كل اطراف النزاع في لبنان يطالبون بالتسوية للخروج من الازمة السياسية المستفحلة. التسوية ان يلتقي المتخاصمون في مكان ما في الوسط على ان تحديد هذا المكان ومسافته من كل طرف يرجع الى موازين القوى السائدة والمهارة السياسية لقيادات هذه الاطراف. ولكن عن اية تسوية نتحدث؟
الاكثرية ترى التسوية في التئام مجلس النواب لانتخاب المرشح الرئاسي التوافقي العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية يتبع ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية تضع في اولويات برنامجها انجاز قانون انتخابي جديد يحظى بموافقة كافة الاطراف. تلك التسوية كما تطرحها الاكثرية تعيد الاعتبار لدور رئيس الجمهورية كرأس الهرم في الجمهورية وكحكم بين الاكثرية و الاقلية. و لتمكينه من القيام بهذا الدور بشكل فعال، فبالاضافة لصلاحياته الدستورية تقترح الاكثرية ان يسمي الرئيس العدد اللازم من الوزراء بما لا يسمح للاغلبية بالاستحواذ على ثلثي المقاعد الوزارية و الاستئثار بالقرار الحكومي و للاقلية بالحصول على الثلث المعطل والقبض على مصير الحكومة وحق الفيتو داخلها.
اما التسوية في مفهوم المعارضة فهي مغايرة تماما. لا مانع من انتخاب العماد سليمان رئيسا للجمهورية شرط ان يسبق ذلك الاتفاق المسبق على تركيبة الحكومة الاولى للعهد بما يضمن للمعارضة الثلث المعطل بغض النظر عن حصة رئيس الجمهورية فيها و كذلك الاتفاق المسبق على تعيينات في بعض المناصب الحساسة في الدولة و بخاصة في المواقع الامنية.
الاغلبية تقول بتوازن طرحها و مطابقته لمفهوم التسوية كونه يخضع لمبدأ لا غالب ولا مغلوب. لا الاغلبية تحتفظ بالثلثين ولا الاقلية تحصل على الثلث المعطل فيما يعود لرئيس الجمهورية الذي يعتبر على مسافة واحدة من الطرفين الدور المرجح ما يؤمن استقرارا سياسيا طال انتظاره وانتظاما للعمل الحكومي حتى موعد الانتخابات التشريعية القادمة بعد سنة و نصف السنة. فيما المعارضة ترفع حجة الشراكة وتمثيلها لشريحة كبيرة من الشعب و امتلاكها ل%45 من مقاعد مجلس النواب لتدعيم احقية مطالبتها بالثلث المعطل داخل الحكومة بغض النظر عن عدم دستورية هذا المطلب وعلى الرغم من تغليفه بشعارات تطال الامن القومي للبلاد.
لا الاقلية راضية بممارسة دورها كمعارضة و البقاء خارج السلطة التنفيذية ومراقبة هذه الاخيرة و الاعتراض عليها بالوسائل الديمقراطية وتحت سقف القانون تهيئا للانتخابات النيابية القادمة لا بل هي تطالب بحصة لها في السلطة التنفيذية تخشى الاغلبية ان هي لبت لها هذا المطلب ان ينتقل معها منهج التعطيل الى العمل الحكومي بعد ان مارسته المعارضة في الشارع و في المجلس النيابي و في رئاسة الجمهورية خلال سنوات التمديد الثلاثة المشؤومة. و لا الاغلبية في المقابل قادرة على استعمال حقها الدستوري و حسم الامور بانتخاب رئيس للجمهورية دون مشاركة المعارضة و تشكيل حكومة بالتفاهم بينها و بين الرئيس الجديد ولا في مقدورها ايضا ادارة دفة البلاد بفاعلية و لفترة طويلة في ظل شغور منصب الرئاسة. اذ انها ولاسباب تتعلق بموازين القوى على الارض و بهاجس المحافظة على السلم الاهلي و عدم المس بالصيغة التعددية باتت تستبعد خيار الانتخاب بالاغلبية المطلقة او تفعيل عمل مجلس الوزراء و اعادة التوازن اليه بتعيين وزراء بدل الوزراء المستقيلين.
و الحال هذه فبين ارتفاع سقف مطالب المعارضة وحدود ما بمقدور الاكثرية تقديمه من تنازلات تبدو التسوية على قاعدة الالتقاء في منتصف الطريق صعبة المنال في الوقت الذي تقبع فيه هموم المواطنين و تطلعاتهم في ثلاجة الانتظار و تزداد معالم تآكل سلطة الدولة و يبلغ الاحتقان المذهبي مستويات خطيرة ويقترب اللعب على حافة الهاوية من السقوط الجماعي.
