبقائها، ومن ثم تنفيذ جرائمها والفرار من العقاب، ولذا علينا أن نتصور درجة النبل والنزاهة لهؤلاء القضاة الذين يمكن أن تعرض عليهم رشاوى من الثروات الوطنية التي لا تخطر على بال أو خيال أي منهم هذا من جهة، أو عيشهم الدائم من خطر الملاحقة والتصفية من جهة أخرى، وذلك لكي يفر الحكام اللصوص والقتلة من العدالة والعقاب، وعلى هذا فإن الخوف على المحاكم ليس من تسييسها بل من شرائها من قبل مجرمين أثرياء بلا حدود أو إرهابها بالعنف والتفجير كما تم الاكتشاف مؤخرا عناصر من حزب الله تصور مبنى المحكمة الدولية ربما لإعلان الجهاد ضده بوصفه هدفا معاديا ولا يدري المرء سر هذا الحماس (الإلهي) للإفراج عن الضباط الأربعة المتهمين شعبيا قبل أن يكون قضائيا بجرائم الاغتيال، بل ولا ندري سر هذه المناكدة والمناكفة والعرقلة لقيام المحكمة الدولية من قبل حزب الله…! إن كان الأمر يتعلق فقط بالتضامن مع الحليف (الأسدي) أم بالمشاركة معه…!؟
ولذا يحق لهؤلاء المثقفين الغربيين الممثلين للمجتمع المدني بصورة قضاتهم (ديتليف ميليس لألماني-سيرج براميتز البلجيكي-دانيال بالمار الكندي) رؤساء لجان التحقيق الدولية المستقلة باغتيال رفيق الحريري وزملائه، والمدعي العام للمحكمة الجنائية لويس مورينو أوكامبو في استدعاء السوداني عمر البشير، نقول:لكل هؤلاء دين في عنق شعوبنا لا ينبغي أن ينسى ولن تنسى، كما لن تنسى شعوبنا في الآن ذاته-وفي المقابل- الأدوار الدنيئة لمن يسمون قضاة في بلادنا وهم القضاة الأمنيون في خدمة الجلادين الذين يحاكمون أنبل أبناء سوريا (الإثنى عشر كوكبا) من قادة إعلان دمشق وفي مقدمتهم (د. فداء حوراني ورياض سيف).
لقد بدأت مسيرة آل الأسد نحو المحاكمة الدولية، منذ اللحظة الأولى لانقلاب حافظ أسد في سنة 1970، إذ كان على سوريا أن تخرج من مرحلة الشرعية الثورية (البعثية) التي بدأت في 8 آذار1963، بعد أن أسست لها الناصرية عربيا فيما سمي بثورة الضباط الأحرار1952، حيث مرحلة (الشرعية الثورية) الناصرية والبعثية شهدت تصفيات باسم (الثورة)، لكن لم تشهد إبادات جماعية كما سيحدث مع المرحلة البعثية (الأسدية-الصدامية)، التي ظللت إباداتها الجماعية بمظلة الحرب الباردة والانحياز إلى الكتلة السوفياتية.
يبدو أن العدالة الإلهية أو منطق ضمير إتاوات التاريخ أجلت البت بالحكم على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي كان ضحيتها عشرات آلاف الضحايا من الشعب السوري في حماة وتدمر وحلب وكل سجون النظام المنتشرة على كل الأراضي السورية التي واكبت مسيرة إجرام الأسد الأب لتكون العقوبة الإلهية أشد وأعدل، وهي أن يدفع الابن الصغير(بشار) ثمن جرائم أبيه منذ أسفر عن نيوب وراثة إجرام أبيه، وذلك منذ سقوطه الهاوي في جريمة اغتيال رفيق الحريري وصحبه الاثنين والعشرين قبل دخوله الاحتراف مع قتل السلسلة اللاحقة، ومن ثم –وبالتزامن-مع استطالة مخالبه مع اعتقالات طلائع الشعب السوري:من سياسيين ومثقفين وشباب ونساء منذ ربيع دمشق وحتى انعقاد لمجلس الوطني لإعلان دمشق.
إن العقاب الإلهي العادل الذي طال صدام السابق، والذي سيطال الأسد الابن اللاحق، ليس إلا جزءا يسيرا مما فعله الأب نحو أباء المجتمع السوري وهو يفترس لحوم أبنائهم الغضة بوحشية قل نظيرها في التاريخ، فهو –في سيرته لتوريث ابنه البلاد-كان قد ورثه تاريخ جرائمه مع هذه البلاد.
