حسن خضر
هل بدأت “الأسلمة” في العالم العربي من أسفل إلى أعلى، أم من أعلى إلى أسفل؟ بمعنى آخر هل أدى الضغط الشعبي العفوي الهويّاتي (بعد هزيمة الأيديولوجيات القومية واليسارية) إلى “الأسلمة”، أم قام جهاز الدولة بهذه المهمة؟
الجواب: جهاز الدولة. كانت هذه خلاصة “ولي رضا نصر”، أحد أهم الخبراء الأميركيين (من أصل إيراني) في الإسلام السياسي . وقد توّصل إلى هذه الخلاصة في دراسة بعنوان “اللفياتان الإسلامي” صدرت في العام 2001، وركّزت على تحليل الأسلمة في باكستان وماليزيا.
وإلى خلاصة نصر يمكن أن نضيف تحليلاً لـ”روبرت لاسي” في كتاب بعنوان “داخل المملكة” صدر قبل عامين، ووصف فيه عمليات “الأسلمة” في السعودية بعد الثورة الإيرانية، التي أطاحت بالشاه في العام 1979، ومكّنت آيات الله من الاستيلاء على السلطة في طهران.
وإلى هذه وتلك نضيف مشروع “الأسلمة” الذي افتتح به أنور السادات عهده، عندما أطلق على نفسه تسمية “الرئيس المؤمن”، وعلى دولته اسم “دولة العلم والإيمان”، وأعفى كل صاحب بناية جديدة من الرسوم والضرائب مقابل تخصيص مصلّى في العقار الجديد.
والواقع أننا لا نشكو ندرة الأمثلة للتدليل على فرضية أن “الأسلمة “تمت من أعلى إلى أسفل، وحكمتها في بلدان مختلفة تحديات مختلفة، لكن القاسم المشترك بينها كان توظيف “الأسلمة” لتعزيز وتوسيع هيمنة الدولة على الفضاء العام، ناهيك عن تحصين شرعيتها، وتصفية خصومها، حتى في بلدان مثل السعودية التي لم تعرف الدستور من قبل، ونشأت أصلاً استناداً إلى تحالف بين الزعيم القبلي والفقيه.
والواقع، أيضاً، أن كل هذه المقدمة لا تستهدف سوى الكلام عن ظاهرة “السلفيين” في الوقت الحاضر. التسمية التي أصبحت مألوفة في السنوات القليلة الماضية، واحتلت مكانة خاصة في قاموس السياسة العربية منذ اندلاع الثورات العربية وحتى يوم الناس هذا.
في مصر، كان السلفيون مع نظام مبارك إلى ما قبل سقوطه بقليل. وفي تونس وبلدان أخرى لم يأخذهم أحد على محمل الجد، ولم يمارسوا السياسة. وغالباً ما تم تمييز هؤلاء عن “السلفية الجهادية”، التسمية التي صعدت إلى السطح بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وكانت متداولة بأقنعة مختلفة في عقود قليلة سبقت.
يحتاج الأمر إلى “خبير” في حركات الإسلام السياسي للكلام عن أصول “السلفية” وتحوّلاتها وفروعها، وهذا ما لا يطمح إليه كاتب هذه السطور. كل ما في الأمر أن السلفيات الجهادية، والسلمية (المعادية للسياسة) التي صعدت في ركاب ثورات الربيع العربي، وجاء اقتحامها للحقل السياسي العربي كمفاجأة من العيار الثقيل، تلتقي في مكان ما مع وتتفرع عن الوهابية السعودية.
ثمة الكثير من التحليلات التي تعيد الأمر إلى هذه المدرسة أو تلك، أو هذه الشخصية أو تلك، وهي تشبه في جانب منها كلام المحللين في عقدي الستينيات والسبعينيات عن الحركات اليسارية وأصولها السياسية وفروعها والأيديولوجية. وهذه وتلك لا تعنينا في هذا المقام، بقدر ما تعنينا فرضية أن قوى إقليمية ودولية مختلفة “اكتشفت” في وقت ما، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (على الأرجح) أن “السلفية الجهادية” لا تُقاوم بالحرب في الميدان وحسب، ولكن بالأفكار، أيضاً.
وقد كانت السلفية “المسالمة”، السلمية، والمعادية للممارسة السياسية، ولفكرة الخروج عل الحاكم، مرشّحاً طبيعياً لممارسة دور الثقل الموازي في الحرب على السلفيين الجهاديين، الذين أصبحوا مصدر تهديد لسلطة دول رعتهم في السابق، وأثاروا غضب ساكن البيت الأبيض بعد الحادي عشر من سبتمبر.
