لم يكن الكويتيون يتوقعون ان يستفيقوا يوما ليجدوا بين بيوتهم ترسانة اسلحة ضخمة قادمة من ايران ومخزنة لدى مواطنين اقروا بانتمائهم الى “حزب الله “ وعلاقاتهم باجهزة ايرانية وانهم تلقوا تدريبات عسكرية في لبنان وانهم يؤسسون لفرعين سياسي وعسكري في الكويت في انتظار التعليمات سواء من ايران او من قيادة الحزب.
التحقيقات التي اجرتها النيابة العامة في الكويت شملت 25 متهما وهم مرشحون للزيادة. خلصت التحقيقات الى اتهامات قوية تبدأ بـ”زعزعة الاستقرار” وتنتهي بـ”تقويض نظام الحكم”. لم تجد الحكومة الكويتية بدا من انتظار كلمة القضاء كون الاحكام النهائية ستصدر من المحكمة. ومع ذلك اصدرت بيانا شديد اللهجة اعتبرت ان المقصود بالمخطط الذي تم اكتشافه “ضرب كيان الكويت نفسه”. معنى ذلك أن الأمر يتجاوز اكتشاف اسلحة ومجموعة ارهابية إلى مخطط يستهدف الدولة ومؤسساتها.
تكمن خطورة خلية “حزب الله” في الكويت واعترافات افرادها بالعلاقة لعضوية مع ايران في الرسالة التي اريد ايصالها من خلال ترسانة اسلحة تكفي لتفجير مدينة باكملها. فحوى الرسالة ان ايران لم تراع اقرب دولة خليجية لها ولم تأخذ في الاعتبار ان الكويت لعبت ادوارا كثيرة في تقريب وجهات النظر بين ايران ودول الخليج من جهة وبين ايران ودول العالم من جهة اخرى… ايران لم تحترم اليد الكويتية التي مدت لها، بل بادلت عشرات المبادرات الكويتية الخيرة تجاهها، بما في ذلك زيارة امير الدولة الشيخ صباح الأحمد لطهران، باطنان من “سي فور”، وهي مادة شديدة الإنفجار، والاسلحة الثقيلة والخفيفة. تؤكّد الرسالة الإيرانية ان المخطط الايراني في المنطقة لا سقف له ولا حدود، وانه اذا كان الامر مع الكويت “القريبة” من ايران هكذا، فالامر مع الدول الاخرى على رأسها المملكة العربية السعودية، سيكون اصعب وامر وادهى. الملفت في الحدث الكويتي، أنّ اكتشاف الخلية الإيرانية وترسانتها، جاء بعد اسابيع قليلة من توقيع الاتفاق النووي الايراني مع المجتمع الدولي (مجموعة الخمسة زائدا واحدا)، وبعد ايام من مقال لوزير الخارجية محمد جواد ظريف عنوانه “الجار قبل الدار” وقبل ايام من خرق آخر للسيادة الكويتية تمثل في اتخاذ ايران خطوة من جانب واحد في حقل الدرة البحري المشترك بين السعودية والكويت حين اقدمت على استدراج عروض لمناقصات من الشركات الاجنبية لبدء الاستثمار والاستكشاف في الغاز والنفط. وحدا ذلك بالكويت إلى توجيه احتجاج رسمي.
وعدت ايران العالم بانها ستعطي تطمينات لدول الخليج بفتح صفحة جديدة معها. وجهت رسائل مختلفة في اتجاهات متنوعة بان الاتفاق النووي ليس على حسابها، لكنها سارت في ما يبدو بمسار آخر. الكلام العلني الإيراني شيء وما تقوم به ايران على الأرض شيء آخر. ما تقوم به ايران يتمثل في تمتين شبكاتها داخل دول الخليج ومدها بكل ما يلزم من دعم مالي وعسكري في انتظار تغير الظروف واستخدام هذه الشبكات ورقة جديدة للتفاوض مع العالم في شأن دور اقليمي اوسع يحقق لها حلم الامبراطورية الفارسية (المغطى ايضا بالخطاب الاسلامي).
من يراقب سلوك ايران في العراق الداعم بقوة لادواتها الميليشوية وسلوكها في سوريا الساعي لايجاد مخارج تبقي بشّار الاسد في السلطة، يدرك ان التركيز الايراني المقبل هو على انتزاع شرعية للدور الاقليمي الاول.
الكويت دولة مسالمة، هذا ليس سرّا. انها على استعداد للتغاضي عن اساءات كثيرة تجاهها وذلك حرصا منها على الإستقرار في المنطقة وعلى ابقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الجميع. هذا لا يعني في أيّ شكل أن هناك استعدادا كويتيا للتغاضي عن اي اساءة لإمنها الداخلي او المس به. سلاح الكويت في هذا المجال هو الوحدة الوطنية والمحافظة عليها. الدليل على ذلك التصرّف العفوي للسلطات الكويتية، على رأسها امير الدولة، لدى تفجير مسجد الصادق قبل بضعة اسابيع وسقوط عدد كبير من الضحايا.
كانت هناك مسارعة إلى التصرف بما يثبت أن الكويت لجميع الكويتيين. كان المفجّر مواطن سعودي من “داعش”. امكن كشفه بسرعة. كشف ايضا شركاؤه في الكويت وقبض عليهم. هناك قناعة لدى الكويتيين بأن الوحدة الوطنية خط الدفاع الأوّل عن الكويت.
ظهرت الوحدة الوطنية التي دافع بها الكويتيون عن بلدهم عند حصول الإجتياح العراقي للكويت، في مثل هذه الأيّام قبل ربع قرن. لم يجد صدّام حسين وقتذاك كويتيا واحدا على استعداد للتعاون معه او حتى لفتح حوار من أيّ نوع كان مع الإحتلال او من يمثّله. كان موقف الكويتيين الحجر الأساس الذي حال دون تمكين النظام العراقي السابق من تحقيق اهدافه. وتكفّل المجتمع الدولي، بفضل وعي كبار الأسرة الحاكمة، باعادة البلد إلى اصحابه.
في مواجهة الخطر الإيراني، ليس امام الكويتيين مرّة أخرى من خيار غير تأكيد أنّ كلّ متفجرات العالم لن تجعلهم يتخلون عن الوحدة الوطنية. في النهاية، ما لا بدّ من تذكّره أن الكويت عرفت دائما كيف تحمي نفسها، حتّى ابان الحرب الباردة وطوال الحرب العراقية ـ الإيرانية بين 1980 و1988 من القرن الماضي. الأكيد أنّ كمية المتفجرات المكتشفة ونوعها يثيران قلقا كبيرا، كذلك الواقع المتمثل في ان الأسلحة والمتفجرات جاءت من ايران، وان مواطنين كويتيين تدربوا في لبنان لدى “حزب الله” الذي هو في نهاية المطاف لواء في “الحرس الثوري الإيراني”.
يدلّ هذا كلّه على أن الكويت تواجه تحديات جديدة في منطقة لا تزال تعيش تحت تأثير ترددات الزلزال العراقي الذي تسببت به الإدارة الأميركية في العام 2003 عندما قرّرت اسقاط النظام في العراقي. لم تفكر ادارة جورج بوش الأبن من دون التفكير بأن الحاجة كانت إلى خطة واضحة المعالم يجري تطبيقها في اليوم الأوّل الذي يدخل فيه الأميركيون بغداد.
هذا الزلزال العراقي زاد من شهية ايران إلى التوسّع. الثابت أن الشهية الإيرانية زادت بعد توقيع الإتفاق النووي. بات واضحا أنّ هناك استهدافا ايرانيا للكويت العضو الفاعل في “مجلس التعاون لدول الخليج العربية”. كيف ستردّ الكويت على التحديات الجديدة؟
نقطة البداية الوحدة الوطنية في الكويت. تغيّرت الظروف الإقليمية وتغيّرت طبيعة التحديات. ما لم يتغيّر هو الكويت التي لا تزال، إلى اشعار آخر، متمسكة بالوحدة الوطنية التي تراهن ايران على اختراقها. الأرجح أنّا لن تتمكّن من ذلك، الأرجح أنّها ستفشل حيث فشل قبلها صدّام حسين وآخرون. هذا على الأقلّ ما توحي به المعطيات وردود الفعل الشعبية والرسمية على كشف الأسلحة والمتفجرات والذين كانوا ينوون استخدامها. هناك حزم ولكن هناك تروّ في الوقت ذاته. هذه طبيعة الكويت التي لم تتغيّر.