الانفجار الذي وقع في الضاحية الجنوبية مساء الجمعة الماضية يؤشر الى مرحلة غامضة في تاريخ الضاحية. فكل ما احيط بهذا الانفجار يزيد من الاسئلة اكثر مما يقدم اجابات مقنعة للشعب والجيش. فإعلان حزب الله، الذي تأخر الى اليوم التالي وجاء فيه ان الانفجار ناتج عن قارورة غاز في احد البيوت، سبقته وواكبته اجراءات امنية من قبل عناصر الحزب، وحركة سيارات الدفاع المدني، هدفت الى منع المواطنين والاجهزة الامنية من مباشرة مهماتها على هذا الصعيد، الى ان سمح في اليوم التالي، من دون ان يساهم ذلك في إزاحة الغموض الذي احاط بهذا الحدث. غموض اطلق التفسيرات والتحليلات عن احتمال كون الإنفجار استهدف احد قياديي حزب الله، في وقت اكد البعض سقوط قتلى او جرحى، علما ان هذا التفجير كان سبقه خلال اكثر من شهر اجراءات امنية غير مسبوقة في الضاحية الجنوبية، كان من مظاهرها الكلاب البوليسية التي صارت معلما اساسيا من معالم الضاحية، والدوريات الأمنية الليلية لعناصر حزب الله.
بدا الحزب وحيدا في “ليل الغاز” بالضاحية الجنوبية. فالشعب لا يبدو انه كان مقتنعا برواية الحزب، والجيش بدا غائبا وهو لم يتجاوز بعد آثار الانفجار الذي استهدف عناصر من “اليونيفيل” عند مدخل صيدا الجنوبي. بدت معادلة الجيش والشعب والمقاومة مربكة في احسن الاحوال، ومرشحة الى الاختلال في ظل التحديات التي يواجهها لبنان سواء على صعيد ملف المحكمة الدولية والقرار الظني والتمويل، او على صعيد تداعيات الثورة السورية. خصوصا مع تصاعد المواجهات بين النظام والمحتجين، الذي بدأ يلقي بظلاله على لبنان من خلال المواقف المتعارضة بين اتجاهين، واحد يقف مع النظام وآخر يقف الى جانب المحتجين. وموقف الرئيس سعد الحريري امس مما سماه “المذبحة في حماه” مؤشر على هذا الصعيد، وهو لا ينطق عن الذات بقدر ما يعكس تطورا في الموقف السعودي من المقاربة المترددة للاوضاع في دمشق الى اتخاذ موقف من النظام في سورية.
انفجار الضاحية يثير القلق ليس لما يحيط به من غموض، ولا لأنّه اطلق المخاوف المضاعفة بعد الخروقات الامنية التي تعرض لها حزب الله، ولا بسبب صدور القرار الظني في جريمة 14 شباط 2005 الذي طال عناصر من الحزب بالاتهام، بل لانه يقع في مرحلة تراجع فرص اطلاق اي حوار داخلي. اذ لا يبدو ان ايا من الاطراف في وارد ادراجه جديا في اولوياته، او جعله مرجعية لمواجهة المخاطر المحدقة على البلد. كما لا يقلل من اغراء محاولة قوى 14 آذار، وتيار المستقبل تحديدا، تعويض خسائرهم على مستوى السلطة، برفع بيارق الثورة السورية من لبنان. وهي بدت منافسة، ان لم تكن متقدمة اليوم، على بيارق المقاومة التي رفعها حزب الله وواجه فيها خصومه بالداخل خلال السنوات السابقة.
وسط هذه الاجواء المقلقة يتقدم حزب الله، ليس كمقاومة على الحدود الجنوبية فحسب، بل على رأس الحكومة التي بات ركيزة وجودها اليوم. لكنه في المقابل يبدو، وهو في صلبها وعلى رأسها، اسير ثقافة عمل عليها لسنوات وتحكمت بنشأته، ثقافة تنظر الى الدولة اللبنانية وقوانينها باعتبارها جسما غريبا ومرفوضا وغير شرعي. ليس هذا في الخطاب السياسي الذي يعلنه، بل في الممارسة وفي الاعتقاد والثقافة. من هنا يصبح موضوع منع بيع الكحول في بعض المناطق، وآخرها بلدة “حولا”، وقبلها “النبطية”، مؤشرا على هذه الثقافة: ثقافة السلطة المطلقة.
ومنع بيع الكحول يمكن وضعه في سياق آخر، هو سياق الرغبة في تحويل لبنان إلى “مركز متأخّر” في ميدان الحريات العامة والفردية، إذا ما أضفنا احتجاز الناشط سعد الدين شاتيلا والمغنّي زيد حمدان، من قبل جهازي أمن مرتبطين بشكل وثيق بأمن الحزب وقيادته. والسياق هذا هدفه زرع فكرة في العقل العربي، والسوري تحديداً، مفادها التالي: بيروت، عاصمة الحريات العربية، لا يمكن فيها لمغنّي أن “يذكر” رئيس الجمهورية، ولا يمكن لناشط أن يوثّق حالات تعذيب “طفيفة” لدى أجهزة أمنية، فكيف بكم تشتمون الرئيس وتتحدثون عن الأمن؟
هكذا يمكن القول إنّ “تراجع” أسهم بورصة الحريات في بيروت، يجعل البورصات العربية أكثر اهتزازا، لأسباب معنوية، وليس بالضرورة تقنية، والتراجع هذا يبرّر الإنخفاض التاريخي في بورصات أخرى، إلى حدود المذبحة.
“الضاحية” في عين العاصفة، كلما تطوّر الموقف في سوريا، والحريات اللبنانية أيضا.
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني