هناك مسيحي وحيد في لبنان يعرف ماذا يريد. هذا المسيحي هو الجنرال ميشال عون نائب كسروان. يعرف ميشال عون ماذا يريد لسبب في غاية البسلطة يعود الى ان “حزب الله” يعرف ما المطلوب من ميشال عون، كما لديه مشروعه الخاص بلبنان، وهذا المشروع لم يعد خافيا على احد لا في الداخل ولا في الخارج.
من هذا المنطلق لم يكن من سبب ليحتفل لبنان بعيد الإستقلال في ظلّ الظروف الراهنة التي تتسم بغياب رئيس الجمهورية وبازمة اقتصادية عميقة ليس معروفا ما اذا كان البلد سيقوم منها؟
المؤسف وسط كلّ المآسي التي يشهدها لبنان هذه الأيّام انّ هناك فريقا مسيحيا لم يعد مهتما بوجود رئيس للجمهورية. هذا الفريق الذي على رأسه النائب ميشال عون القائد السابق للجيش… يعرف تماما ماذا يريد. انّه لا يريد رئيسا للجمهورية.
الى اشعار آخر، لا تريد ايران رئيسا للجمهورية اللبنانية. كلّ ما تريده هو تغيير النظام في لبنان. تستغل ايران امرين. الأوّل الغياب العربي التام عن لبنان والآخر التطورات في سوريا. تتصرّف ايران من منطلق انه بات لديها شريك في سوريا هو الشريك الروسي. يدفعها ذلك الى التمسّك بوضع اليد على لبنان وصولا الى تغيير النظام فيه كي تكون في المستقبل جزءا لا يتجزّأ من المعادلة في البلد.
الغريب ان يلعب فريق مسيحي دورا في الغاء موقع رئيس الجمهورية، خصوصا ان رئيس لبنان هو رئيس الدولة المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط كلّه، وصولا الى ما هو ابعد من الشرق الأوسط، الى افغانستان وربّما ما بعدها.
في كلّ الأحوال، تأتي ذكرى الإستقلال في وقت اصبح كلّ شيء معطّل في لبنان. هناك لبنانيون نزلوا الى الشارع في الأسابيع القليلة الماضية، كما نزلوا في يوم الإستقلال. تبين ان كلّ ما يطالبون به، عبر الغوغائية التي تتسم بها تحرّكاتهم، يستهدف التغطية على المشكلة الحقيقية التي يعاني منها البلد والتي اسمها السلاح غير الشرعي لـ”حزب الله” الذي صار شريكا في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. هذا السلاح المذهبي في اساس كلّ مشاكل لبنان.
هذا السلاح هو الذي يأتي بارهابيي “داعش” الى لبنان. هذا السلاح هو الذي يثير الغرائز المذهبية التي تحول دون تفاهم بين اللبنانيين في شأن كيفية التعاطي مع المسائل الحيوية التي تهمّ المواطن والتي يفترض في اي دولة من دول العالم المتحضر معالجتها.
هذا السلاح هو الذي يعطّل مؤسسات الدولة اللبنانية ويعمل على تدميرها الواحدة تلو الأخرى.
المفارقة ان الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله يطرح حاليا على اللبنانيين “تسوية شاملة”. لم يعد يتحدّث عن “المؤتمر التأسيسي”. يسعى الى بلوغ الهدف نفسه ولكن من دون اثارة حساسيات تثيرها عبارة “المؤتمر التأسيسي”. المطلوب بكل بساطة وصراحة تغيير النظام في لبنان بدل العمل على المساهمة في تنشيط المؤسسات القائمة، وهي مؤسسات دولة قديمة استقلّت قبل اثنين وسبعين عاما. لم يعد مجلس الوزراء يستطيع الإجتماع دوريا في لبنان. صارت هناك حاجة الى عملية قيصرية في كلّ مرّة هناك حاجة ماسة الى جلسة لمجلس الوزراء من اجل تفادي الإنهيار الكامل للدولة.
