في العام ٢٠٠٧، نشر “الشفاف” دراسة صغيرة بعنوان “الإمبراطور” واليهود.. والمسلمون: الإصلاح البونابرتي لليهودية هل يشكّل نموذجاً للإصلاح الإسلامي الحديث؟”
وقلنا فيها:
المطروح الآن على المسلمين في بلادهم وفي الغرب هو ما طرحه الجنرال بونابرت على اليهود الفرنسيين في بدايات القرن19: “أن يدرسوا بجدّية إلى أي حد يمكنهم، عبر تجاوز عاداتهم الأكثر رسوخاً، أن يحتلوا موقعهم ضمن العالم الحديث، وأن يستفيدوا، بدون أن يسيئوا إلى وجدانهم وضميرهم، من مزايا الحضارة الأوروبية”. وبكلمات بونابرت: “بدون التخلّي عن دينهم، ولا بإحداث أي تعديل يتعارض مع نصوص دينهم وروحيّته”!
وأبرزنا أيضاً:
“.. طلب الإمبراطور من اليهود “أن يطهّروا شريعة موسى من كل ما ينمّ عن عدم التسامح” (في مكان آخر من الوثيقة: أن يزيلوا من التشريع الموسوي كل ما يتّسم بالقساوة والوحشية”). ويطالبهم بإعلان “أن شريعة موسى تشتمل على أحكام دينية وأحكام سياسية. وأن الأحكام الدينية ثابتة ولا تتغيّر، بعكس الأحكام السياسية التي هي قابلة للتعديل”.
و”حينما نُخضعهم للقوانين المدنية، لا يتبقى لهم، بصفتهم يهوداً، سوى العقائد الدينية وبذلك فإنهم سيخرجون من الوضعية التي كان فيها الدين هو الشريعة المدنية الوحيدة، كما هي الحال لدى المسلمين، وكما كانت الحال دائماً في طفولة جميع الأمم…”.
ومن الواضح أن تطوّر موقف “مجلس الدولة الفرنسي” (كما يبرزه مقال جريدة “الفيغارو” أدناه) من قضية الحصول على الجنسية الفرنسية يعود، ضمناً، إلى المبادئ التي أرساها نابليون بونابرت، الإمبراطور “المتنوّر” الذي رفض “تخلّف” اليهود الأوروبيين وعمل على “تحريرهم” بدلاً من… “اضطهادهم”. ولا حاجة لإخفاء أن تشديد شروط الحصول على الجنسية الفرنسية يستهدف “المسلمين”، و”المسلمين العرب” خصوصاً (الباكستاني يقبل بـ”المرأة” رئيسة دولة!).
هل هذا التشدّد في موقف المشرّع الفرنسي علامة على زيادة “العنصرية” في فرنسا؟ إن تصاعد “العنصرية” في الرأي العام الفرنسي أمر حقيقي. كما أن وجود ملايين المسلمين في فرنسا وفي أوروبا ليس جديداً. الجديد هو تصاعد “دعاية الإسلام السياسي” (الفضائيات خصوصاً) واستغلاله حاجة المسلمين الأوروبيين للتمسك بـ”جذورهم”، وللإحتفاظ بـ”هوية” ثقافية (وهذا أمر مشروع) لتلقينهم إيديولوجيات تحوّلهم إلى “مشكلة” دائمة للمجتمعات الأوروبية.
“السلفي” و”الإخواني” والتابع لـ”ولاية الفقيه” يريدون من أوروبا أن تعطيهم ما يعتبرونه “حقوقهم” في الجنسية وغيرها. ولكنهم يتجاهلون أن هذه المجتمعات الأوروبية التي تعطيهم “حقوقاً” غير متوفّرة لهم في المجتمعات العربية او الإسلامية (يعمل الباكستاني المسلم طيلة عمره في بلد خليجي ويظل “أجنبياً””..) ليست مثل “قائمة طعام” تختار منها ما تشاء!
وفي حالة فرنسا تحديداً، فإن كل مؤسسة فرنسية، من مدرسة القرية إلى أي وزارة، تحمل شعار “حرية، إخاء، مساواة”. وإلى هذه المبادئ يستند التوازن الإجتماعي والسياسي والإقتصادي للجمهورية الفرنسية. وحينما يرفع عربي دعوى ضد الدولة الفرنسية لأنها رفضت إعطاءه “حقّه” في الحصول على الجنسية الفرنسية، فإنه يتجاهل أن هذه القدرة على “رفع دعوى ضد الدولة”، أي هذا “الحق” حتى لـ”لأجنبي” على “الإحتكام للقانون العام”، لا يمكن أن ينفصل عن المبادئ العامة الناظمة للمجتمع وللدولة.
الحضارة الأوروبية، وقوانينها، ليست “قائمة طعام” تختار منها ما تشاء! وهي، أيضاً، ليست “وجهة نظر”! المساواة بين المرأة والرجل، و”احترام المرأة”، جزء أساسي من هذه الحضارة، ومن منظومة القوانين الأوروبية.
ما العمل؟ الإصلاح الإسلامي، وانتصار “المسلمين” على الكارثة التي تُسمّى “الإسلام السياسي” شرطان أساسيان لدخول المسلمين إلى العالم الحديث مع احتفاظهم بدينهم وقِيَمهم الدينية.
“الإمبراطور” كان على حق.
بيار عقل
*
لتصبح فرنسياً، عليك أن تحترم المرأة كذلك
جريدة “الفيغارو”
“دلفين دو مالفو”
إن الإعتراف بالمساواة بين الرجال والمرأة، واحترام هذه المبدأ، هو شرط إلزامي من شروط الحصول على الجنسية الفرنسية. صدر التأكيد السابق عن مجلس الدولة الفرنسي (وهو أعلى هيئة قضاء إداري) يوم الخميس الماضي في معرض تبرير رفض إعطاء الجنسية الفرنسية لأجنبي متزوّج من فرنسية لأنه “يرفض قبول القِيَم الأساسية للمجتمع الفرنسي، وخصوصاً منها المساواة بين الرجال والنساء”. ومن الناحية العملية، فإن طالب الجنسية يعتقد أنه “ينبغي لزوجته أن ترى، وأن يراها، أقل عدد ممكن من الرجال، بغية تجنّب الفتنة”، حسب ما قال مصدر مطّلع على الملف.
وذلك، مع “القانون المدني” ينص على أنه يحق لكل أجنبي، بعد أربع سنوات من الزواج من مواطن فرنسي أو من مواطنة فرنسية، أن يحصل على الجنسية الفرنسية إذا كان الزوجان يعيشان سويّة وإذا كان الأجنبي يلمّ إلماماً كافياً باللغة الفرنسية. لكن ذلك المبدأ القانوني، الذي “يفترض” الإندماج السليم للأجنبي في المجتمع الفرنسي، ليس حقاً مكتسباً. إذ يحقّ للدولة الفرنسية أن تعترض على تطبيقه في حال “عدم التأكد من الإندماج غير اللغوي”، وفي حال “عدم الأهلية”، وفقاً للمادة ٢١-٤ من “القانون المدني”. وتعني “عدم الأهلية” ارتكاب المرشح للجنسية جنايات مثل التهرّب من دفع الضرائب، أو الحصول غير المشروع على مساعدات إجتماعية، أو “العمل غير المعلن”، أو اللجوء للعنف. ولكن “عدم الأهلية” تشمل، كذلك، التبشير بقِيَم مناقضة للقِيَم الجمهورية، مثل “تعدد الزوجات”، و”ختان النساء”، وإنكار العلمانية والتسامح والحرية والمساواة بين الرجل والمرأة.
وكان مرسوم إداري صدر عن “كلود غيّان”، وزير الداخلية في عهد نيقولا ساركوزي قد حدّد بصورة دقيقة مثل هذه الحالات: إن اتخاذ مناحي سلوك في الحياة اليومية تمثل تمييزاً ضد النساء، مثل رفض السلام على النساء باليد، يمثّل نقصاً في الإندماج؛ وكلك ممارسة سلطة متعسّفة أو مهينة تجاه الزوجة، أو البنات أو الأخوات، من نوع إجبارهن على البقاء في المنزل، ومنعهن من العمل، أو من الدراسة، أو من المشاركة في الحياة الإجتماعية، وإجبارهن على ارتداء النقاب، أو فرض الزواج القسري عليهن…
النقاب لفتاة عمرها ٣ سنوات
كانت المعايير السالفة الذكر سبباً في رفض منح الجنسية في عدد من الحالات مؤخراً في فرنسا. ونذكر مثلاً حالة الرجال الذي لا يسمح لزوجته بإبداء رأيها إلا إذا سمح لها هو بذلك، والذي لا يسمح لها بممارسة أي نشاط خارج المنزل. وأيضاً حالة رجل آخر فرض النقاب على زوجته وعلى بناته اللواتي تقل أعمارهن عن ٣ سنوات، مع منعهن من أي تعاطي مع الرجال حتى بمجرّد الكلام.
عملياً، عدد حالات رفض منح الجنسية لهذه الأسباب لا يتجاوز بضع عشرات كل سنة، ولكنه يتّجه للتزايد.