أغرب ما أسمعه من ذرائع حول طرح موضوع الزواج المدني الآن، أن توقيته غير ملائم وأن هناك الكثير من الأولويات التي يفترض بنا الالتفات اليها قبل الشروع في التفكير فيه.
رحم الله أنظمة الاستبداد العربي التي تلفظ أنفاسها؛ فعلى امتداد سنوات تحكّمها بمصير مواطنيها مُصادَري الحقوق ومهدوري الكرامات والذين ازدادوا فقراً وأمّية تحت نيرها بينما حكمت طوال الستين عاماً الماضية تحت شعار أن “مش وقت” لا الإنماء ولا تأمين الرغيف ولا رفع المستوى التربوي ولا القضاء على الأمية ولا الحق بحرية التعبير ولاإعطاء النساء حقوقهن. إنه وقت “القضايا الكبرى” فقط، من مثل التعبئة العسكرية وتسليح الجيوش وتوسيع عمل الأجهزة الأمنية، والتي قادت الأمة من احتلال الى احتلال وأثبتت عجزها في الدفاع عن حدودها ولم يكن لها من وظيفة سوى قمع الشعوب وإرهابها. والمثال السوري راهن.
الذريعة نفسها تستخدم الآن من قبل البعض: لبنان يتعرض “لمرحلة مصيرية” على غرار “القضايا الكبرى” فهل هذا وقت طرح موضوع الزواج المدني؟ نحن على أبواب انتخابات داهمة وفي معمعة نقاش قانون الانتخاب والنظام نفسه شبه منهار والمنطقة تعصف بها الثورات والبلد يتعرض لهزات اقتصادية ومعيشية.
لكن السؤال هو: بماذا تتعارض المطالبة بالزواج المدني مع أي من الاستحقاقات المذكورة؟
ومقولة “القضايا الكبرى” التي يعنى بها مصير الشعب، ماذا يقصد بها؟ ومن هو هذا الشعب؟ كتلة وهمية غائمة أم مجموعة أفراد؟ وإذا اتفقنا على أن الشعب يعني أعداداً غفيرة من الأفراد المجتمعين في بلد، فهذا يعني أن كل مشكلة فردية هي جزء من القضايا الكبرى نفسها. فتلك الأولويات المذكورة أعلاه، لمن هي مطلوبة؟ أليس للمواطن اللبناني كفرد له حقوق وعليه واجبات؟ أم هي مطلوبة فقط للجماعات والطوائف والمذاهب؟
يعني هل أن تأمين العمل والمازوت وزيادة غلاء المعيشة، إذا ما كانت هي حقاً في أولويات الحكومة وتعطيها أدنى اعتبار، هي مطلوبة للمواطن اللبناني الفرد ام للطوائف والشعوب المجردة والوهمية؟ واذا كانت للمواطن كمواطن فلماذا يكون تأمين الخبز له مختلفا عن تأمين حقه بالزواج بمن يرغب وبالطريقة والشروط التي يرغب؟
وهل أن المطالبة بتكريس حقوق المواطن الفرد بحرية التعبير والمساواة وحرية الاعتقاد والاختيار هي من النوافل وغير ذات أهمية ومتى؟ الآن وفي زمن الثورات العربية التي أول درس علمتنا إياه أنه علينا أن ننتبه لبروز هذا الفرد ومطالبته بحقوقه التي صادرتها الدولة باسم ” الشعوب” إياها.
النظام اللبناني الجمهوري أمّن مشاركة جميع الشركاء في مكونات الدولة مثلما أمّن فصل السلطات، واحترم التنوع الديني والاجتماعي، والدولة تحترم جميع الأديان وتحمي حرية ممارسة العبادات شرط الحفاظ على النظام العام. لكن الدستور حفظ في الوقت نفسه حقوق الافراد وجعل حرية الاعتقاد مطلقة وغير محدودة.
لكنه ايضا جعل المشاركة السياسية موزعة بين الطوائف التي تمثل مجموعات / طوائف بدل الافراد؛ ففي لبنان الطائفة اكبر من الدولة. والحاضر الغائب في هذا الجدل هو الفرد!! الفرد اللبناني الآخذ بالبروز بشكل ملحّ وظاهر والذي يتم إهماله بإمعان. النظام الموجود يُضيّع حقوق الأفراد خاصة أولئك غير المنضوين تحت أجنحة الطوائف. ما يطرح السؤال الجدي: هل يريد هذا الفرد ان تحتكر الطائفة كل تمثيله السياسي؟ وتصادر حقه باختيار نوع عقد زواجه وشروطه؟
إن إقرار الزواج المدني الاختياري هو السبيل الى تطبيق روح الدستور، وهو الطريق الموصل الى الدولة المدنية التي تحفظ حقوق أفرادها مثلما تحفظ حقوق طوائفها. والان هو أوان التطبيق اختيارياً.
monafayad@hotmail.com
أستاذة جامعية
النهار