تعبير الطابور الخامس ولد أثناء الحرب الأهلية الاسبانية وقيل: إن هناك طابورًا خامساً يعمل مع الوطنيين لجيش الجنرال فرانكو ضد الحكومة الجمهورية التي كانت ذات ميول ماركسية يسارية من داخل مدريد ويقصد به مؤيدي فرانكو من الشعب، ترسخ هذا المعنى في الاعتماد على الجواسيس في الحروب واتسع ليشمل مروجي الإشاعات ومنظمي الحروب النفسية التي انتشرت نتيجة الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.
في كل الثورات الجارية حاليا في منطقتنا العربية ومنها سوريا، بات ملاحظا وجود هذا الطابور، لا بل باتت مهامه أخطر وأبعد أثرا وتجاوز الدور التقليدي و(تطور) كثيرا عن بلد المنشأ. وما يقوم به يتعدى مهام عمل “الجواسيس في الحروب” أو ترويج الاشاعات”. انهم كتاب وصحفيون وأصحاب أقلام قسم منها محسوب أو هم بالفعل معارضون للاستبداد ومهم هنا وللانصاف وبعيدا عن شطحات خيال فكر المؤامرة المريض ينبغي هنا التمييز – طالما الحديث يجري عن الانتفاضة السورية التي قطعت شوطا مهما في اسقاط كثير من مرتكزات نظام البلطجية السوري – بين نوعين من ذلك الطابور: القسم الأول وداوفعه فيما يكتب نبيلة ونابعة من حرص على سوريا لكن لا يمنع من القول أنهم فيما يكتبون يقدمون خدمات جليلة للاستبداد حيث سذاجة فيما يكتبون وعواطف مريضة مليئة باللطم والدموع على الأحبة، كذلك فقر واضح ان على مستوى الرؤية أوالتحليل وامتلاك المنهج الصحيح، كل ذلك منعهم من الاحاطة الشاملة للنظام الذي ينتقدونه. أما القسم الثاني وهو هدف هذا المقال، فيمكن القول فيهم حسب اللغة القانونية والحقوقية أنهم يقومون بما يقومون به عن “سابق تصور وتصميم”. ويمكن نعتهم بأنهم طابور خامس للنظام السوري ويشكلون أحد ألويته المقاتلة المناط بها قمع ثورة تطالب بالحرية والعدالة والكرامة لجميع السوريين، وهم بذلك ينضمون الى 1- الأجهزة الأمنية مع ملحقاتها من الشبيحة وعصابات تم انتاجها من قبل تلك الأجهزة 2- الأجهزة الاعلامية التابعة للنظام 3- رجال الدين الرسميين 4- المدافعون عن النظام المناط بهم الحضور على الفضائيات.
خطورة هذا الطابورتتلخص في أن كثير مما تريد أنظمة الاستبداد تسويقه يتم عبّره، وهذا التسويق تشتغل عليه الأنظمة الاستبدادية عبر الغرف المخابراتية المغلقة وتعوّل عليه كثيرا للتأثير في الرأي العام لأنها تعرف مسبقا الفجوة الهائلة من عدم الثقة بين الحاكم واجهزته من جهة والناس من جهة اخرى. فهي تدرك أن الفرد البسيط بات يسخر من الأجهزة الاعلامية التي تكذب حتى في النشرات الجوية المتعلقة بالطقس، كذلك تدرك أن المدافعين عن النظام المعروفة مناصبهم ومواقعهم الوظيفية، أيضا الثقة بهم معدومة ولا أحد يصدقهم، من هنا تلجأ عبر أناس ليست أوراقهم محروقة بالكامل أو تلجأ الى مثقفيها العضويين الذين ربطوا مصالحهم بتلك الأنظمة، وهؤلاء يسهل تجنيدهم وتسويق ما تريد تسويقه عبر سياسة الايحاء التي اشتهرت به الأجهزة المخابراتية السورية.
كيف يتم التسويق عبر ذلك الطابور؟
لكي لا أتهم بأنني أتحدث بالعموميات سأنطلق من حادثة شخصية جرت معي وأنا على ثقة بأنها جرت مع الكثير غيري من الكتاب والصحفيين وخاصة المعارضين منهم.
تم استدعائي الى فرع فلسطين في العام 2008 وذلك قبيل مغادرتي سورية بشهر واحد وكان سبب الاستدعاء مقال كتبته بعنوان “الرقة وغزة تغرقان في الظلام”. وبعد تحقيقات عبثية على مدى دوام الفرع المذكور لمدة يوم كامل هُددت بشكل صريح وواضح بأن يدي ستكسر اذا تابعت الكتابة بنفس المنوال ولكن – انتبهوا الى هذه (الكن)- تغير وجه المحقق ونبرته وبات ودودا وجاء بعد ذلك العرض الدسم: ما رأيك لو تكتب في صحيفتي تشرين والثورة؟ وتابع : يمكنك أن تسبّ الوزير الفلاني وتكتب عن المسؤول العلتاني وحتى ان اردت انتقاد العطري فهذا متاح لك ، أمّا – ايضا انتبهوا الى هذا ال “أمّا”- أن تكتب وتقول، نظام شمولي واستبدادي وبنية ونهج وأجهزة أمنية الخ ف……..
أظنكم استخلصتم المهمة التي يراد من الطابور الخامس تنفيذها وخاصة من الكتاب والصحفييين الذين يرتضون بيع ضمائرهم قبل أقلامهم وتتمثل، في تجميل النظام أولا وتسويق ما يريد بعيدا عن وسائله المفضوحة والمكشوفة والتي فقدت صدقيتها، كذلك اظهار النظام بأنه ديموقراطي وحرية التعبير لديه مصانة والدليل فلان وفلان وفلان.
الآن مع تصاعد الانتفاضة السورية كيف يعمل الطابور الخامس؟
مع التهديد الوجودي الذي يتعرض له النظام السوري، باتت الحاجة الى هذا الطابور بأمس ما يكون، فالحرب التي يشنها النظام على المجتمع السوري بكافة ألوانه وأطيافه تحتاج الى أغطية ومقولات تبرر عنفه العاري والمنفلت من اي روادع وطنية أو أخلاقية أو قانونية وليس هناك أفضل من بعض الكتبة في ذلك الطابور وخاصة أولئك الذي يحسبون نفسهم على المعارضة ويقدمون بين الفينة والأخرى نقدا لذلك النظام في جزئيات لا تفت من عضده في شئ.
ربما خير نموذج على ذلك الطابور هو الكاتب السوري أبي حسن الذي يُعتبر خير مثال عن المثقف العضوي الذي ربط كيانه ووجوده مع كيان ووجود النظام وما انفك يقدم له خدمات جليلة منسجما تمام الانسجام في كل ما يكتب ويطرح، فاذا قال النظام بأن هناك “مندسون” يردد أبي نعم هناك “مندسون” واذا قال النظام هناك “سلفيون” صدّق أبي، واذا تم الحديث عن مؤامرة وبندر وسلطان والحريري وخدام ، سارع ابي الى احضار الاثباتات على الرغم من أن أبي يعتبر نفسه مثقفا نقديا والمثقف النقدي أبعد ما يكون عن الوقوع في أحابيل فكر المؤامرة المتهافت.
بصراحة عرفت أبي سابقا من خلال بعض مقالات يقدم فيها نفسه علمانيا شرسا ومكمن شراسته أو شراسة علمانيته أنه اقامها بالتضاد مع الدين، كذلك وقوفه بسبب من تلك العلمانوية في صف الاستبداد، لذلك عندما دخلت الى البروفايل الخاص به على الفيس بوك لم أتفاجأ بمواقفه المسطرة فيه، على العكس من ذلك وجدت أن الرجل منسجم تماما الانسجام حيث النتائج تتطابق تمام الانطباق مع المقدمات ، انما ما هالني هو درجة الابتذال والتحريض التي يمارسها أبي بحق الانتفاضة السورية وبحق معتقليها، فهو كشف عن أقنعته تماما وربما تجاوز ما يراد منه عبر دور المثقف العضوي الذي ارتضاه.
يقول ابي في احدى تعليقاته على الفيس البوك ما يلي: “لكن الموقف الوطني الآن يفرض علينا أن نكون مع النظام وبقوة وصدق بمعزل عن موبقاته وجرائمه, ذلك أن النظام هو صمام الأمان الوطني في ظل هذه الظروف لاسيما أن الحملة مسعورة ومكشوفة من قبل الجزيرة والعبرية على سوريا”. يقصد قناة العربية
كذلك يقول في موضع أخر: ” تم صباح اليوم توزيع مناشير في مدينة بانياس الساحل تعلن إقامة الإمارة الإسلامية.. أخشى أن يكون أميرها الأستاذ المحترم رياض الترك، الأب الروحي لحزب الشعب السلفي. من جانب آخر: عندما قامت مظاهرة في طرطوس بتاريخ 8 الجاري رُفعت فيها شعارات طائفية, وقد كان من ضمن قادتها الدكتور وائل بيطار.. لاغرابة, فالطبيب المذكور والذي نحترمه عضو في حزب الشعب السلفي”.
طبعا أود الاشارة هنا أن الطبيب وائل بيطار معتقل حاليا ولا يكذب أبي هنا فيما يتعلق بعضوية وائل لحزب الشعب السوري.
يمكن ايراد الكثير من الأمثلة عن الابتذال و الانحطاط والتحريض الذي يمارسه هذا الطابور ممثلا بنموذجه الأرقى السيد الكاتب المذكور الذي في حمأة حماسه واندفاعه واخلاصه للنظام السوري نسى حدود المناط به.
ahmadt400@gmail.com
* كاتب سوري
الطابور الخامس: أبي حسن نموذجا
بمناسبة الحديث عن الجزيرة و العربية يؤسفني ان هذه القنوات ايضا لها مصالحها مع النظام السوري ولاتسألونني كيف ولكن تغطيتهما وتحليلهما وتحريضهما خصوصا الجزيرة على النظام المصري والتونسي و الليبي لا تقارن بتغطيتهما للحدث السوري وفي اعتقادي بأنهما خذلا الشعب السوري كثيرا ولم يتحمسا كثيرا مثل ما فعلا مع الأنظمة المذكورة انفا فهل هناك تواطيء من الجزيرة والعربية مع النظام السوري؟؟!!