نشرت جريدة ” النور ” في عددها 303 الصادر يوم الأربعاء الأول من آب 2007 نص الحوار الذي أجرته “سيريا نيوز” مع الرفيق يوسف الفيصل ـ رئيس الحزب الشيوعي السوري. ومن خلال قراءة متأنية ـ قدر المستطاع ـ للأفكار والآراء التي وردت فيه، وهي بمجموعها أفكار ” جبهوية ” بامتياز تشكل امتداداً لآراء ومواقف الرفيق الفيصل منذ أكثر من ربع قرن. من خلال هذه القراءة ـ ومن منطق الحرص على تاريخ سياسي يمتد على مدى خمسة وستين عاماً لرئيس الحزب الذي يعيش العقد التاسع من عمره. ومن منطق الحرص على تاريخ حزب عمره ثلاثة وثمانون عاماً، قدم عددٌ كبير من أعضائه حياتهم دفاعاً عن حرية الشعب وحرية الوطن واستقلاله، وعانى معظم أعضائه شظف العيش والظلم عبر مراحل مختلفة بما في ذلك مرحلة ! الشراكة بين قيادتهم والسلطة.
من منطق الحرص هذا رأينا مناقشة ثلاثة آراء تتعلق:
بالجبهة ـ وحالة الطوارئ ـ والمعارضة. بزعم أن ما طرح حولها هو الأكثر أهمية في الحوار.
يتحدث الرفيق فيصل عن الدور المتنامي للجبهة وتسعة الأحزاب التي تضمها إضافة لحزب البعث ـ التي ولدت نتيجة الانشقاقات في صفوفها أو تشكلت في السنوات الماضية. ويعتبر أن فتح مقرات لفروع هذه الأحزاب والسماح لها بإصدار صحفها الخاصة ـ قد زاد تأثيرها ووزنها.
بالطبع، لن نناقش وضع أحزاب ـ ربما لا يعرف اسمها ولا يشعر بوجودها عدد كبير من المهتمين بالعمل السياسي، فضلاً عن جماهير الشعب، غير أننا نسأل عن وضع الحزب الشيوعي السوري، الذي أصبح أربعة أحزاب وليس حزبين، وكان أحد أسباب انشقاقاته ـ الموقف من الجبهة. وأزعم أن الرفيق يوسف يتذكر تماماً ـ أنه لم يمض ِ شهرٌ واحدٌ على إعلان ميثاق الجبهة في تاريخ 7 / 3 / 1972 حتى صدر بيان 3 نيسان 1972 معلناً انقسام الحزب فاتحاً عهد الانشقاقات المتتالية التي لم تتدارك آثارها ولن تتداركها مظاهرات التوحيد الشكلية المترافقة مع مغادرة أعداد كبيرة من الرفاق صفوف الحزب ـ لكي يحافظوا ويحفظوا ما تبقى لديهم من روح التمرد على الظلم.
ومما يؤسف له أن يعتبر سياسيٌ محترف مثل الرفيق يوسف الفيصل ـ إن وجود وزير ومعاون وزير وأربعة أعضاء في مجلس الشعب دليلا ً على تنامي دور حزب، مثل الحزب الشيوعي السوري. هذا الحزب الذي كان في أربعينات القرن الماضي يضم أعداداً من خيرة المثقفين والعمال وغيرهم. وترنو إليه عيون الناس بالأمل والثقة.
وأسمح لنفسي بتوجيه همسة عتب مع سؤال:
هل عدد أعضاء حزبكم ـ الآن يزيد على ربع عددهم في عام 1969 ؟ ولماذا تغيب لغة الأرقام من تقديراتكم ؟ وهل تأثيركم الآن يوازي عُشر تأثيركم قبل عشرين عاماً ؟.
لا شك أن لغة المناصب الرسمية والسيارات الفاخرة التي يركبها بعض مسؤولي الحزب. غير لغة الكوادر والأعضاء الذي يطالبون دائماً بسياسة واضحة وحازمة ـ وتجيب قيادتهم ـ الجواب نفسه بلغة الآمر سيد العارفين:
“استوعبوا المرحلة ومخاطرها وسياسة الحزب”. دون أن يستطيع أي عضو مصارحة رفاقه بالقول:
” إن ميثاق الجبهة يلزمنا في الفقرة الرابعة من مقدمته أن نرسم سياستنا وفق منهاج حزب البعث ومقررات مؤتمراته ـ وتنفيذ خططنا وفق ذلك “. وإن أكثرية القيادة المركزية للجبهة ـ تستطيع أن تفصل أي حزب منها وهي أكثرية من قيادة حزب البعث ـ التي لا تعيش وضعاً أقل تناقضاً مع قواعدها ـ من تناقضكم مع قواعدكم. فقط هي أكثر قدرة على “التسكيت” باعتبار السلطة والقرار ملك يمينها.
باختصار شديد يمكننا القول: إن لغة الواقع هي الأقوى دائماً. ومن الواقع نقول بصراحة تامة: إن دور أحزاب الجبهة لا يتجاوز دور فرقة في حزب البعث. ولكنها فرقة منفذة فقط بدون مشاركة في القرار. ولن نذكر أمثلة ً حتى لا نحرج أحداً.
يُذكر أنّ الرفيق يوسف الفيصل يملك ذاكرة مرتبة ومنطقاً سياسياً تبريرياً ـ غير أنّه في الحديث عن الطوارئ قدم أجوبة ملتبسة، جاء الالتباس فيها نتيجة غياب الانسجام بين قناعته وبين ما يجب أن يقول، وهذه مأساة بحد ذاتها إن لم يكن الالتباس نتيجة أسباب أخرى.
يقول في جوابٍ على سؤال:
“…. كما أن الجبهة تمارس دورها في مناقشة القوانين، مثل قانون الأحزاب… وتعديل قانون الطوارئ…. “.
وفي جوابٍ على سؤال آخر، يؤكد على التمييز بين قانون الطوارئ وبين حالة الأحكام العرفية. ويجزم بوضوح تام: ” إنه مع بقاء قانون الطوارئ… ولكنه مع تعديل حالة الأحكام العرفية “.
هنا اسمح لنفسي بالقول: أعرف تماماً إن حول الرفيق الفيصل عدداً من المحامين والمختصين بالقانون، ويستطيع الاستئناس برأيهم لو أراد. ولبيان الالتباس نذكر. إن قانون حالة الطوارئ رقم / 51 / لعام 1962 هو القانون الذي يتربع على قمة سلّم القوانين الاستثنائية في سورية والذي يحتاج إلى تعديل قبل أيّ قانون آخر.
لأن هذا القانون. لم يبيّن المدة التي تعلن فيها حالة الطوارئ وأعطت المادة الرابعة منه الحاكم العرفي صلاحيات ليس لها مثيل**. منها فرض عقوبات غير منصوص عليها في القانون تصل إلى الحبس ثلاث سنوات لمن يخالف أوامره ـ التي من ضمنها: أن يكلّف أي شخص بصرف النظر عن موقعه وحصانته بالقيام بأي عمل. وتعطيه المادة الثامنة والتاسعة صلاحيات قضائية لا مبرر لها. وذلك خلافاً لأحكام المواثيق والإعلانات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية التي صادقت الجمهورية العربية السورية عليها.
أما إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية في 8 / 3 / 1963 فإنّ الضرورات والمصلحة الوطنية العليا ـ تتطلب ليس إلغاء هذه الحالة فقط. وإنما إعلان بطلانها ـ وبطلان النتائج المترتبة عليها. لأن هذه الحالة أعلنت خلافاً للقانون المذكور ولم تعلن لمواجهة حالة حرب ـ بل في لحظة انتزاع السلطة. ولم تعرض على أية هيئة تشريعية لمناقشتها. وقد أدى إعلان حالة الطوارئ إلى صدور عديد القوانين الاستثنائية نذكر منها المرسوم التشريعي رقم /4 / تاريخ 2 / 1 / 1965 ـ الذي يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة. كل من يقدم بأي وجه من الوجوه على عرقلة تنفيذ التشريعات الاشتراكية. ويجوز الحكم عليه بالإعدام تشديداً. ثــم المرســوم التشــريعي رقــم / 6 / تاريــخ
7 / 1 / 1965 الذي احتفظ بالعقوبة ذاتها. ولكنه فرضها على جميع الأفعال التي تعتبر مخالفة لتطبيق النظام الاشتراكي في الدولة سواء وقعت بالفعل أم بالقول أم بالكتابة أم بأية وسيلة من وسائل التعبير أو النشر.
وإذا كان المرسوم التشريعي رقم / 47 / تاريخ 28 / 3 / 1968 قد ألغى المحكمة العسكرية الاستثنائية المنصوص على تشكيلها في المرسوم التشريعي رقم / 6 / لعام 1965 ـ فإنه استبدلها بمحكمة أمن الدولة العليا ـ وأبقى العقوبة نفسها. مع حرمان المدعى عليه من تطبيق الإجراءات الأصولية أثناء المحاكمة.
