يعتبر تبنّي الدكتور سمير جعجع ترشيح النائب المسيحي ميشال عون لرئاسة الجمهورية حدثا في غاية الأهمّية في لبنان، خصوصا انه سيكشف ما اذا كانت هناك نية لدى معرقلي انتخاب رئيس للبنان في تغيير موقفهم.
لعلّ اهمّ ما في الحدث انّ جعجع تلا على عون في المؤتمر الصحافي المشترك بيانا لا يؤمن الأخير بأيّ كلمة فيه، خصوصا انّه بيان يتضمّن كل المبادئ التي تنادي بها حركة الرابع عشر من آذار التي قامت من اجل استعادة لبنان لحرّيته واستقلاله وسيادته.
قبل كلّ شيء، لا يمكن الّا الترحيب بأيّ تقارب مسيحي ـ مسيحي في لبنان، خصوصا في حال كان لهذا التقارب مضمون ما وفي حال ساهم في انتخاب رئيس للجمهورية يعد ما يزيد على تسعة عشر شهرا على شغور هذا الموقع ووضع ايران، عن طريق “حزب الله” عراقيل في وجه انعقاد جلسة لمجلس النوّاب يُنتخب فيها رئيس للدولة.
في تاريخه السياسي والعسكري الطويل، لم يعمل ميشال عون سوى من اجل الوصول الى رئاسة الجمهورية بأيّ ثمن كان. هل صار القائد السابق للجيش اللبناني الذي ادخل الجيش السوري الى قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية مهتما في السنة 2016 بوثيقة الوفاق الوطني، اي باتفاق الطائف، وبحصر السلاح بالقوى الشرعية اللبنانية، اي بالجيش وقوى الأمن الداخلي؟
الأكيد ان عون صفق لجعجع من دون ان يسمع اي كلمة قالها الأخير في المؤتمر الصحافي المشترك او يستوعب معنى الكلام الصادر عن رئيس حزب “القوات اللبنانية” ومغزاه. كان كلّ همّه محصورا في سماع تبني “القوات اللبنانية” لترشيحه للرئاسة.
من الواضح ان سمير جعجع اراد من خلا تبنّيه ترشيح ميشال عون خلط الأوراق السياسية في لبنان. بكلام اوضح، اراد الردّ على الرئيس سعد الحريري الذي عقد اتفاقا مع الوزير السابق والنائب الحالي سليمان فرنجيه “صديق بشّار الأسد” الطامح بدوره الى ان يكون رئيسا للجمهورية.
على خلاف ميشال عون، بقي سليمان فرنجيه دائما في خط سياسي معروف. ذهب بعيدا في مرحلة معيّنة في ممالأة النظام السوري وفي قول كلام عن “المقاومة” وما شابه ذلك.كان عليه قول هذا الكلام الذي يعرف انّه ليس صالحا سوى للإستهلاك الداخلي وتمرير الوقت في احسن الأحوال.
لكنّ ما لا بدّ من الإعتراف به انّ سليمان فرنجيه لم يلعب يوما دور المنافق كما فعل غيره. كان معروفا في كلّ وقت انّه ورث زعامة جدّه سليمان لأنّ عمه روبير قال كلاما جريئا، بل جارحا، للرئيس السوري حافظ الأسد في العام 1988 بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميّل. وقتذاك، تخلّى الأسد الأب عن ترشيح سليمان فرنجيه الجدّ لرئاسة الجمهورية بحجة انّه مرفوض اميركيا، فما كان من روبير فرنجيه الّا ان اتّهم حافظ الأسد بـ”قلة الوفاء” في جلسة بينهما.
كان ردّ فعل الرئيس السوري الراحل ان طلب ان تنتقل زعامة آل فرنجية الى سليمان الحفيد واضعا نهاية للحياة السياسية لروبير فرنجيه.
هذه، بكل بساطة واختصار، قصّة سليمان فرنجيه الحفيد الذي اغتالت مجموعة كتائبية على رأسها ايلي حبيقه والده وامه واخته. كان سمير جعجع ضمن المجموعة التي توجّهت لتنفيذ عملية الإغتيال في اهدن يوم الثالث عشر من حزيران ـ يونيو 1978، لكن الذي حصل استنادا الى الشهود العيّان ان جعجع اصيب في الطريق الى اهدن ونقل الى المستشفى. على الرغم من ذلك، تصالح سليمان فرنجيه مع ايلي حبيقه وبقي خصما لدودا لسمير جعجع، لا لشيء سوى لأنّ النظام السوري يريد ذلك. فحبيقه انتقل من الحضن الإسرائيلي الى الحضن السوري، فيما حافظ سمير جعجع على مواقفه المعروفة، بما في ذلك تأييده اتفاق الطائف في العام 1989 وقبوله حلّ ميليشيا القوات اللبنانية وبيع سلاحها.
من حقّ سمير جعجع الإعتراض على سليمان فرنجيه، الذي ظلمه، ولكن هل من حقّه تبنّي ترشيح ميشال عون للرئاسة؟
توصّل سمير جعجع الى تفاهم مع ميشال عون قبيل خروج امين الجميّل من قصر بعبدا في ايلول ـ سبتمبر 1988. لم يحترم ميشال عون الإتفاق الذي جعل منه رئيسا لحكومة موقتة في انتظار انتخاب رئيس جديد للجمهورية.، بدل تنفيذ المهمّة الوطنية الموكولة اليه، حصر ميشال عون طموحه في القضاء على “القوات اللبنانية” التي كانت لا تزال ميليشيا مسلّحة، لعلّ ذلك يقنع السوري بايصاله الى رئاسة الجمهورية. بين 1988 و 1990 دارت حروب بين عون وجعجع. معظم المسيحيين الذين هاجروا من لبنان، انّما هاجروا بسبب تلك الحروب.
هل تغيّر شيء في ميشال عون في السنة 2016، كي يصبح في الإمكان تبني ترشيحه لرئاسة الجمهورية؟
الأكيد ان شيئا لم يتغير، كما انّه لا يمكن لشيء ان يتغيّر في الرجل. الدليل على ذلك، ان جبران باسيل، صهر عون ووريثه، الذي يشغل حاليا موقع وزير الخارجية، كان في الواقع وزير خارجية ايران في الإجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة. كان الهدف من الإجتماع التضامن مع المملكة العربية السعودية بعد احراق الجمهور الإيراني “الغاضب” سفارتها في طهران والقنصلية في مشهد. ماذا فعل باسيل في الإجتماع الذي كان فيه مزايدا حتّى على وزير الخارجية العراقي المعروف بعلاقته الوثيقة بطهران؟
ليس سرّا انّ وزير الخارجية اللبناني ذهب الى ابعد حدود في اثارة الشكوك العربية في قدرة ميشال عون على ان يكون خارج وصاية “حزب الله” وسيطرته.
هل هذا هو الرئيس الذي يريد سمير جعجع، الرجل المبدئي، ايصاله الى قصر بعبدا؟ هل يستطيع ميشال عون التراجع عن وصفه للشهيد جبران تويني بأنّه كان “مياوما”؟ هل يستطيع العودة عن تبريره لإغتيال “حزب الله” الطيار سامر حنا لمجرّد انّه حلّق في هليكوبتر تابعة للجيش اللبناني في منطقة لبنانية يعتبرها الحزب محظورة على جيش البلد؟
هذا غيض من فيض الاسئلة التي يمكن طرحها على شخص مثل ميشال عون قبل يوما ان يكون “جنديا صغيرا في جيش حافظ الاسد” من اجل ان يقبل به الأخير رئيسا للجمهورية…
في كلّ الأحوال، هناك فائدة لتبنّي “القوّات اللبنانية” ترشيح ميشال عون. تتمثّل هذه الفائدة في معرفة هل يمكن لـ”حزب الله” السماح بعقد جلسة لمجلس النوّاب يتنافس فيها سليمان فرنجيه وميشال عون على الرئاسة؟ هذا هو السؤال الذي سيطرح نفسه بالحاح في الأيّام القليلة المقبلة في وقت سيطغى تبني ترشيح “القوّات” لميشال عون على فضيحة اطلاق المحكمة العسكرية ميشال سماحه المدان بنقل متفجرات الى لبنان وسوريا ومحاولته قتل لبنانيين لإثارة فتنة طائفية ومذهبية!