وفي ظل هذا الدور نال السلفيون “المسالمون” و”المعادون للسياسة” رعاية خاصة من جانب سلطات الدولة في العالم العربي. وقد لعبت المؤسسة الدينية السعودية، المتحالفة مع العائلة السعودية الحاكمة، دور الراعي الأيديولوجي لهؤلاء. وهي مؤسسة تملك الكثير من الموارد المالية، ناهيك عن النفوذ السياسي المُستمد من تحالف طويل الأمد مع الحكّام.
وبهذا المعنى يمكن إضافة الظاهرة السلفية إلى فرضية “الأسلمة” من أعلى إلى أسفل. وفي هذه الحالة كانت العملية أسهل، فالبنية التحتية للأسلمة، التي شيّدتها سلطات الدولة في العالم العربي على مدار أربعة عقود مضت، لم تكن كفيلة برعاية الثقل الموازي للسلفية الجهادية وحسب، بل وأسهمت أيضاً في تسريع إنضاجه وانخراطه في الشأن العام، أي انتقاله من حالة الحياد الإيجابي (أي التحالف مع الدولة)، إلى الانخراط الفاعل في الحقل السياسي ومحاولة الاستيلاء عليه في بلدان الربيع العربي.
ولكن لماذا انخرط السلفيون “المسالمون والمعادون للسياسة” في الحقل السياسي، فجأة، ودون ألم تقريباً (أي دون ندم على ما فاتهم في السياسة، ودون ممارسة للنقد الذاتي، وقد كانوا حلفاء لأنظمة سقطت، ودون مرافعات “فقهية” تبرر التحوّل؟
حدث التحوّل لأن السعودية (والمشيخات النفطية) تمارس منذ اندلاع ثورات الربيع العربي الدور نفسه، الذي مارسته روسيا الأرثذوكسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بعد موجة ربيع الشعوب الأوروبية في العام 1848، أي دور الدرع الأيديولوجي الواقي من التحوّلات الثورية، والقوّة الساعية إلى تفريغ التحوّلات الجارية من شحنتها الراديكالية.
وبقدر ما يعنيني الأمر، طرحتُ بعيد اندلاع الثورة المصرية فرضية مفادها أن التحوّلات الراديكالية في العالم العربي تعني انتهاء الحقبة السعودية، وما زلتُ أرى فيها فرضية صحيحة. كل ما في الأمر أن السلفية التي ظهرت “فجأة” وتخوض في الوقت الحاضر (إلى جانب أطياف أخرى للإسلام السياسي) الحرب على هوية الدولة في مصر وغيرها من البلدان العربية، تندرج في إطار محاولة لتأبيد الهيمنة، وحصر الضرر، ونزع الشحنة الراديكالية، وإطالة عمر الحقبة السعودية.
khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني
الحقبة السعودية..!! من كان سلفيا و حمل السلاح على المسلمين و المعاهَدين فهو من الخوارج. لا يحق له أن يسمي نفسه سلفيا. و لا يحق لغيره أن يلحقه بالسلفية. لأن السلفية طريقة فهم للنص الديني الإسلامي متوارثة بين مجموعة معينة من المسلمين. إختصارها ممكن بعبارة واحدة : تصديق الخبر و تنفيذ الأمر. أما أن من كان سلفيا و ركب موجة الربيع العربي و دخل في اللعبة الديموقراطية فهو ليس سلفيا بل إخواني متستر بالسلفية. أراد أن يستغل اختلاف التنوع و التضاد بين الإسلاميين الحركيين ليأتي بجديد غير مسبوق يمكنه من الحصول على الشرعية السياسية بواسطة الشرعية الدينية. إذا لا حاجة… قراءة المزيد ..
الحقبة السعودية..!!
شكرا للكاتب حسن خضر على تحليله الصحيح والجريء لما حدث ويحدث في بلادنا العربية.لا أبالغ لو قلت ان على محللين عديدين في وسائل الاعلام العربية وحتى العالمية ان يستوعبوا ما اورده الاستاذ حسن فيصبح بامكانهم ان يتفهموا الاوضاع والتطورات الراهنة خير تفهم ويتوقفوا عن اطلاق نظريات لا تمت للواقع بصلة.