قالت مصادر جزائرية لـ”الشفّاف” أن “الشرارة” التي أشعلت غضب الرئيس الجزائري بوتفليقة ودفعته لاتخاذ قرارات “غير مألوفة” للحدّ من صلاحيات الإستخبارات الجزائرية ربما كان قرار الخارجية الجزائرية، أثناء خضوع بوتفليقة للعلاج في فرنسا، ووسط أنباء عن تدهور صحته بشكل خطير، بنقل سفير الجزائر في فرنسا، وهو صديق شخصي لبوتفليقة، واستبداله بسفير من السلك الديبلوماسي هو “عمار بن جامع”. وهو أمر غير مألوف لأن سفراء الدول يكون عادةً سفراء لرئيس الدولة!
وحسب جريدة ”الفيغارو” الفرنسية، فقد قام بوتفليقة، ”عشية الإنتخابات الرئاسية التي ستجري بعد أشهر، بتفكيك جهاز الإستخبارات القوي وتشكيل حكومة جديدة تضم الموالين له”.
وتنقل الجريدة عن ضابط إستخبارات جزائري أنه ”كوريث لبومدين، يعرف بوتفليقة أنه إذا لم يسيطر على الجيش، فهو لا يسيطر على شيء”! ويلقي هذا التعليق ضوءاً على القرارات الصادرة عن الرئاسة الجزائرية في الأيام الأخيرة. فحسب عدد من صحف الجزائر أسفرت مراسيم رئاسية غير منشورة عن تقليص صلاحيات جهاز الإستخبارات العسكرية الجزائري (“دي إر إس”: أي ”دائرة الاستعلام والامن”)، الذي يشكل العمود الفقري الحقيقي للنظام، من عدد من صلاحياته: وهي المعلومات والإتصالات، و”الأمن العسكري” الذي سيصبح ضباطه وعناصره الذين يحملون صفة الضابطة القضائية تابعين للقضاء العسكري من الآن فصاعداً. أي أنهم لن يعودوا تابعين للمدير ”الأسطوري” لـ”دائرة الإستعلام والأمن”، الجنرال ”توفيق محمد لامين مدين” (٧٤ سنة)، بل سيصبحون تابعين لرئيس أركان الجيش الجزائري، الجنرال قايد صلاح (٨٠ سنة) الذي أصبح نائب وزير الدفاع الوطني بموجب التغيير الوزاري الذي جرى قبل أيام.
ويقول أحد ضباط جيش البر: ”قائد صلاح، مثل كل الجيش، مؤيد للرئيس. وستسفر المناورات الرامية إلى تقليص صلاحيات الإستخبارات عن تقوية نفوذ بوتفليقة. ولكن، حذار، فلا ينبغي أن يظن أحد أن التغييرات ستمسّ أجهزة الإستخبارات في صميم عملها. لأن شيئاً لن يتغير في حقيقة الحال.
”فالأمن العسكري كان، أصلاً، يرفع تقارير لهيئة الأركان. أما بالنسبة لوظيفة ”الإستعلام”، فسيظل جهاز الإستخبارات يمارس عمل الإستخبارات لأنه مبرّر وجود أي جهاز لمكافحة التجسس”!
بالمقابل، تؤكد المصادر المناوئة لجهاز الإستخبارات في القصر الرئاسي في ”المرادية” أن ”توفيق” تلقى ضربة قوية، مشيرة ً إلى أن الحكومة الجديدة التي ما زال عبد الملك سلال يرأسها تتألف بمعظمها من موالي لبوتفليقة.
تضيف “الفيغارو” أن هذه ليست أول محاولة لإضعاف “إدارة الإستعلام والأمن”. فقد سعى الرئيس الجزائري السابق “الشاذلي بن جديد” لتفكيك الجهاز العملاق الذي كان يسمّى “الإدارة المركزية للأمن العسكري”. “ولكن المحاولة لم تنجح لأن جهاز المخابرات لا ينحصر بهيكليته التنظيمية، بل هو يتألف من رجال وشبكات بالدرجة الأولى. وطالما لم يوقّع بوتفليقة على مرسوم إحالة ”توفيق” إلى التقاعد- حيث أنه بات مؤهلاً للتقاعد مثل جميع الضباط منذ أن بلغ ٦٥ سنة- فلن تتعرض إدارة الإستخبارات لخسارة لا تُعوّض”، حسب أحد الضباط الجزائريين.
أما داخل جهاز الإستخبارات العسكرية نفسه، فإن بعض الضباط يعلّقون بأن التغييرات الأخيرة التي تجري قبل أشهر من انتخابات الرئاسة، وفي مناخ صراع على المناصب، هي حصيلة ”تسوية” في واقع الأمر! وحسب “الهواري عدي”، وهو أستاذ في معهد الدراسات السياسية في مدينة ليون، فإن “جهاز الإستخبارات العسكرية قَبِلَ الإنسحاب من بعض المواقع وبالمقابل فإن أياً من ضباطه لن يتعرض للمساءلة في قضايا الفساد التي تورط فيها”. ويضيف “كان مستحيلاً أن يغادر وزير الطاقة السابق، “شكيب خليل”، البلاد بدون مساعدة جنرالين أو ثلاثة”!