لو كان “حزب الله” يريد بالفعل تسوية في لبنان، لما طرح التسوية قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية. يختصر منع مجلس النوّاب من انتخاب رئيس للجمهورية مأساة لبنان بكل ابعادها.
هل على اللبنانيين في الذكرى الـ72 للإستقلال الإستسلام لليأس، خصوصا ان روسيا قرّرت مثلا اغلاق مطار رفيق الحريري في بيروت، بعض الوقت، لمجرّد انّها تريد اجراء مناورات في منطقة بحرية لا تبعد كثيرا عن شواطىء لبنان؟
من الباكر الإستسلام نهائيا لليأس. لكن الثابت ان وضع لبنان يتدهور يوميا في وقت هناك فريق مسيحي يقبل املاءات “حزب الله”. هذا الفريق يقبل عمليا تغييرات جذرية تطال النظام من دون مشاركة لرئيس الجمهورية… وفي غيابه!
في النهاية، هل يمكن تغيير النظام بقوة السلاح؟ هل يكفي امتلاك “حزب الله” للسلاح كي لا يعود مجال لإنتخاب رئيس للجمهورية؟
ما يحصل في لبنان انقلاب بكلّ معنى الكلمة. مثل هذا الإنقلاب مرفوض لا اكثر ولا اقلّ، لا لشيء سوى لأنّ الهدف منه تغيير الصيغة التي اتفق عليها اللبنانيون في الطائف وهي صيغة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. هل يبقى معنى للبنان من دون المناصفة؟
كيف يمكن لفريق مسيحي الدخول في هذه اللعبة التي يديرها “حزب الله”؟ هذا هو السؤال الكبير الذي يُفترض على اللبنانيين طرحه على انفسهم. ان موقف “حزب الله” مفهوم جيّدا. هذا الحزب يعترف، بلسان قادته، ان مرجعيته في طهران وليس في لبنان وانّه حزب تابع للوليّ الفقيه. هذا الحزب يقاتل في سوريا متحديا كلّ مبادئ السيادة اللبنانية لأنّ الوليّ الفقيه يريد ذلك.
باختصار شديد، ان “حزب الله” صادق مع نفسه الى النهاية. ثمّة حاجة ايرانية الى تغيير النظام في لبنان. ينفّذ الحزب ما تطلبه طهران منه لأنّه يؤمن بان مصلحة ايران تتجاوز مصلحة لبنان وان لبنان ليس سوى تفصيل مقارنة مع ما تمثّله ايران بالنسبة اليه.
لا لوم اذا على “حزب الله”. اللوم على من يغطي الحزب من امثال ميشال عون الذي يدّعي الدفاع عن حقوق المسيحيين، فاذا به يدوس على هذه الحقوق ويجعل من المسيحيين مجرّد ادوات في لعبة لا علاقة لهم بها من قريب او بعيد، بل لا تخدم مصالحهم ولا تحمي حقوقهم باي شكل من الأشكال. هل من مسيحي لبناني يعمل في ايران؟ هل من عائلة مسيحية تتلقّى مساعدات يرسلها احد ابنائها العاملين في ايران؟
في المقابل كم عدد العائلات اللبنانية التي يعمل ابناؤها في دول الخليج العربية؟ كم حجم الأموال التي يرسلها هؤلاء الى هذه العائلات؟ والى اي مدى يساهم اللنانيون العاملون في الخليج في دعم الإقتصاد اللبناني، او على الأصحّ ما بقي منه؟
في الذكرى الـ72 للإستقلال، لم يعد لكلمة عيب معنى. لم يعد عيب على لبناني مسيحي ان يرى مصلحة ايران ولا يرى مصلحة لبنان. هذا فصل جديد من تاريخ لبنان، تاريخ لا علاقة له بلبنان… لا من قريب ولا من بعيد.