ردّت أربع دول على إعلان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تشكيل قوة حدودية سورية تقودها “وحدات حماية الشعب” الكردية. فقد قالت موسكو بأنها سترد بالمثل عليه، فيما قالت دمشق إن كل مواطن يشارك في القوة سيعد “خائنا”، بينما شددت طهران على أن تشكيل القوة سيعقد الأزمة ويرفع من وتيرة الحرب.
لكن الرد التركي على الخطوة الأمريكية كان غاضبا، إذ اعتبرت أنقرة أن الإعلان هو خطوة غير مقبولة تعرّض الأمن القومي التركي ووحدة الأراضي السورية للخطر وتعطي شرعية “لمنظمة إرهابية”، في إشارة إلى “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تصنفها الحكومة التركية كمنظمة إرهابية وتعتبرها امتدادا لحزب العمال الكردستاني.
وحسب التحالف الدولي فإن القوة الحدودية تهدف إلى الإنتشار على الحدود السورية مع تركيا والعراق وشرقي نهر الفرات لمواجهة أي تحرك جديد لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وستضم 30 ألف عنصر يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري.
ووفق المراقبين فإن هدف الولايات المتحدة من تشكيل هذه القوة هو السيطرة الاستراتيجية على منطقة الحدود السورية، ومن ثم السعي للعب دور بارز في القرار السياسي المتعلق بمستقبل الوضع في سوريا. فقبل طرد تنظيم الدولة الإسلامية من المدن التي كان يسيطر عليها، حرصت واشنطن على التنسيق مع بعض القوى المؤثرة الموجودة على الأرض السورية، كالقوات الروسية، بهدف التعاون ضد التنظيم. لكن، بعد تحقيق هذا الهدف رأت واشنطن أن عليها الالتفات إلى موقعها من الصراع، سواء ما يتعلق بقوتها وحلفائها على الأرض أو ما يتعلق بثقل موقفها السياسي.
وكان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس توقع في نهاية ديسمبر زيادة عدد المدنيين الأمريكيين في سوريا وبينهم متعاقدون ودبلوماسيون، بعد دحر تنظيم داعش من هناك. في حين قال بريت ماكجورك المبعوث الأمريكي الخاص لدى التحالف إن “الولايات المتحدة مستعدة للبقاء في سوريا حتى نكون على يقين من هزيمة داعش واستمرار جهود بسط الاستقرار، وأن ثمة تقدما ملموسا في العملية السياسية”.
ويمكن النظر إلى الدعم الأمريكي لأكراد سوريا، وإلى تعاون التحالف الدولي معهم لتشكيل القوة الحدودية، بأنه تعزيز لفرص تشكيل حكم ذاتي في بقعة جغرافية واسعة ذات مدلول استراتيجي كبير وتحت حماية أمريكية، بعد تراجع فرص تشكيل أي قوة مشابهة بالتعاون مع فصائل أخرى تعرضت لهزائم عسكرية. وكذلك هو تأكيد أمريكي على أن الفصائل الكردية السورية تحمل مقومات استمرار العمل العسكري ضد النظام السوري أكثر من فصائل المعارضة الأخرى، أي أنها من الرابحين القليلين في الصراع، ما يجعل التعويل عليها ممكنا في جهود تغيير المعادلة السياسية/العسكرية.
ورغم “إعلان” موسكو معارضتها لتشكيل القوة الحدودية، إلا أن مراقبين يعتقدون بأن الموقف الروسي، بعد التطورات العسكرية المتعلقة بداعش، قريب من الموقف الأمريكي. فالطرفان، حسب المحلل السوري يوسف شيخو في مقال بموقع “معهد واشنطن”، يؤيدان انتقال سياسي جاد، ومنح دور مستقبلي للأكراد، وتقليل النفوذ الإيراني والتركي في سوريا، وإبقاء خطر الحرب بعيداً عن حدود إسرائيل.
فعلى الرغم من إصرارها على وحدة الأراضي السورية، إلا أن موسكو لا تمانع من وجود حكم ذاتي للأكراد. ويرجح شيخو أن يقف الروس ضد التهديد التركي بالتحرك العسكري ضد أكراد سوريا، وأن يؤثر ذلك في علاقة تركيا مع روسيا. وهذا قد يعني بأن الموقف الروسي لا يمانع التوصل إلى حل سياسي لسوريا في إطار إعطاء الأكراد حكما ذاتيا، وقد يتم ذلك في ظل موافقة دمشق. أي أن تشكيل القوة الحدودية قد يؤدي في نهاية المطاف إلى حكم ذاتي لأكراد سوريا، وسيرفض الأتراك والأيرانيون ذلك، لكن قد يتوافق الأمريكان والروس على أصل المشروع، ليتحول إلى مقدمة لاتفاق سياسي بشأن مستقبل سوريا.
- كاتب كويتي