فمنذ توقيع اتفاقيات الهدنة مع اسرائيل بعد حرب تشرين (التحريرية) التفت النظام (الأسدي) إلى الداخل المجتمعي (لتحريره) من كل الهموم السياسية :الوطنية والقومية والاجتماعية، عبر اعفائه من كل هذه الأسئلة، وتركها للقيادة الحكيمة التي بلغت ذروة (ديماغوجيتهاالثورية) في توثين منظومتها العقائدية الشعارية في صيغة (السلطة صنم)، وذلك بشخصنتها في صيغة الفرد المتفرد الأوحد (الأب القائد:قائد التصحيح والمسيرة وقائد شهور التشارين وقائد الأمة العربية… والمهندس الأول والطبيب الأول والطالب الأول…دون أي اهتمام بدلالالة أن من يكون الأول في كل هذه الحيزات لا يمكن أن يكون إلا الطاغية الأول في كل الأحوال)، هذه (الأولانية) كانت الموازي (حزبيا :بطركيا وأوتوقراطيا) للأمين العام للأحزاب الشيوعية الذي تختصر فيه كل الهيئات الحزبية (بدءا من منظمات القاعدة وصولا إلى المركزية – المكتب السياسي) لدى النموذج السوفييتي الستاليني وشركاه في حلف وارسو، حيث وجد الرفاق البعثيون في هذا النموذج الستاليني- ومن قبل (الناصريون)- ضالتهم المنشودة للشرعية الحديثة التي تجيب على جوعهم الشرقي الآسيوي للاستبداد تراثيا، وجوعهم الرعاعي الشعبوي للسلطة والمال والثروة راهنيا، بعد مرحلة من الرومانسية الثورية –النزاهة- التي مثلها جيل االبعث الأوائل (جديد-الأتاسي –زعين) التي أنتهى أصحابها إلى السجن أو القبر أو الاهمال والازدراء، حيث ستشكل وفاة عبد الناصر نهاية لهذه الحقبة الرومانسية (الوطنية الأخلاقية) رغم ريادتها الاستبدادية التي أسست لفلسفة الاستفتاء ونتائج 99%، لتبدأ حقبة (الشمولية الشعبوية الريفية الطائفية) مع بداية انحلال البعث كحزب مدني لصالح (الوثنية الأسدية الطائفية والعائلية) التي وثنت شعارات البعث لتجعل منها مظلة لمقدس عبادة الجنرال المهزوم في حزيران، 1967، تلك الهزيمة التي ستشكل الرضة النفسية التي ترتب عليها كل هذا التهويل في التمجيد لأناه المريضة بالتضخم كرد بسيكولوجي على حجم استشعار العار الذي ألحقه به الاسرائيليون… وكان الرد البسيكولوجي الوحيد على هذا العار هو الانكفاء نحو الداخل عربدة بحياة الناس وكرامتها ودمائها التي يفترض أنها واجبات الحاكم (السوي) نحو شعبه.