هذه الحالة التي يعيشها الشعب منذ أربعة وأربعين عاماً. ألم ينتج عنها نتائج سلبية كبيرة ـ منها انتشار الخوف، بل، الرعب ووقوع ضحايا، ومطاردة أشخاص لم يرتكبوا جرماً، ولكنهم أبدوا رأياً.
ألم يعتقل عشرات الشيوعيين لفترات مختلفة ـ وهم “حلفاء” في الجبهة. ألم يُطلب من الحزب الشيوعي تعديل موضوعاته البرنامجية وإلا…؟ وقد عدّل. ألم يطلب منه أيضاً سحب بيانه الانتخابي في انتخابات مجلس الشعب عام 1981. ولكنه لم ينفذ الأمر. لذلك حُرم من تعيين ثمانية أعضاء في مجلس الشعب !!.
في ظل ظروف التهديد والوعيد هل يمكن أن توظف الطاقات البشرية ؟ أم تنتشر النميمة والفساد والإفساد الذي أرهق البلاد والعباد. وهل يجوز لشخص عرف مرارة الظلم والمطاردة. أن يتهم من يعيش خارج بلاده مضطراً بالخيانة ؟؟. وللجواب على سؤال بسؤال:
هل كان الرفيق يوسف فيصل خائناً عام 1948 عندما اتهمته القوى الظلامية بالخيانة؟. وهل كان رفاقه الذين عاشوا خارج سورية هرباً من بطش المباحث حفاظاً على حياتهم خونة ؟.
ونجيب على ذلك بدون أية مبالغة:
لقد دفع كلّ منهم ثمناً للحرية وثمناً للموقف الرافض للذل والظلم والاستبداد. ودفاعاً عن تاريخهم هذا نطالب بعضهم بأن لا يقول للظلم السلام عليكم. ونطالبه أن ينظر لنفسه بصفته وطنياً صادقاً ـ وللآخرين بصفتهم وطنيين صادقين. ونسأل الرفيق يوسف نفسه:
ألا تشعر الآن أنك ارتكبت خطأ في عام 1955 عندما كتبت في جريدة النور مقالاً تحت عنوان درس من إيران، تنعت فيها الحزب السوري القومي الاجتماعي ـ بأنه عصابة الخيانة والإجرام…. إلخ. وإذا كنت لا تشعر بالخطأ ـ فكيف تقبل أن تجلس إلى جانب ممثلهم في القيادة المركزية للجبهة ؟؟.
أخيراً نقول: إن الأمة تقوى بصراحة أبنائها والقادة أهم أولى الــنـاس بالحديث الصريح وإذا لم يستطيعوا فالصمت أفضل.
ملحق:
نص المادة الرابعة من قانون حالة الطوارئ
للحاكم العرفي أو نائبه أن يصدر أوامر كتابية باتخاذ جميع القيود أو التدابير الآتية أو بعضها وأن يحيل مخالفيها إلى المحاكم العسكرية.
آ- وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والإقامة والتنقل والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وتوقيف المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفاً احتياطياً والإجازة في تحري الأشخاص والأماكن في أي وقت، وتكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال.
ب- مراقبة الرسائل والمخابرات أياً كان نوعها. ومراقبة الصحف والنشرات والمؤلفات والرسوم والمطبوعات والإذاعات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان، قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإلغاء امتيازها وإغلاق أماكن طبعها.
ج- تحديد مواعيد فتح الأماكن العامة وإغلاقها.
د- سحب إجازات الأسلحة والذخائر والمواد القابلة للانفجار والمفرقعات على اختلاف أنواعها والأمر بتسليمها، وضبطها، وإغلاق مخازن الأسلحة.
هـ- إخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل وحصر المواصلات وتحديدها بين المناطق المختلفة.
و- الاستيلاء على أي منقول أو عقار وفرض الحراسة المؤقتة على الشركات والمؤسسات وتأجيل الديون والالتزامات المستحقة والتي تستحق على ما يجري الاستيلاء عليه.
ز- تحديد العقوبات التي تفرض على مخالفة هذه الأوامر، على ألا تزيد على الحبس مدة ثلاث سنوات وعلى الغرامة حتى ثلاثة آلاف ليرة أو إحداهما. وإذا لم يحدد الأمر العقوبة على مخالفة أحكامه, فيعاقب على مخالفتها بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على خمسمائة ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
كل ذلك مع عدم الإخلال بالعقوبات الأشد المنصوص عليها في القوانين الأخرى.