د.شفيق ناظم الغبرا.
الكثير منا في الصف الليبرالي يمتلك حساسية تجاه استخدام الدين في السياسة وتجاه الاسلام السياسي. ولكن هذا التيار اصبح يتمتع بوجود حقيقي في كل ارجاء العالم العربي. فبعضنا يخلط كل يوم كما خلطت الادارة الامريكية الاخيرة بين الاسلام السياسي وبين التطرف والارهاب، وبعضنا الاخر يرى في كل ممارسة للاسلام السياسي عدواً للتقدم وللمستقبل وللحضارة وللمدنية. في تعاملنا مع الاسلام هناك الكثير من ضعف في الحوار، وعدم رغبة في الاستماع. فلو اقمنا انتخابات مفتوحة وصادقة في كل العالم العربي لاسس الاسلاميون حكومات اسلامية في معظم الدول العربية. على الاقل لو اقمنا انتخابات نزيهة سيكون هذا التيار اكبر اقلية ويحقق بالتالي الاغلبية النسبية. ان اهمال التعامل السياسي البناء مع التيار في الكثير من الدول العربية يساهم في زيادة حدته وتطرفه ورفضه للطرف الاخر كما ويساهم في تأخير عملية انضاج التطور الديمقراطي في البلاد العربية. علينا ان نفكر بطريق اخر مع الاسلام السياسي والا ساهمنا بادخال منطقتنا بمزيد من العنف والتراجع.
لقد افرزت الانظمة غير الديمقراطية التي تعرفها منطقتنا معارضة بقوة مراسها وعنادها وعسكرية احكامها. هكذا تتواجه انظمتنا بامر يصعب معارضته: معارضة تعتمد على الدين وتطبيقه. ربما لو كانت انظمتنا العربية اكثر مرونة واكثر استعدادا لتداول السلطة لتغير الموقف ولكانت قوى المعارضة لدينا اكثر مرونة هي الاخرى كما هو الحال في تركيا وكما تتطور الاوضاع بين الاسلاميين العراقيين الذين تحولوا نحو المرونة في الصف الشيعي والسني بنفس الوقت. بمعنى اخر هكذا نظام سياسي عربي شديد التمسك بالسلطة والقوة سوف يفرز بطبيعة الحال معارضة شديدة المرأس شديدة التعصب والمغالاة. بل يمكن القول بأنه كلما قامت في عالمنا انظمة امنية اكثر قوة تحولت المعارضة الى نمط اكثر تشددا. هذا وهو الواقع الذي افرزه النظام العربي في العقدين الاخيرين.
ولقد تعزز دور التيار الاسلامي العربي من خلال اخر مواجهتين بين هذا التيار واسرائيل. فقد نجح حزب الله، بطريقة او بأخرى، في مواجهته في عام ٢٠٠٦، كما نجحت حماس بطريقتها في المواجهة مع اسرائيل، فما استطاعت اسرائيل ان تأخذه بساعات عام ١٩٦٧ من الدول العربية لم تنجح في اخذه من حماس ابان شهر من القتال. ان معركة غزة كانت حرب عربية اسرائيلية يخوضها الفلسطينيون، ولكنها كانت ايضا حرب التيار الاسلامي السني ضد اسرائيل بعد ان خاض التيار الاسلامي الشيعي حربه عام ٢٠٠٦. في الحربين كانت الوسائل مختلفة، وطرق التضحية مختلفه. وفي الجوهر اصبح الاسلام السياسي سلطة مواجهة ودولة مواجهة يمتلك جبهة قتالية اضافة الى تحوله لمعارضة شعبية ورئيسية في دول عربية شتى. هذا كله ساهم في المراحل الاخيرة في زيادة شرعية التيار الاسلامي وانتشاره في الشارع العربي.
لكن هل سينتهي التاريخ العربي بالاسلام السياسي؟ بالتأكيد لن ينتهي هناك. فالتيار الاسلامي يمثل مرحلة ولا يمثل نهاية، كما يمثل قوة ستلعب دورها في انهاء واقع النظام العربي كما نعرفه حتي الان. فالاسلام السياسي قوة سياسية ستفرض على الدول ان تتعامل مع الحل الديمقراطي في نهاية المطاف. فالمستقبل ومسار المنطقة العربية هو نحو الانفتاح الفكري والعقائدي وبناء السلام واحترام الاقليات وفصل الدين عن الدولة وفصل الحقوق عن الدين واحترام الحريات. فهذا الاطار سيكون جزءا طبيعياً من كل بناء هادف للتنمية في ظل وعي الافراد بحقوقهم. ولكن هذا لا يعني ان لا نرى ان هذه المرحلة التاريخية تتضمن دوراً خاصاً للاسلام السياسي في مشروع المقاومة والمعارضة وتحرير الاراضي المحتلة اضافة الى مشروع التنمية وبناء الدول. ان الاسلام السياسي جزء من التشكيلة السياسية والاجتماعية والانسانية التي تتطلب حوارا وتعاملا بناءا. ربما عندما يصل الاسلام السياسي بواسطة صناديق الاقتراع للحكم في اكثر من بلد تكون بداية تعديله لاطروحاته كما حصل في تركيا وكما قد يحصل في العراق وفي مواقع اخرى. ان الطريق فيه اكثر من مجرى بما يساهم بعملية تغيير شاملة.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت