لا نقبل وجوداً لإيران أو لحزب الله جنوب دمشق
يشغل الجنرال آموس يادلين، المدير السابق للإستخبارات العسكرية، منصب مدير معهد دراسات الأمن الإسرائيلي حالياً. وكان آموس يادلين واحداً من ٨ طيارين إسرائيليين قادوا مقاتلات “إف-١٦” لقصف المفاعل النووي العراقي في ٧ يوليو ١٩٨١.
ويعتقد الجنرال يادلين أن الرئيس السوري بات يشكل تهديداً حقيقياً لأمن إسرائيل لأنه صادَرَ السلطة بدعم من إيران وحزب الله.
أجرت معه جريدة “الفيغارو” الفرنسية الحوار التالي:
الفيغارو- سيجتمع بنيامين نتنياهو مع فلاديمير بوتين اليوم الخميس في موسكو ليبحث معه في مستقبل سوريا. ماذا تتوقعون أن تسفر عنه هذه المحادثات؟
آموس يادلين- تملك إسرائيل مصلحة كبرى في أن لا ترسّخ إيران وجودها، ومن موقع قوة، في أراضي سوريا. وليس مقبولاً، في نظرنا، أن يسفر التدخّل الروسي عن وضع يمتلكُ فيه حزب الله، والجيش الإيراني، حرية عمل كاملة، ويسمح لهما في أي وقت بفتح جبهة جديدة في هضبة الجولان. حقاً أنه من غير الواقعي أن نأمل في أن يكون باستطاعة روسيا إبعاد إيران كلياً بعد انتهاء الحرب في سوريا، ولكن من المهم أن نرسم منذ الآن عدداً معيناً من الخطوط الحمراء.
ممنوع على إيران وحزب الله أن تقاتل ضد المتمرّدين في جنوب سوريا
الفيغارو- تركّز إيران وحزب الله نشاطهاتهما في شمال سوريا، إلى درجة أنه يبدو، حالياً، أن إسرائيل بعيدة عن أولوياتهما؟
آموس يادلين: قبل فترة قريبة تعود إلى ٢٠١٤ و٢٠١٥، حاول الإيرانيون أن يتمركزوا على طول الحدود مع إسرائيل. وكان ردّنا في ذلك الحين حازماً (تسبّب قصف يعتقد أنه إسرائيلي بمقتل جنرال إيراني وعدد من مقاتلي حزب الله في ٢٠ يناير ٢٠١٥، في الجانب السوري من الجولان- الفيغارو). حقاً أن الإيرانيين قرّروا منذئذ أن يركزوا جهودهم في شمال سوريا بغية إنقاذ نظام الأسد أمام التقدّم الذي أحرزته المعارضة. ولكننا نخشى أن يسعون، بعد نجاحهم في استعادة “حلب” بدعم من القوات الروسية، إلى التعرّض للمتمردين في جنوب سوريا. الأمر الذي سيشكل، بالنسبة لنا، منعطفاً غير مقبول!
الفيغارو- رفضت إسرائيل دائماً أن تتورط في النزاع السوري. بناءً عليه، هل تملكون القدرة على التأثير في شروط التسوية؟
أموس يادلين: ما زالت إسرائيل أول قوة عسكرية في المنطقة. حقاً أن حكومتنا اعتمدت خيارَعدم التدخل في الحرب الأهلية، ولكن ذلك لا يعني أننا تخلينا عن الدفاع عن مصالحنا. إننا لم نبقَ مكتوفي الأيدي في السنوات الأخيرة حينما فرضت علينا الظروف الدفاع عن النفس. إن قدرتنا على التعبير عن خطوطنا الحمراء بوضوح، وعلى فرض احترامها، بالقوة إذا لزم الأمر، يُضفي علينا سلطة معينة.
الفيغارو- ما هي تلك الخطوط الحمراء؟
آموس يادلين: على المستوى الجغرافي، أولاً، فإن إسرائيل لا تستطيع أن تقبل وجوداً لإيران أو لحزب الله إلى الجنوب من دمشق. علاوة على ذلك، ليس هنالك مجال إطلاقاً للسماح بأن تنشأ على حدودنا جماعات تموّلها، وتدرّبها، جمهورية إيران الإسلامية، أو للسماح لإيران بتزويد النظام السوري بأسلحة دمار شامل.
علاوة على ما سبق، فمن الضروري أن نعرف من يسيطر فعلياً على دمشق! الإيرانيون؟ حزب الله؟ الروس؟ أم بشار الأسد؟ وهذه ستكون، بدون شك، النقطة الأكثر حساسية. أنا لا أملك أسراراً إلهية، ولا أعرف ماذا ستكون مطالب رئيس الحكومة حينما يلتقي بفلاديمير بوتين، ولكن يبدو لي أن إسرائيل ترغب في خفض النفوذ الإيراني في نظام دمشق إلى حدّه الأدنى.
كان ينبغي علينا أن نقصف أسراب الهليكوبتر التي ترمي البراميل المتفجرة على المدنيين السوريين
الفيغارو- أعلن وزير الدفاع، أفيغور ليبرمان، مؤخراً، أن إسرائيل ترغب في رحيل بشار الأسد. هل يعني ذلك أن إسرائيل ستتخلى عن موقف الحياد الذي اتّبعته منذ ٢٠١١؟
أموس يادلين- إذا كان الحال كذلك، فلا يسعني سوى أن أعرب عن اغتباطي! لقد كنت، منذ البدايات الأولى لحرب سوريا، من الذين أعربوا عن قناعتهم بأن بقاء الأسد ليس في مصلحة إسرائيل. لقد صادر السلطة بدعم من إيران وحزب الله، إلى درجة أن المحور الشيعي عزّز وجوده كثيراً على حدودنا الشمالية. لقد اعتبرت حكومتنا أن من الأفضل أن تظل محايدة رغم ذلك التطوّر. مع ذلك، كان ممكنا لإسرائيل في السنوات الماضية أن تردّ بطريقة محدودة ضد آلة القتل التي يستخدمها بشّار الأسد، وذلك سواءً بإسم قِيَمنا الأخلاقية ولخدمة مصالحنا الإستراتيجية.
خُذ مثلاً أسراب الهليكوبتر التي تلقي براميل المتفجرات يومياً على المدنيين. إنها أسلحة غير دقيقة تقتل الناس في الأسواق، وفي ، والمدارس، وفي المستشفيات. لو أن الجيش الإسرائيلي، بدون أن يضع قدماً واحدة على الأرض وبدون التورّط في حملة طويلة الأمد، اتخذ قرارَ ضرب تلك الهليوبترات، فإنه كان قادراً على أن يضع حداً لنشاطاتها. وذلك كان سيؤدّي لإضعاف نظام، وكان سيظهر لسكّان سوريا من “السُنّة” أن هنالك من يهتمّ بهم.
الفيغارو- ألم يكن ذلك يعرّض إسرائيل لخطر التورّط في الحرب؟
آموس يادلين: ليس بالضرورة. في غضون السنوات الأخيرة، مثلاً، نُسِبَت إلى الجيش الإسرائيلي العديد من الضربات الجوية التي استهدفت قوافل تحمل أسلحة متورة لحزب الله داخل الأراضي السورية، وذلك من غير أن يتحمل الجيش الإسرائيلي المسؤولية عنها صراحةً. ولم تؤدِّ أي من تلك الأحداث إلى نشوب حرب. حقاً أن هنالك مستوى معيّناً من الخطر، ولكن يمكن التحكّم به إذا ما قمنا بما نريد بصورة مناسبة.
من جهة أخرى، أنا أطالب بخلق “منطقة آمنة” على امتداد حدودنا يمكن أن يلجأ إليها المدنيون حينما يتم استئناف القتال بين النظام والمتمردون في الجنوب. وهنا أيضاً فليس مطلوباً على الإطلاق أن تكون إسرائيل في الصف الأول. ولكن يمكن لنا أن ندعم مثل هذا المشروع بصورة خفية إذا ما توصّلت الدول السنّية، مثل الأردن والسعودية، إلى توافق على دعم إخوتهم السوريين.