لم يعلن حزب الله رسميا انخراطه العسكري والامني في دعم النظام السوري اسوة بدعمه السياسي والاعلامي، لكنه أكد أنه يدافع عن لبنانيين مقيمين في الاراضي السورية وعلى مقربة من الحدود مع لبنان. تلك الحدود التي لطالما منعت السلطات السورية ترسيمها في العقود السابقة.
لم يطالب حزب الله الحكومة اللبنانية بالقيام بواجباتها في نشر الجيش على تلك الحدود، خصوصا تلك الممتدة من “القاع” الى “الهرمل”. لم يطالب بشكل جدي كخطوة تلي اتهامه الدولة اللبنانية بـ”إهمال هؤلاء اللبنانيين”، على ما قال الشيخ محمد يزبك الأحد الفائت. فيما اكد المعارض السوري ميشال كيلو (وهو اقل المعارضين انتقادا لحزب الله) لموقع “النشرة” أنه “لا يمكن لأحد منع أو ضبط السوريين، بعد سقوط الاسد، من محاربة حزب الله ومحوه عن الكرة الارضية في حال استمر في دعم النظام القاتل وفي قمع الثورة”، داعيا ايّاه إلى “العودة رأس حربة في حركة الشعوب المطالبة بالعدالة والحرية والديمقراطية”.
نضيف هنا التحذيرات الاخيرة الصادرة عن قيادات في الجيش السوري الحر الى حزب الله، التي تؤكد أنّ تدخل حزب الله في قمع الثورة السورية سيُردّ عليه في قلب الضاحية الجنوبية، ناهيك عن تسليم العديد من المراقبين بأن المصالح الدولية ليست مؤاتية للحسم لا بل تحول دون إعلان سقوط “النظام” أو وقف عمليات القتل والتدمير المنظمة لسورية، وهي متناغمة مع مسار ان خيار الحسم يتطلب انهاك المعارضين تمهيدا لنضوج شروط حل يلائم متطلبات الدول المعنية وفي مقدمها تركيا واسرائيل مرورًا بواشنطن.
ازاء هذا المشهد، تتنامى فرص غرق حزب الله في الرمال السورية وتحفَز بعض السوريين لتمديد المواجهة الى لبنان، سواء من قبل النظام السوري فيما عرف بـ”مخطط مملوك – سماحة”، اوعبر خطوة انسحاب الجيش السوري من مناطق حدودية لاستدراج مواجهات بين حزب الله والجيش السوري الحر. وعلى الضفة الاخرى، بدأ الجيش الحر يُلوّح بتدخل في لبنان تحت ذريعة اتهامه حزب الله بالتدخل في سورية. ولم يعد خافيا ان مخاوف حقيقية بدأت تتسرب الى الضاحية الجنوبية لجهة توقع استهدافها بمتفجرات انتحارية، وهي مخاوف تنطلق في الدرجة الاولى من الشرخ السني – الشيعي ومن مشاهد مسبوقة في العراق لا تزال حاضرة.
وينقل مراسلون من داخل سورية ومن حلب، وريفها تحديدا، ان خطاب العداء موجه ضد الشيعة عموماً وليس حزب الله فحسب. وهذا بات حقيقة لا يستطيع المرء ان يتجاوز آثارها المرتقبة. وهو واقع نما وكبر وترسّخ بقوة التحالف بين النظام السوري وايران في مواجهة الثورة، وبحجم القتل و الدمار الذي يعتقد السوريون في تلك المناطق انه ما كان ليقع لولا غطاء ودعم ايران وحزب الله للاسد. لذا لا يميّز هؤلاء بين نظام الاسد وعصبته العلوية من جهة، والشيعة عموما. فهم مقتنعون بأن حياة النظام قائمة على شريان شيعي يمتد من حزب الله وايران والعراق.
مخاوف جدية تتسرب الى الضاحية الجنوبية من متفجرات انتحارية.
من هنا يمكن القول إن البيئة الحاضنة والمشجعة على عمليات انتحارية او “جهادية” تستهدف مناطق نفوذ حزب الله والشيعة عموما اصبحت حقيقة اكثر من مرجحة. وتوجيه التحذيرات نحو لبنان والضاحية الجنوبية لم يعد خطرا يمكن التغاضي عنه او الاستهانة به. والاطراف ذات المصلحة في حصوله تتسع دائرتها، والنظام السوري ليس بعيدا منها. فالرئيس الاسد كان واضحًا في تصريحه الأخير بعد استقبال وزير الخارجية الايراني اواخر الشهر المنصرم بأن سورية “خط الدفاع عن المقاومة”. هذا القول يستبطن مزيدا من جرّ حزب الله الى معركته، وهو دعوة غير مباشرة لاعلان حزب الله انخراطه علناً، ومن دون تردّد او تخفٍّ، في المواجهة التي صبغها الاسد بعنوان الدفاع عن المقاومة.
في الخلاصة: المخاطر من نقل المواجهة الى لبنان لا تعني طائفة من دون اخرى. فالاضرار تعم الجميع! وبالتالي فإنّ مواجهتها لا تقع على طرف من دون آخر وان كان حزب الله معنيا بتحديد موقفه وايضاحه والخروج من الالتباس الذي يفاقم الأزمة ولا يخفف منها.
ثمة مهمة تقع على الجميع. ورئيس الجمهورية اللبنانية والحكومة في مقدمة المطالَبين باتخاذ مواقف تحول دون الوقوع في الفخ السوري الساعي إلى تفجير لبنان وإغراقه في فتنة لن توفر احداً.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد