تشنّ عدد من الفضائيات ذات التوجّه ”الإسلامي”، “المعتدل”، أو المتشدّد- كقناة المجد- منذ أشهر حملة ضارية على “قنوات الخلاعة والمجون” وتطالب بإغلاقها، مبيّنة خطرها على الأسرة المسلمة وعلى المشاهد المسلم. بل ذهب عدد من الدعاة إلى إصدار فتاوى دينية تحذّر المسلم من مشاهدة هذه القناة أو تلك. ووصل الأمر ببعضهم إلى حد المطالبة بمحاكمة أصحاب ‘قنوات الخلاعة’ المتفسخة والمنحرفة”. والمشرفين على إنتاج الكليبات والفنانات وتطبيق حدّ الحرابة عليهم. ( الفتوى التي أصدرها الشيخ صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في السعودية بجواز قتل أصحاب الفضائيات.. لكونهم من المفسدين في الأرض. «إن من يدعو إلى الفن إذا قدر على منعه ولم يمتنع يحل قتله، لأن دعاة الفساد في الاعتقاد أو في العمل إذا لم يندفع شرهم بعقوبات دون القتل جاز قتلهم قضاء»!)
وتأسست منذ أشهر جمعية، “فضيلة”، لمراقبة الفضائيات غير الإسلامية والتشهير بمضمون ببرامجها. والملاحظ أنّ التصدي لأصحاب الإعلانات غير الأخلاقية، والبرامج الخليعة سيتجاوز شنّ الحملات الضروس إلى التهديد الفعلي إذ يتوعّد أصحاب الفضيلة ‘المنحرفين’ بأنّه “سيكون لنا معهم شأن آخر”. فهل يعني هذا الحثّ على إزهاق بعض الأنفس وتدمير عدد من المنشآت الفضائية….!
وليس غريبا أن تنطلق مثل هذه الحملات باعتبار أنّ السياق السياسي الاجتماعي الثقافي الاقتصادي الذي تعيشه المجتمعات العربية أو الإسلامية يشير بوضوح إلى تقهقر وانحطاط وارتداد. فالمجتمعات المعاصرة باتت محكومة بفتاوى العصور الوسطى وصارت تعمل جاهدة على نبذ اللغات الأعجمية، والامتناع عن تدريس الفلسفة، ومصادرة الأعمال الروائية أو الشعرية التي تخالف المعايير التي ضبطها الساهرون على الشريعة، ورفض تدريس الفنون أو أسلمتها باللجوء إلى تحجيب صور التماثيل التي تتضمّنها المعاجم المختصّة بعد أن تمّ تحجيب الفنانات وتحويل وجهة المؤلفين إلى كتابة المسلسلات الدينية ونصوص الأغاني التي تعلن التوبة أو تمدح النبيّ حتى صار الرسولَ قائدا وأبا ومثالا يتعيَّن على الناس جميعا من الآن فصاعدا أن يتماهوا معه… وصار التنافس في إنتاج الكليبات التي تنوّه بعودة الضالين إلى أقوم سبيل… وهكذا تفاقمت عمليات التأثيم و الفرز وإقامة الجدران العازلة بين المؤمن الملتزم وغير الملتزم، المسلم وغير المسلم، الرجل والمرأة… وتمّت محاصرة الإبداع وضُيّق الخناق على عدد من المبدعين في محاولة لدفع أغلبهم إلى الانصراف عن مجال الإبداع الحرّ. اتساع دوائر الخوف أخرس أصوات فئات وجفّف أقلام أناس عجزوا عن المقاومة.
لقد آل الأمر إلى تحويل الفضاء الإعلامي إلى ”جامع” يمارس أخطر وظيفة: التنميط. تنميط المشاعر والأحاسيس والرؤى والتصورات والطموحات والأذواق وفرض السلوك الشعائري قسرا على جميع الناس، وتسلّط الخطاب الدعوي على سائر فنون القول وضروب التعبير. وباتت القنوات التي تروّج الدعوة مؤسسة لإنتاج ”الحقيقة” تحوّل مسار المساءلة عن مسالكه لتفرض نمطا من ”الدهشة” إزاء الداعية فإذا بالمشاهد، غرّا كان أو رشيدا، ينحو منحى الافتتان بخطاب الداعية السحري، ويستعيض عن المساءلة والحيرة بالمحاكاة الآلية.