وراح الأسد تحت شعارات البعث يؤسس لمملكة الخوف المتشحة بظلال المقدس القومي والوطني، لترتكب تحت مظلته كل السفالات الطائفية والعائلية، من خلال الاستئثار النهم المرضي بالسلطة، يعمقه جوعه المستند إلى تاريخ من البؤس الرعاعي لا يشاكله فيه إلا النموذج البعثي العراقي في درجة التماهي بالسلطة إلى حد الجريمة والإبادة الشاملة ضد الشعب، الذي وثن أيضا إلى مقولات وصيغ نضالية تتيح معها رفع شعارت تحرير الأرض (وطنيا) بالتوازي مع احتلال ذاتية الفرد (إنسانيا) بوصف الذات نواتا لأي مفهوم للحرية، فبمقدار ما كانت تشتد شعارات تحرير الأرض تزداد شراسة احتلال إنسانية الفرد، بوصفه كما مهملا في سوق العراضات (الثورية)، ولعله من المفيد الإشارة-في هذا السياق – إلى غضب حافظ الأسد عندما أبلغ بأن بضعة أشخاص قتلوا في المحافظات السورية بسبب إطلاق رصاص الأفراح بمسيرات الحركة التصحيحية، قائلا بما معناه :وما أهمية مقتل بضعة أشخاص بالنسبة لاحتفالات الشعب بالمناسبات الثورية العظيمة…!؟
لقد تمت عملية فبركة شعبوية لحزب البعث أفقدته كل طليعيته وهجران نخبه المدنية والثقافية من خلال تقديس فلاحي لما يسمى بالعفوية الشعبية من خلال منافسة الناصرية على هذه العفوية التي تحكم الشارع، فتم فتح أبواب الحزب للملايين للرد على مرض هزيمة حزيران من جهة، والمرض بعقدة الناصرية من خلال الاندفاع للتماهي معها من جهة أخرى، سيما بعد وفاة جمال عبد الناصر، إذ راح ينافس غريمه البعثي العراقي على وراثة الناصرية التي لم يعجبا (الأسد وصدام) إلا بمنهجيتها البوليسية، متجاهلين قيمتها الكامنة في نظافة يدها، إذ هما في كل الأحوال شكلا انقلابا على تاريخ نظافة اليد البعثية ذاتها عندما حولوا ثروات بلادهم إلى ملكية عائلية وراثية تستند وفق منطقها الداخلي إلى الطائفية حكما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى عندما راحا يتنافسان على درجة (الوحشية الثورية) في مواجهة حزبهما وشعبهما ومجتمعاتهما من خلال الإرتكابات الإجرامية باسم المقدسات النضالية القومية إذ يدشنان حرب الإبادة الجماعية ضد شعبيهما:(الأسد /حماة وصدام/حلبجة)، حيث راحت تسود رطانة سياسية وإعلامية وسياسات خارجية تغطي خواء عدميا أخلاقيا :على المستوى الوطني والقومي والاجتماعي والسياسي، حيث الواقع يسير بكل خطوة يخطوها باتجاه مضاد للأطروحات القومية التي رفعها البعث خلال أكثر من ثلاثة عقود من تاريخ قيامه، حتى نكاد أن نشخص البنية التكوينية للخطاب القومي البعثي :السوري والعراقي في المرحلة (الأسدية-الصدامية) أو مرادفاته واشتقاقاته من الأشباه والنظائر –سيما الناصرية بعد عبد الناصر التي كانت قد افتقدت مبررات وجودها بعد رحيل شخصها- بأنه غدا خطابا مريضا نفسيا بالهزيمة (هزيمة حزيران)، وذلك لأنه عجز عن استيعابها فأنكرها، ولا يزال ينكرها مثل كل المرضى النفسانيين الذين لا يستطيعون أن يبرأوا من مرضهم، لأنهم ينكرون حقيقة أنهم مرضى بالأصل، حيث كانوا يعبرون عن هذا المرض بنوع من العدوانية المرضية نحو المجتمع الذي كانوا يرون صغارهم ودونيتهم في مرآته إذ يمد لهم لسانه ساخرا من كل أكاذيبهم الإعلامية بصمت، فيزداد تحطيمهم الوسواسي القهري للمرآة، وعلى هذا فإنهم كانوا يصنعون بشكل يومي أقدارهم الفجائعية، حيث الدم لا يزهر إلا الدم، هكذا يقول التاريخ وتجارب البشرية والشعوب… قبل أن ننهي هذا الجزء من السيرة الأسدية نحو المحكمة الدولية لابد لنا من القول بأنهم سيلجأ ون- طبعا- إلى الحيلة ذاتها عبر استحضار إسرائيل، وهي استصراخ المشاعر الوطنية والقومية والدينية للناس كما يفعل البشير اليوم وكما فعل الأسد الصغير من قبل، وذلك لفترة قصيرة كان يخشى من آلية المحكمة الدولية قبل تبلور مسارها، حتى كانت فضيحة استجلاب طلاب مدرسة المعوقين عقليا ليتضامنوا مع رئيسهم بالروح والدم، استشعارا مستبطنا بأن التضامن مع المجرمين لا يمكن إلا وأن يكون فعلا لغير العاقلين…لكن مع ذلك سيلوذون بالمثال الإسرائيلي-الدائم- الذي لا يحاسب دوليا على جرائمه نحو الشعب الفلسطيني ويطالبون بالتساوي معه في حق ممارسة الجرائم نحو شعوبهم…
لا يسعنا في حديثنا هذا إلا الإشارة إلى أن هذا الموضوع قد أشبع استخداما واستثمارا من قبل كل الأنظمة الديكتاتورية والشمولية العربية الذين على صلة مباشرة به كسوريا والذين ليسوا على صلة به كما يفعل اليوم حسن البشير، بل وكما دخل على الخط ملالي إيران للاستثمار الديماغوجي الإعلامي في مجال هذا المقدس العربي الذي يراد له أن يكون مقدسا دينيا بل ومقدسا شيعيا..
