السلطويه عكس الديمقراطيه، هناك تناقض كبير بين سياسة القمع التي تمس الحريات الفكريه والانسانيه وبين الديمقراطيه كمفهوم. في واقعنا السياسي العربي وفي تجربتنا في الكويت هناك تداخل بين التسلطيه من جهة وبين الديمقراطيه التي نطبقها. والكويت ليست استثناء، فهي مثلها في هذا مثل بقية الدول العربيه التي تحاول السير في طريق الديمقراطيه بينما المناخ الثقافي والذهني والنفسي للثقافه العربيه/ الاسلاميه في الاسره كما في الشارع وفي المدرسه كما في الجامعه وفي الحزب كما في الجمعية ليس ديمقراطيا ويميل لممارسة التحكم انطلاقا من ان التحكم هو افضل الطرق لتحقيق الاهداف( حماية التقاليد والعادات) ، مع ان التاريخ والواقع يؤكد بأن التحكم هو افضل الطرق واقصرها للفشل في تحقيق هذا الهدف.
ان القوى السياسيه وخاصة القوى الاسلاميه( ليس كلها) في مجتمعنا ليست على صلة بالتطور الكبير في الحريات الذي شهدته البشريه، فهي تريد العيش في عالم خاص بها خارج دائرة الوجود، لهذا تسعى لمنع البوتيوب وحجبه كما صرح اكثر من برلماني في الكويت وهي تريد تثبيت منع الاختلاط في الجامعات رغم معرفتها باستحاله ذلك وحصول الاختلاط في كل بعد من الابعاد ونجاح الطلبه والطالبات في التحايل على كل هذا كما يتحايلون علي الكثير من السلطات التي تسعى للتحكم بحرياتهم. ومن يبدأ من الشباب حياته متحايلا سوف يستمر يعيش هذا التحايل مدى الدهر ليتحايل على كل قانون وكل مسأله وكل عمل. هكذا نبني جيلا مهووسا بالتحايل والتخفي والالتفاف على القانون لانه وجد اسر وعائلات وقوانين وانظمه تفرض عليه ان يعتاد على التحايل في ابسط الامور التي يتمتع بها كل جيل في المجتمعات العالميه.
عقدة التحكم والسيطره لازالت اساسيه في الشخصيه العربيه، وهي ذات العقده التي تنشأ جيل فاقد للطموح وللروح. عقدة السيطره منتشره في الحكومات والان تعززها البرلمانات وتعززها القوى السياسيه الاهم( قطاع كبير من التيارات الاسلاميه). لقد اصحبت السيطره على مؤسسات التعليم والتربيه هوسا يهدف لوضع حدود على الكلمه والنثر والشعر والقصه والفن، والابداع، والاغنيه، والاحتفال والاختلاط، وهذا بالتحديد عكس ما كان يقع في السبعينات حيث كان الاساس السماح وليس المنع. بل اصبح هذا كله اكثر اهميه ويفوق بدرجات قيمة التعليم والمعرفه والتفكير والدراسه. وقد تورطت وزارات التعليم عاما وراء العام بتطبيق هذه السياسه. فلكل شيئ خطوط حمر تزداد كل يوم احمرارا ويضاف اليها كل ساعه خطوط جديده تدور في معظمها حول احكام السيطره على العقول والحقوق انطلاقا من تفسيرات دينيه وتطبيقات هي الاخرى كانت لزمن سابق يختلف عن هذا الزمن. كل هذا ليس بعيدا عن مفهوم البعض لتطبيق الشريعه الاسلاميه بلا تفكير في مضمون واقعنا ومضمون علوم العصر وضرورات الابداع في التعامل مع المصاعب اليوميه التي يواجهها عالمنا في التعامل مع الحريات.
