تغيير الوضع جذرياً، وترتيبات مستقرة في المدَيين القصير والمتوسط للأزمة الغزية في أعقاب الحرب: بحسب معلومات متراكمة، يمكن البدء برسم الخطة الكبيرة التي توجّه الأجهزة الأمنية، وإلى حد ما، أيضاً القوات الأميركية المساعِدة. وهذه الخطة تستند إلى 5 افتراضات أساسية:
- وجود جيشي “الإرهاب” التابعين لـ”حماس” والجهاد الإسلامي، على مسافة مئات الأمتار من بلدات شمالي النقب وعلى مسافة 70 كلم عن تل أبيب، يشكل تهديداً لأمن مواطني إسرائيل، وشعورهم بأمنهم وقدرتهم على ممارسة حياة طبيعية، في ظل اقتصاد طبيعي. هذا التهديد تحقق فعلاً خلال مجزرة 7 تشرين الأول/أكتوبر، التي نفّذها آلاف المسلحين المندفعين والمدربين، المزودين بمعدات جيدة، فاقتحموا إسرائيل، ولحقت بهم مجموعات من الغزيين. دولة إسرائيل ومواطنوها لا يستطيعون، ولا يريدون العيش مع هذا التهديد الذي تعززه إيران، وتساعده على مراكمة القدرات القاتلة؛ لذلك، يمكن أن يصبح أكثر خطراً. على إسرائيل أن تستعيد فوراً، ثلاثة مكونات مهمة للأمن القومي: الردع الاستراتيجي حيال دول المنطقة، الذي تراجع بصورة حرجة في يوم السبت الكارثي، والأمن المادي، والشعور بالأمان، والثقة بقيادة الدولة وأجهزة الأمن.
- يعيش في قطاع غزة أكثر من مليوني فلسطيني، يريدون، في أغلبيتهم، حياة عادية مع أمن وشعور بالأمان. هم بحاجة أيضاً أن يعملوا ويعيشوا وأن تكون لديهم حرية حركة أساسية لكن كافية للحصول على خدماتهم المدنية (صحة، تعليم، ماء، كهرباء، وخدمات جماهيرية). الآن، هم يحصلون على أقل الممكن، لأن “حماس” هي المسيطِرة، وفرضت نوعاً من السلطة المزدوجة: ذراع مدنية تحاول الدفع برفاهية السكان، لكنها تعمل تحت سقف الذراع العسكرية، التي ترى أن مصلحتها الأساسية في المقاومة، وتدير معركة إسلامية مقدسة ضد الدولة اليهودية. العمليات القتالية التي تقوم بها الذراع العسكرية تصيب سكان القطاع، المرة تلو الأُخرى، بأزمات اقتصادية ومدنية صعبة، وجهود إعادة الإعمار تعود، أيضاً المرة تلو الأُخرى.
- من هنا، فإن مَن يهدد إسرائيل، وأيضاً قدرة الغزيين على الحياة الطبيعية هي “حماس”، وإلى جانبها الجهاد وقوى “الإرهاب” الأُخرى في القطاع. لذلك، فإن الشرط الأساسي لتغيير الوضع هو إزالة حُكم “حماس” وهدم الأساس الذي تقوم عليه البنى العسكرية التابعة لها وللمنظمات الأُخرى (لا يمكن إبادة الدافع الجهادي لدى التنظيمات، لكن يمكن منعها من التنظيم في أطر كبيرة يمكنها تنفيذ عمليات “إرهابية” وقتل على مستوى استراتيجي). إلاّ إن هذا الشرط غير كافٍ. يجب التأكد من أن “حماس” والفصائل الأُخرى لن يستطيعوا إعادة ترميم قدراتهم العسكرية والسلطوية، أو إقامة بنى جديدة بغطاء، أو بمنتوج جديد.
- أبعاد سياسية وإقليمية: هناك احتمال معقول أن ينضم حزب الله، وحتى إيران وجهات أُخرى في المحور الشيعي المتطرف، إلى القتال ضدنا في جبهة إضافية في الشمال، ويمكن في الشمال الشرقي أيضاً. هذا بالإضافة إلى أن الأزمة الغزية تثبت مرة أُخرى أن إسرائيل بحاجة إلى دعم دبلوماسي (شرعية)، ولوجستي، وأيضاً على صعيد الوعي، وحتى إلى دعم عملياتي من طرف الولايات المتحدة (اعتراض صواريخ وقذائف). هذه الظاهرة لن تختفي، بل ستزداد، على الأقل ما دامت إيران تدير معركة مستمرة ضدنا، الهدف منها محو إسرائيل عن الخريطة. لذلك، سيكون من الجيد إذا اعترفنا بهذه الحقيقة وقام الأميركيون بمساعدتنا، من دون فقدان حرية القرار والعمل الأمني والدبلوماسي المستقل بنا. يضاف إلى ذلك، أن إسرائيل لا تريد خسارة “اتفاقيات أبراهام” واحتمالات التطبيع مع السعودية.
- يجب الاعتراف بحقيقة أنه حتى الآن، لا توجد أي جهة في العالم، وضمنها الولايات المتحدة، تملك أي وصفة قابلة للتطبيق بشأن ترتيبات مستقرة بعيدة المدى للمواجهة الفعالة على حدود غزة، أو الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني عموماً. إن حلّ “دولتين لشعبين” في الظروف الحالية للشرق الأوسط هو الآن بمثابة شماعة أكثر مما هو خطة سياسية قابلة للتطبيق في المستقبل المنظور. أيضاً لا توجد طريقة لإبادة وإنهاء فكرة “الإسلام المتطرف القاتل” الذي يطمح إلى إقامة إمارة كونية على أساس إمارات محلية تقوم على خراب الدول الكافرة- ولا سيما الدولة اليهودية. الإخوان المسلمون هم أحد فروع هذا التيار، وضمنه “حماس” و”الجهاد”.
خمسة أهداف للقتال
- هذه هي الوقائع الأساسية التي توجّه صنّاع القرار في إسرائيل لدى تحديد أهداف الحرب، وانطلاقاً منها، يجب وضع خطة العمل للدولة والجيش. هذه الخطة يجب تنفيذها على مراحل: المرحلة الأولى، القتال الذي نشهده حالياً، والأخيرة ستكون في تحقيق ترتيبات في المدى المتوسط، تسمح بإعادة الجيش إلى الوطن.
- وهذه هي أهداف الحرب:
- عملية تشبه “الجدار الواقي”: هجوم شامل، يشمل مناورة في شمالي القطاع من أجل السيطرة على المنطقة عسكرياً، بشكل يسمح بجمع معلومات استخباراتية وتنفيذها فوراً. وذلك بهدف وقف إطلاق الصواريخ على الجبهة الداخلية، و”قطع” عنق القدرات العسكرية لـ”حماس” والجهاد الإسلامي وتدميرها. هذا هو هدف الضربات الجوية الدائرة حالياً. إن السيطرة المادية على كل شمالي غزة حتى ناحل غزة ضرورية لضرب المقاتلين والبنى التحتية العسكرية. وهذا هو المكان الذي يوجد فيه مركز السلطة الفعلي والرمزي لنظام “حماس” التي ستخسر “عاصمتها”.
- في جنوبي غزة، تعمل إسرائيل على تحقيق هذه الأهداف بدقة، وبوسائل أُخرى، بالاستناد إلى استخبارات دقيقة موجودة لدى الشاباك والاستخبارات العسكرية.
- في شمال إسرائيل، يواصل الجيش مناوشاته مع حزب الله، ومع الفلسطينيين الذين يتحركون من الأراضي اللبنانية، ولاحقاً، ربما أيضاً مع ميليشيات مسلحة في سورية والعراق، وذلك من خلال السعي لإبقاء المناوشات تحت عتبة الحرب، وحصرها ضمن منطقة الحدود، وخوض أيام من القتال، لا أكثر. وسيواصل الجيش الحفاظ على جهوزيته للقيام بعمل عسكري كبير وواسع النطاق في لبنان، من ضمنه مناورة برية، إذا وصلت أوامر إلى حزب الله من إيران بشنّ حرب شاملة. من الطبيعي أن تفضّل إسرائيل تركيز أفضل قواتها ومواردها في القتال في غزة من أجل تحقيق إنجازات سريعة. لكن إذا قرر حزب الله والإيرانيون التصعيد نحو حرب شاملة، فلدى الجيش الإسرائيلي القدرة على خوض قتال ناجع على جبهتين، وعلى نطاق واسع. وسيؤدي هذا إلى استمرار الحرب وقتاً أطول من المرغوب فيه.
- في موازاة القتال في شمالي وجنوبي القطاع، ستعمل إسرائيل مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة على الصعيد الإنساني، للحفاظ على شرعيتها، وعلى التأييد السياسي واللوجستي اللذين تقدمهما الولايات المتحدة وحلفاؤها للعمل العسكري. وهذا يتضمن إقامة ممرات إنسانية ومناطق آمنة يستخدمها الفلسطينيون الذين لا علاقة لهم بالقتال، والذين فروا من منازلهم، بعد أن طلبت منهم إسرائيل المغادرة. سيزداد تدفُّق النازحين مع بدء القتال، ومن المنتظر أن تقدم أطراف دولية ودول عربية لهذه المناطق – تحت رقابة وإشراف الجيش الإسرائيلي والأمم المتحدة – الحاجات الضرورية من مياه وغذاء وأدوية وخدمات ضرورية، مثل الكهرباء (مولدات) ومساكن موقتة (خيام، لأن الشتاء على الأبواب).
- واستناداً إلى النتائج التي ستتحقق على الأرض في الأسابيع الأولى للقتال، يجب على إسرائيل التوصل مع الولايات المتحدة إلى قرارات تتعلق بـ”خطة خروج” مناسبة، وتحريك كل الخطوات السياسية المطلوبة من أجل تطبيقها. ويجب أن تتضمن خطة الخروج من غزة وترتيبات الحل على الأرض، بعد مغادرة الجيش الإسرائيلي، تحقيق الأهداف الاستراتيجية التي ترغب فيها إسرائيل والولايات المتحدة في المدى المتوسط (5-10 أعوام).
خمسة أهداف استراتيجية
- يجب أن يصبح القطاع كله منطقة منزوعة السلاح، والمطلوب ترتيبات وآليات تضمن ذلك.
- الحكم في غزة، يجب أن يكون مدنياً مهنياً، وليس أيديولوجياً – دينياً، وغير سياسي. بحيث تكون مصلحته الوحيدة الحرص على رفاه السكان الفلسطينيين. وتستند صلاحياته إلى قاعدة شرعية دولية واسعة النطاق، ويجب أن يعتمد على إدارة مدنية من السكان المحليين الذين لم يكونوا أعضاء في الذراع العسكرية لـ”حماس”، أو تنظيمات أُخرى. تعتمد الإدارة المدنية على الشرطة المحلية، وعلى قوة دولية، مهمتها فرض القانون وتطبيق الترتيبات التي جرى التوصل إليها في نهاية القتال. وسيصبح لغزة مرفأ بحري يُشغَّل برقابة أمنية، ويسمح بتنقُّل المسافرين والسياح من قبرص وإليها.
- يجب على دولة إسرائيل إقامة منظومة إنذار ودفاع على الحدود توفر الأمان للسكان… ويجب أن تتضمن الترتيبات الأمنية إنشاء منطقة أمنية بمساحة تتراوح بين كلم و3 كلم، لا يُسمح لسكان غزة بالدخول إليها من دون الحصول على موافقة خاصة.
- لن يبقى الجيش في غزة مدة طويلة أكثر مما هو مطلوب لتحقيق أهداف القتال المباشرة، والسماح بقيام حُكم بديل في القطاع. مع ذلك، سيحتفظ الجيش والشاباك بحقهما في ملاحقة وإحباط هجمات “إرهابية”، أو استعدادات للحرب، حتى بعد عودة الجيش إلى الأراضي الإسرائيلية.
- ستأخذ إسرائيل في حسابها المصالح والاعتبارات الاستراتيجية للولايات المتحدة، وكذلك الاعتبارات الداخلية السياسية، والمصالح الدينية والاستراتيجية للدول الإسلامية في المنطقة التي تربطنا بها اتفاقات سلام وتطبيع وعلاقات دبلوماسية.
نقلاً عن “مؤسسة الدراسات الفلسطينية”
رابط المقال في “يديعوت أحرونوت”: