ما بين باراك حسين أوباما وبنيامين بن صهيون نتنياهو ما صنعه الحداد. قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، وصل الأمر بنتنياهو ليصرح في مقابلة مع شبكة CNN: «أعرف أنّ كثيراً من الناس يرغبون في أن أترشح في انتخابات الرئاسة الأميركية، ولكنني لن أفعل ذلك!» ومن المعروف أنّ نتنياهو نشأ كمواطن أميركي ويحمل الجنسية الأميركية. وقد وضع نتنياهو ثقله في دعم منافس أوباما العاثر ميت رومني.
وفي الاسبوع الماضي، عشية الانتخابات الإسرائيلية، كشف مقال للصحافي الأميركي المعروف جيفري غولدبرغ عن تصريحات لأوباما مفادها أنّ “إسرائيل لا تعرف ما هي مصلحتها”، وأن أوباما ينظر الى نتنياهو “كسياسي جبان” في ما يتعلق بعملية السلام مع الفلسطينيين، وبأنه “أسير لوبي المستوطنين” وأنّ النشاط الاستيطاني المستمر يقود إسرائيل “على طريق قريب من عزلة تامة”.
بيد أن المماحكة عن بعد والانتقام المتبادل لم يعدلا في مشهد العلاقة الثنائية، إذ بعد تسلم أوباما ولايته الجديدة والانتخابات الإسرائيلية، سيكون أوباما الثاني على موعد مع نتنياهو الثالث (بعد 1996 و2009، يتوقع فوز نتنياهو بولاية ثالثة بعد استحقاق 22 كانون الثاني 2013) ومما لا شك فيه أن الود المفقود شخصياً سيطبع الصلات بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، لكن علاقة الطرفين أوسع بكثير من الحساسيات الشخصية وستكون على محك الاختبار في ملفات عدة.
في ولايته الأولى، خسر باراك أوباما اختبار القوة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي حول موضوع الاستيطان، لكن ذلك لم يمنع الرئيس الأميركي في الذهاب بعيدا في مجاراة الطرح الإسرائيلي حول يهودية الدولة.
ففي الخامس عشر من شهر مايو/أيار 2012 وبمناسبة “عيد الاستقلال”، كتب الرئيس الأميركي إلى نظيره الإسرائيلي وإلى نتنياهو برقيّتين جاء فيهما حرفياً أن “فلسطين التاريخية هي الوطن التاريخي لليهود”.
إضافة إلى ذلك، تخطى أوباما كل من سبقه من الرؤساء الأميركيين في حجم ونوعية الدعم الاقتصادي والعسكري والاستخباري الذي قدّمه إلى إسرائيل. وبهذا المعنى فإنّ نتائج الصراع بين الرجلين بقيت محصورة، ولم تنعكس سلباً على عمق العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين.
مع أوباما الثاني سيتعمق توجه الولايات المتحدة الأميركية نحو “آسيا والمحيط الهادئ” في تناغم مع التركيز على المصالح الاقتصادية. ويعني ذلك تنفيذ بدايات انسحاب أميركي من الشرق الأوسط، استنادا إلى دروس العراق وأفغانستان، ويتمثل الأمر بالانتقال من موقع المسؤولية في إدارة الأزمات إلى السعي للاحتواء وليس الحل في الملفين الإيراني والسوري، كما في ملف عملية السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
وإذا كانت الأوساط الأميركية المعنية تعترف بعدم قدرة واشنطن على مدى طويل بالحفاظ على دور مركزي في الخليج وفي أمن الطاقة، لكنها تستدرك وتؤكد أنّ الانسحاب من الشرق الأوسط يستثني الإصرار على أمن إسرائيل ودورها.
بيد أن ذلك لا يطمئن كليا صانعي القرار في إسرائيل على ضوء تردي العلاقات بين البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية بسبب الخلافات في وجهات النظر حول مجموعة من قضايا المنطقة، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني.
على صعيد الملف السوري، يتّضح أنّ نتنياهو لم ينتقد يوماً سياسة أوباما وسيستمر بينهما التناغم في عدم التدخل وترك الأمر على مداه في حال عدم توافر البديل المقبول، مما يعني ضمناً التسليم بسياسة براغماتية لتوفير حلول متّفق عليها دوليا، ولا سيما مع روسيا والصين. مع أن ذلك يبدو ظاهراً في الأمور لأن وظيفة النزاع السوري الجيوسياسية يستفيد منها الكثير من اللاعبين الإقليميين والدوليين.
أما في الموضوع الفلسطيني، فلا يبدو أن مصير الرئيس محمود عباس أو توسيع الاستيطان أو إعادة عملية السلام ستكون مدار خلاف بين واشنطن وإسرائيل. ويقول باحث أميركي أن نتنياهو كان الوحيد بين رجال اليمين في إسرائيل في الموافقة على حلّ الدولتين ويمكن البناء على ذلك بعد طمأنة إسرائيل جول ملفات إقليمية أخرى.
من هنا سيكون الاختبار الأساسي بين أوباما المتردد ونتنياهو القلق، الملف النووي الإيراني. وبالطبع لم يشكل تعيين السيناتور تشاك هاغل طمأنة لإسرائيل، وهو يطمئن إيران حول تجنّب الحرب مع استمرار الرهان على العقوبات الاقتصادية ومفاعيلها وإمكانات التغيير الداخلي فيها بالموازاة مع الانتخابات الرئاسية القريبة.
وسيكون الجدل الخفي بين أوباما ونتنياهو حول قرب إيران من تصنيع القنبلة النووية أي الخط الأحمر الذي لا ترى الأوساط الأميركية احتمال الوصول إليه قبل أواسط 2014، بينما تراها الأوساط الإسرائيلية والأوروبية في حدود منتصف 2013.
وفي مقابل نفي الأوساط الأميركية المعنية بشكل قاطع رواية الصفقة المتكاملة بين واشنطن والجمهورية الإسلامية واعتبارها مجرد أوهام تتراءى لطهران ودمشق، تُقلل مصادر فرنسية من أهمية التزامات أوباما المعطاة لإسرائيل، ولا تستبعد قيام إسرائيل بمغامرة ضد إيران إذا شعرت بأن التهديد جدي ومصيري.
ضمن هذه المعطيات وما يجري من مصر إلى العراق وسوريا ولبنان، ستكون العلاقة العضوية والاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل على المحك فيما يتعدى تنافر أوباما ونتنياهو.
khattarwahid@yahoo.fr
جامعي وإعلامي لبناني