نقول للجميع المستثمرين (الميم بالكسر) والمستثمرين (الميم بالفتح) في مجال المقدس الفلسطيني، بأن القيم الحضارية لعالمنا الحديث والمعاصر الذي أنتجته الرأسمالية لا تزال هي قيم مشروعية القوة والبقاء للأقوى، أي المشروعية المؤسسة على الداروينية، وإذا اختلفت مع مفهوم القوة القديم القائم على القوة الجسدية في العصور الوسطى، فإنه اختلاف في نوع القوة، وذلك من خلال الانتقال إلى مفهوم جديد القوة قائم على التقنية واشتقاقاتها المزامنة حداثيا:اقتصادا وإدارة ونظما سياسية واجتماعية تحت مسمى عنوان زمن الحداثة…وعلى هذا ستبقى إسرائيل هي الأكثر تعبيرا وتمثيلا لقيم تفوق عصرنا إلى أجل غير مسمى، يتمكن فيه العرب من مساوقتها والرد على تحدياتها نظما سياسية واقتصادية وتقنية… ولن تأبه حضارة الغرب التي لازالت حداثته (داروينية) للضعفاء والمساكين وأبناء السبيل ما دامت حداثة (ماركس) بعيدة الأجل، بل غدت على الأرجح (طوبى) أخلاقية مثلها مثل باقي الديانات المثالية، وعلى هذا فإذا كانت أخلاقيات الغرب لم تبلغ بعد إدانة المتفوق بالحرب –وإلا ماذا يفعلون بكل ترساناتهم الهائلة-كإسرائيل التي يراها من جنسه وعلى شاكلته حداثيا، فإننا –نحن شعوب العالم الثالث المساكين والمستضعفين وأبناء السبيل المسحوقين بجزمات أنظمتنا الإجرامية -لابد لنا من الاستفادة من المنظومات الغربية التي تقف الذروة العليا لأخلاقياتها عند مسألة التساوي أمام القانون التي سبق لماركس أن دعا إلى تجاوزها باتجاه التساوي الاجتماعي الذي يتجاوز التساوي الحقوقي، أي أننا يمكن لنا الاستفادة من منظومات القيم الغربية التي تنطلق من احترام المنظومة الحقوقية للدولة من خلال علاقة السلطة بمجتمعاتها :أي احترام دولة القانون وحقوق الانسان وحرياته السياسية، وبهذا المعني ينبغي أن نفهم موقف الغرب في كونه يقبل بعلاقات ميزان القوى على المستوى الدولي (علاقات الدول) لكنه يرفضه على المستوى الداخلي للدولة (علاقة الدولة بالمجتمع).
إذن الغرب لا يدين دولة إسرائيل على تفوقها في حربها على أعدائها الخارجيين، بينما يدين دولة الصرب أو دولة السودان أو سوريا في حربهم ضد مجتمعاتهم وشعوبهم العزلاء…
فلنستفد من القانون الدولي الذي يدعم ويساند الشعوب في حرياتها القانونية وحقوقها السياسية والإنسانية في وجوه جلاديها على مستوى الدولة الوطنية، بانتظار طوبى ماركس الشيوعية التي تساوي بين الأفراد والشعوب ليس على مستوى الحقوق القانونية والمدنية والتساوي بين الأفراد فحسب، بل والحقوق الاجتماعية والإنسانية والتساوي بين الشعوب أيضا… لكن بانتظار طوبى ماركس في المساواة البشرية…يجب أن يذهب المجرمون من في بلادنا وأوطاننا إلى العدالة من أي جهة أتت هذه العدالة، فظلم إسرائيل مفهوم للعرب و الفلسطينيين من زاوية الصراع الوطني والقومي مع عدو…لكن ظلم أبناء الوطن لأبناء الوطن لا معنى له سوى أن هناك جلاد وهناك ضحية…ولا يمكن أن يتساوى الاثنان حتى أمام إسرائيل…
mr_glory@hotmail.com
* كاتب سوري- باريس