هكذا اصبح منطلق الكثير من المسؤولين: المنع اولا، ثم الرفض ثانيا، واصبح كل منع يجر لمنع جديد، وكل جديد يخلق جدل وبواجه فشل تتم مواجهته بمزيد من الاجراءات القمعيه. لهذا تحولت محلات فرجين في الكويت من مكان كبير فيه مساحه للحريه منذ اكثر من عام الى مكان صغير الكثير من الكتب التي كان يأتي بها او الالعاب او حتى الموسيقى تعاني من الممنوعات. في النهاية يتسوق الشبان مباشرة عبر الانترنيب من النيل والفرات او من امازون ومن كافة الدول المحيطه التي لا تضيع وقتها في هذه الاجراءات السطحيه. المشكله : ان قوانين واجراءات المنع والرقابه والقمع معركة فاشله لن تنتصر بها قوى التحكم، ولكن الهزيمه ستكون مع الاسف من نصيب المجتمع والوطن الاكبر. فأضاعة الوقت في اجراءات ضعيفه وقمع شكلي فيه الكثير من السطحيه بينما الجيل الصاعد يتمرد بطريقته ويدخل نفسه في متاهات اهمها الاعتياد على الاحتيال على القانون لن تكون امرا مفيدا لاحد.
وهل كل ما يفرض او يمنع قابل للفرض ام انه مدعاة للتمرد على القانون وتحديه مره وراء الاخرى لحين وقوع تغير؟ اليس هذا خيار الافراد، وانه علي كل اسرة ان تقرر حدود الرقابه فيما بينها؟ فالساتلايت بأتي الينا بكل شيئ، بعضنا حذف محطات عديده خوفا من تعرض الاطفال لما يجب ان لا يشاهدوه، ولكن كيف لنا ان نتحكم بمن تجاوز ١٨ او ٢١ من العمر واصبح راشدا قادرا على صنع القرار؟
ولكن السؤال الاكبر هل نزداد حصانة من خلال ثقافة المنع والقمع هذه؟ هل نتقدم؟ هل نحن افضل حالا من غيرنا من دول العالم؟ وهل النموذج للعرب هو في الباكستان وافغانستان ام في قطر والبحرين والامارات ام في دول الغرب ام من؟. في الكويت وفي دول عربيه اخرى، نسقط في الامتحان تلو الامتحان، ونواجه مصاعب حقيقيه في ادارة دولنا. الجيل الصاعد اصبح متفرغا للتحايل على قوانيينا وحدودنا، وهي يتطرف في هذا التمرد باتجاهات عديده لانه يشعر بنقص كبير يفصله عن الاجيال الشابه في كل انحاء المعموره. من جهة اخرى لا يحاول اي من الذين يطالبون بزيادة القمع التنبه الى ان هذا التسلط مسـؤول اولا واخيرا عن زيادة الانحلال في مجتمعنا وحدة الرفض وارتفاع الظواهر التي يعتبرونها خارجيه.
ان الخارج لن يتغير، والعالم المفتوح سيبقى مفتوحا، والانترنيت لن تختفي، والسينما لن تقل جرأتها بل ستزداد، والعقل لن يتوقف، والسعي للحريه الفكريه والشخصيه سينتشر في كل مكان، هذا مسار اخذته البشريه منذ عصر التنوير حتى الان وهو لازال يسير بخط تصاعدي. ولكن الذي يجب ان يتغير هو اسلوب التعامل مع العالم المحيط بنا، فهناك طرق تربويه حديثه ينبغي التعرف عليها، وهناك وسائل نفسيه وعلميه في تنمية حصانة الجيل الصاعد قائمه على تطوير التفكير والعقل والمعرفه بالرياضيات والعلم والتعمق في علوم النفس والاجتماع والانسان والتاريخ البشري والمقدره على صنع قرار في مواجهة معضلات حديثه.
ان حصانه الجيل الصاعد ممكنه فقط عندما لا يكون الانسان مكبوتا في سلوكه وفي ما يراه وما لا يراه. كل انسان يمر بمراحل، وفي كل مرحله ايجابيات وسلبيات فهناك سنوات المراهقه، وهناك سنوات النضج، وهناك سنوات المسؤوليه العائليه، وهناك سنوات التمرد والرفض او القبول والاستقرار. وكثيرا ما تتعايش كل هذه في ذات الانسان وبنفس الشخصيه. لهذا فأن الحريات تصبح اساسيه في بناء انسان اكثر مسؤوليه واكثر معرفة بنفسه وبالاخرين واكثر رجاحة في استخدام عقله بناءا على تجاربه وفي النهاية اكثر سعادة ورضا عن ذاته. ان من لم يراهق قد يبقى مراهقا مدى الدهر. بمعنى اخر ان التعامل الطبيعي والنمو الطبيعي للانسان لا يمكن ان تحده وسائل منع الاختلاط ومنع الانترنيت واغلاق فنادق لانها اقامت حفله واتت بمغني وقامت فتاة من الجمهور بالاقتراب تحببا من المغني بينما يحاول ان لا يجرح شعورها واعجابها، فهذا ما نراه على كل التلفزات في كل فضائيه. بل على العكس لتفتح البلاد، يبقى ان وجود اغنيه وطرب وتعبير ايقاعي عن الفرحه وان يتصرف الناس كما يريدون بتلقائيه وعفويه( وهذا لا يضر احدا) افضل من تفجير انتحاري في فندق هو نتاج لقهر وكبت كبيرين. بل هناك علاقة كبيره بين الكبت الذي تمارسه الاطراف الحكوميه والدينيه وبين التطرف في بلادنا واعطاء البعض للحق في الاساءه للاخرين بحجة تصحيح الخطأ. هذه العلاقه ستتضح اكثر فأكثر مع مرور الوقت، ومن لا يراها اليوم سيراها غدا. لو كان فرويد حيا لابدع في تحليل الواقع النفسي العربي بكل تناقضاته مع العصر والانفتاح والمرأه والحريات.
ان اخر محاوله لخلق مجتمعات مقهوره تسيطر عليها الممنوعات والقوانين والضوابط الشرعيه والغير شرعيه في ادق التفاصيل في الحياه الشخصيه وفي الفن في الموسيقي في اللباس هي المجتمعات الشيوعيه. كانت تلك المحاوله التي استمرت لاكثر من سبعين عاما قبل ان تفشل هي اخر ما توصل اليه البشر في فن القمع والتسلط. ان المحاولات الراهنه التي تبرز في مجتمعاتنا العربيه هي الاخرى ستهوي بعد ان تكون قد استنزفت نفسها واستنزفت مجتمعاتنا. ان انظمه التشدد وفرض الرقابه والقمع تهوي دائما: هذا هو التاريخ فأقرؤوه.
ان الناس احرار ستفكر كما تريد، وتقرأ ما تحب، وتشاهد الفيلم او المسرحيه التي تفضل، فالعالم كله يتحول لهايدبارك كبير. هكذا يحب الافراد باعمارهم المتفاوته وخاصة الشباب ان يشعروا انهم احرار و امام خيارات حقيقيه بلا اكراه وضغط. هذا هو الفارق الكبير بين التجول في مكتبة في بيروت او لندن او الولايات المتحده وبين الكثير من المكتبات في دول عربيه شتى بما فيها الكويت. الحريه بحث دائم لدى البشر. متى ما تحولت ايديولوجيه ام تفسير ديني ام قوانين قمعيه الي مؤسسه تتحكم بالناس وتقرر عنهم خياراتهم الشخصيه والفكريه والسلوكيه بدأت حالة التمرد وبدأ الرفض الذي سوف ينهيها مع الوقت. هكذا يبدأ التغير. ان التاريخ مليئ بهذه الحكايات. ليتكم توفروا جهودكم لشيئ افضل فيه منفعة للناس وللتنميه.
استاذ العلوم السياسيه
shafgha@hotmail.com
السلطويه وتشويه الديمقرطيه: تجربه الكويت وتجارب العرب
سياسة العداوة للآخر مغروسة في عمق نشأتنا حتى اليوم . الثأر,الانتقام, العصبية, بدلا من التداول السلمي- الحياة اليومية الاجتماعية – في السياسة والسلطة. وكدا تمركز القوة في يد السلطة بدلا من فوه القانون, إن لتفوق المالي الغير مشروع هو الذي ا فرز قوة دينية متحجرة مهدمة للمجتمع العربي والإسلامي, لهدى لا يمكن إيقاف الهجوم المركزعلى حقوق الفرد في مجتمعاتنا بدون إسقاط الأنظمة التي قد عفا عليها الزمن .