استراتيجية الرفض شملت عدّة مجالات فاتسع حجم الممنوعات والمحرّمات. إنّه الرجوع الى أدبيات العصور الوسطى حيث كان أفق المعتقد الديني هو المسيطر والموجّه لحياة الفرد والجماعة وحيث كان القوم يفسرون الظواهر بأنها تدخل مباشر إما من الله أو الشيطان .
أمّا نزعة تطهير الثقافة بدعوى المحافظة على الأخلاق، فإنّها تنمّ عن تبلور إيديولوجيا طهرانية واضحة المعالم قائمة على ممارسة الإكراه والمقت والكره والعمل على سحق الفرد الذي لا ينضبط ولا يستسلم لنظام الضبط الاجتماعي.
ما الذي أضجر حرّاس العقيدة؟ أهي صور العري المتسللة إلى مجتمع حريص على الحجب: حجب الأجساد والمعارف والحقائق والمعلومات….؟ مشاهد العري و”الصور الخليعة” وأشكال التعبير الجسدية المتعددة ‘والموسيقى المائعة”’…. تهتك المستور وتعرّي الذين يخشون على ذواتهم وأجسادهم من عري الآخر واختلافه هيئة وسلوكا وتصوّرا لعلاقته بالناس والأشياء والكون وطريقة تمثله للعالم والأشياء. ما تعرضه قنوات ‘المجون والخلاعة’ يفضح هوامات حرّاس العقيدة وأتباعهم ويكشف النقاب عن بنى وأنساق المجتمعات التي تسعى جاهدة إلى ستر عوراتها وعيوبها بإنتاج خطاب التعالي الذي يوهمنا بالرجوع إلى زمن ندعي فيه سيادة الطهر والنقاء، أي الهوية الصافية. ومن هنا جانب الخداع والمراوغة والمغالطة الذي يمارسه ‘حراس العقيدة’ عندما ينزّهون التراث عن حالات الخرق والتجاوز…. وبذلك يعرضون صورة عما يريدون هم أن يروه في مجتمع الدعوة والقرون الأولى، أي العصر التدشيني.
ما يخفيه خطاب الدفاع عن الفضيلة والأخلاق والعادات والذوق العام والخصوصية ومصالح الأسرة ومحاربة الظواهر التي تخرق المعايير والأعراف المصالح التي يجنيها أصحاب هذا الخطاب. فالسجال ليس دوما صراعا من أجل الدفاع عن الإسلام وعن الفضيلة بل هو في كثير من الحالات، حفظ للمواقع والمصالح وسعي إلى الهيمنة على الجمهور باجتذاب المشاهد والتحكّم في نوع المتعة التي توجّه إليه والتنافس من أجل ضرب الوصاية على المشاهد الذي نفترض دوما أنّه سلبي قاصر مجرد قاع يتلقى ولا عقل له ولا اختيار ولا مسؤولية… إنّه الزعم الفجّ بأنّ الشيخ/الداعية أولى من المشاهد بحريته.
ووراء إزاحة قنوات “الانحلال الأخلاقي” والترويج لقنوات “الصلاح” أموال ومصالح…. كما أنّ وراء تشكيل مجتمعات “المراقبة والعقاب” إحياء للأنظمة المعرفية القديمة ولقانون الأب.
يبرر أصحاب هذا الهجوم على الفنون بأنه إصلاح للمجتمعات وأسلمة تعيد الأمور إلى نصابها بعد أن ساد التغريب والتشبه بالآخر في السلوك والهندام والأقوال وشتى ضروب الفعل والقول. ولكن يذكرنا الموقف العدائي من الفنون بموقف اليهود الأوائل الذين كانوا يحرّمون غشيان معاهد التمثيل ويقاومون تسلل روافد الثقافة اليونانية إلى ثقافتهم المحليّة!
إنّ الهجوم على مختلف طرق التعبير الفنيّ يحجب، في الواقع، الجهل والعجز والقصور عن فهم وإدراك التحولات الطارئة على المجتمعات المعاصرة على مستوى البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والذهنيات وأنماط التعبير وغيرها. كما أنّ الرغبة في تنميط الثقافة تومئ إلى عجز عن استيعاب الغيرية وسعي مرضي إلى الانطواء على الذات واعتبارها عنوان الكمال.
وممّا لا شكّ فيه أنّ ثقافة البُعد الواحد وإكراه الناس على خيار واحد تنسف الاختيار الحر المسؤول وتفرز سلوكا غير سويّ وتزيد من حجم الكبت وأشكال العنف وغيرها من مظاهر السلوك المرضي فضلا عن مساهمتها في تفشي الرياء والنفاق الاجتماعيين فإذا ببعض الدعاة والشيوخ يحرّمون على الآخرين رؤية الكليبات الخليعة ويمنعون زوجاتهم وأبناءهم من متابعة برامج القنوات ‘الضالة’ ولكن يحلو لهم ‘التلصص’ والركون إلى الخلوة مع جهاز التلفاز بغاية المتابعة والانتقاد والاستمتاع …
إنّ الأصولية الثقافية هي أشد خطرا على المجتمعات والثقافات من الأصولية الدينية. ذلك أنّها تقوم على المغالطة التاريخية والتلاعب بالتراث وتزييف الذاكرة الجمعية فتفضي إلى حظر الإبداع الذي يمثّل مصدر الحياة واتهامه بالوقوع في ضلال الشيطان. كما أنّها تساهم في خلق جيل منفصم وغير سويّ، غير قادر على الانخراط في الإيقاع الذي يطبع الواقع الراهن والذي يتميّز بهيمنة قيم النسبية والسرعة، والتحول المذهل، ويتطلب مهارات الذكاء والقدرة على الإدراك والتكيّف والخلق والإنتاج بدل التقوقع على الذات.
وبصرف النظر عن إيجابية هذا الإيقاع السريع للتثاقف أو سلبيته، فهو يبقى واقعا مفروضا، وبالتالي فإن تمثله واستيعابه يقتضيان انبثاق الفكر النقدي الحر ومزيدا من التنوير ودربة على تعقّل الظواهر لا الحكم الأخلاقي عليها.
amel_grami@yahoo.com
جامعية تونسية
les jeux de sex
اريد لعب الخلاعة
وشكرا
انسى يا حسين انسىالأخ الكريم حسن إنسى يا عزيزي..إنسى تماما ان تجد اي اجابات على تساؤلاتك حول ما يحدث بعد 50 سنة او 80 سنة من حياة الانسان وخصوصا حياة الدكتور أمال يا اخي الفاضل إجابة هذا السؤال تجدها في كتاب الله عندما أقر قدماء العلمانيين برفضهم لاي دين او اي عقيدة ورفضهم لفكرة الحساب حيث قالوا” إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا” وأكدوا على جهلهم المطبق عندما استدركوا بمقولة “وما نحن بمبعوثين” فالدكتورة أمال لن تبعث, وكل من يعتنق العلمانية لن يبعث, هذه عقيدة عندهم ولكن…. أنا أسأل الدكتور أمال وكل دكتورة او دكتور أخر من العلمانيين إذا… قراءة المزيد ..
قد ألقمتهـــــا الحجـــر ، لا فض فوك
الأستــــاذ حســــن
دعنــــي أنحنــــي اعجـــابــا بمـــا سطـــرت أنـــاملك المبـــاركة!!
و أتمنـــــى من الدكتـــورة آمــــال أن تحــــاول أن تتــــرك التطــــرف في فرض أفكـــارهــا و أن تعتـــدل ، و تسمـــح للآخـــر بـــأن يعيــــش بالطريقـــة التـــي يحبهــــا ، لأن الآخـــــر قد استقــــام فكــــره و عقلـــــه و ســــالم نفســـــه بمـــا سميتيــــه أنت بالــ”المحاكاة الآلية” ، و لتكــــونــــي أنت حـــرة في أن تعيشــــى في ظـــل الــ”المساءلة والحيرة” كمــــا وصفتــــي في مكتــــوبك
د امال انت متميزة جدا نعم اقولها باقتناع .. انت متميزة لانني لو اردت ان اعمل برنامج متكامل للاصولية الثقافية كي تخترق المجتمع لما وصلت الى ما وصلتي اليه من ربط بين الجهد المرئي والمسموع والتاثير على الفنانات .. وبرامج تدريس الفلسفة .. والصور والنحت والشعر والهجوم على القنوات الخليعة واستخدام التهديد ضدها واسلمة الناس وفرزهم الى مسلم وكافروالتضييق على المبدعين والاستعانة بممارسات اليهود وتوسيع دور الجامع .. صدقيني لم يخطر باذهان رجال التيار الاصولي كل ما ذكرتي فمعظمهم بسطاء لهم نمط معيشي ثابت واكثرهم يتحاشى النظر الى سيدة نصف عارية … ولكن يا دكتورة .. لم اقم بزيارة تونس… قراءة المزيد ..