ولكن أحد ضباط الإستخبارات العسكرية الجزائرية يعتقد أن ما حدث هو ”حل وسط” من منظور إنتخابات الرئاسة في العام ٢٠١٤. ويقول: “لا يشن بوتفليقة الحرب على أجهزة الإستخبارات سوى لتعزيز سلطته. ونحن نشهد الآن المرحلة النهائية لعملية تفكيك الأجهزة التي بدأت في العام ٢٠٠٤. بالمقابل، فإن “توفيق” يحتفظ بوظيفته ويؤيد ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة. إن نتيجة مبارة بين توفيق وبوتفليقة هي ١ مقابل ١ حتى الآن، والكرة في وسط الملعب”!
يعني كل ما سبق أن سيناريو الولاية الرابعة، الذي بدا مستبعداً كلياً بعد نقل الرئيس بوتفليقة إلى فرنسا للعلاج في شهر أبريل، قد عاد بقوة الآن.
*
وكالة الصحافة الفرنسية:
معارضون جزائريون: قرارات بوتفليقة تعكس صراع أجنحة النظام
لا يزال التغيير “المفاجئ” الذي اجراه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في هرم الجيش والحكومة قبل خمسة ايام يتصدر عناوين الصحف الصادرة السبت التي لم تجد له سوى تفسير واحد هو ان بوتفليقة عازم على الترشح لولاية رابعة.
وكتبت صحيفة “لوسوار دالجيري” في صدر صفحتها الاولى تحت عنوان “خطة بوتفليقة” ان الرئيس “تمكن في اسبوع واحد من قلب الاوضاع لصالحه وهز الساحة السياسية الوطنية”.
ونقلت عن مصادر مؤكدة ان بوتفليقة قال صراحة لرئيس الوزراء عبد المالك سلال ونائب وزير الدفاع ورئيس اركان الجيش الفريق قايد صالح “اعلمكم اني قررت الترشح وآمركم بان تبدأوا التحضير لذلك”.
وقبل سبعة اشهر من الانتخابات الرئاسية المقررة في نيسان/ابريل 2014 لم يعلن بوتفليقة صراحة موقفه منها اما بالترشح واما بعدمه.
لكن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم واحزابا اخرى مشاركة في الحكومة كتجمع امل الجزائر لوزير النقل عمار غول والحركة الشعبية الجزائرية لوزير التنمية الصناعية عمارة بن يونس، اعلنت صراحة دعمها لترشح الرئيس لولاية رابعة.
وبالنسبة لصحيفة “لوسوار دالجيري” المقربة من المعارضة فان “بوتفليقة تحرك بشكل مفاجئ وقوي (…) ليستعيد كل السلطات بين يديه”.
اما صحيفة “الخبر” فخصصت صفحتين للحدث تحت عنوان “مواجهة مكشوفة بين الرئيس والجنرال توفيق” في اشارة الى الفريق محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق مدير دائرة الاستعلام والامن وهي التسمية الرسمية للاستخبارات الجزائرية.
واكدت “الخبر” ان التعديل الوزاري الاخير “يشير الى ان الرئيس اقفل على خصومه في قفص” كما انه “اقوى محطة في مسار الاستمرار في الحكم”.
واضافت الصحيفة ان التعديل الوزاري “اقرب ما يكون لماكينة دعائية لبداية الخوض في الولاية الرابعة بعدما ازيحت من الذهان بدعوى مرض الرئيس”.
وتوقعت الصحف قرارات جديدة “ثورية” لبوتفليقة في الاسابيع او حتى الايام المقبلة على جميع المستويات في السلطة بدءا بالولاة والقضاة مرورا بالقيمين على الاعلام الحكومي وصولا الى قيادة الجيش والشرطة.
ولم ينشر اي اعلان رسمي حول تحويل مصالح امن الجيش والصحافة والشرطة القضائية العسكرية من قيادة المخابرات الى قيادة اركان الجيش، وما نشر لا يعدون كونه تسريبات في صحف معروفة بقربها من الرئاسة الجزائرية.
اما صحيفة “لوكوتيديان دورون” المقربة من الرئاسة فكتبت في تحليلها ان “الذين استبقوا الاحداث ودفنوا بوتفليقة بمجرد نقله للعلاج في فرنسا تفاجأوا بما اعلنه الاربعاء (اعلان التعديل الحكومي) بعد ان اعتقدوا ان السلطة الحقيقية التي تقر مستقبله ليست بيده”.
واكدت الصحيفة ان “الترتيب للمعركة الذي نفذه بوتفليقة سيوقف المرشحين المحتملين لخلافته”.
اما صحيفة “المجاهد” الحكومية فان التغيير ليس سوى “تسليما للمشعل من اجل ديناميكية جديدة في الحكومة بهدف اتمام مشاريع الرئيس بوتفليقة”.
واعلن بوتفليقة الاسبوع الماضي تعديلا كبيرا في الحكومة شمل وزرات الدفاع والداخلية والعدل وتعيين احد عشر وزيرا جديدا مقابل اقالة ثلاثة عشر وزيرا.