وهم التسويات المتداولة
ولكن هل للحل كما يتم التداول به حاليا على قاعدة انتخاب ميشال سليمان رئيسا للجمهورية يليه تشكيل حكومة تتمثل فيها كافة القوى البرلمانية بالثلث المعطل للاقلية ام بدونه ان يشكل بحد ذاته بداية جدية للخروج من الازمة ام اننا نوهم انفسنا بالانفراج في حين اننا في الحقيقة لا نقوم سوى بنقل فيروس العهد الفائت الى العهد القادم لنسممه من بدايته؟
الارجح ان الجواب الاكثر احتمالا هو في الموقع المتشائم وذلك للاسباب التالية :
ان تشكيل حكومة تتمثل فيها كل الكتل النيابية في ظل انعدام الحد الادنى من الرؤية السياسية المشتركة و بغض النظر عن النسب العائدة في تشكيلتها الى هذا الطرف او ذاك سوف تنقل الخلافات الى داخل مجلس الوزراء لتحد من فاعليته او تؤدي الى شلله او تفجيره. وذلك مرجح الحدوث والعودة الى الوضع الراهن في كلا السيناريوهين : في حالتي الثلث المعطل للاقلية ام ما دون الثلث. استقالة الوزراء كفيلة باحداث ازمة سياسية مطابقة للازمة الحالية.
ان الغاما سياسة متعددة جاهزة لتفجير الموزاييك الحكومي الهش المطروح : مباشرة المحكمة الدولية لاعمالها والقرارات الظنية التي ستصدر و ضرورة توفير الدعم الشرعي اللبناني لها ومواكبة اعمالها. موضوع سلاح المخيمات. موضوع سلاح حزب الله ووسائل وضعه في تصرف الدولة. الاصلاحات الاقتصادية. العلاقات مع النظام السوري…الخ
لقد ادت حدة الصراع السياسي وامتداده الزمني الى انقطاع بين فرقائه الاساسيين امتد عاموديا من رأس الهرم حتى القواعد الشعبية و تعمقت نتيجة ذلك حالة انعدام الثقة بين طرفي النزاع اعادة بنائها ليست بالامر السهل لكنها بالتأكيد لن تتأتى عبر حمل هذه الاطراف للهم الحكومي المشترك و الذي بالعكس سوف يكون الضحية الاولى لها.
لقد اتت الازمة السياسية على صدقية مجلس النواب الحالي وعلى صدقية رئيسه بالتحديد نتيجة تعطيله لعمل هذه المؤسسة و اية تسوية تقتصر على المستوى الحكومي ولا تشمل معالجة هذه المسالة سوف تبقى ناقصة و عاجزة عن اعادة الدفع الى عمل المؤسسات الدستورية. فما ضمانة عدم تجدد الاقفال النيابي لمواكبة اية ازمة حكومية ناشئة؟
من نافل القول ان شرط نجاح اي عهد جديد ان ينطلق ببرامج و فريق عمل وادوات تمكنه من التمتع بفترة سماح للتهيؤ لمواجهة ناجحة لكامل الولاية فما بالك ببداية متعثرة تختزن الازمات و لا تترك اضيق مجالات للامل بانفراج سياسي حقيقي؟
في اعادة انتاج السلطة
لقد دأبت قوى المعارضة على استعمال عبارة اعادة تكوين السلطة ضمن ادبيات مطالبها المتعددة محورة هذا المفهوم عن معناه الصحيح باختزاله بمسالة انتزاع المزيد من الحصص في مؤسسات الدولة و الاستحواذ على الكلمة الوازنة في اختيار من يملئ بعض المناصب الحساسة و ادارة شؤون البلاد بشكل عام. ان اعادة تكوين السلطة هو مفهوم مغاير تماما لما تطرحه المعارضة. فهو بكل بساطة يتمثل بالعودة الى صناديق الاقتراع ليخرج منها وكلاء الشعب الجدد لتتشكل المؤسسات الدستورية على هذا الاساس. هذه العودة الى الشعب تأتي عادة في المواعيد الدستورية و يمكن ان تفرضها استثنائيا وفي غير مواعيدها ازمات سياسية حادة تتطلب من الشعب صاحب السلطات ان يقول فيها الكلمة الفصل.كما ان اعادة انتاج السلطة لا تاتي من الفراغ و يتطلب اتمامها وجود سلطة شرعية مكتملة ترعى ادارتها.
ان عمق و حدة الازمة السياسية الراهنة و ارتفاع مستوى المجازفة بصورة العهد الجديد و احتمال انطلاقته العرجاء بحكومة محكومة مسبقا بالفشل و اهمية تأمين ديناميكية صحية لانطلاقته، كل هذه الاسباب باتت تستدعي صدمة سياسية ايجابية حقيقية لا يحققها اقل من العودة الى صناديق الاقتراع لكي يتاح للشعب اللبناني الاختيار بين المشاريع السياسية المقترحة و اعادة انتاج السلطة بالفريق السياسي الذي يمثل المشروع الحائز على اغلبية اصوات اللبنانيين.
غير ان تحقيق هذا الهدف و ضمان نتائجه الايجابية يتطلب وجود سلطة اجرائية تتصف بالحياد والمصداقية والقدرة على فرض احترام ارادة الشعب على اي طرف سياسي. العماد ميشال سليمان يتمتع بهذه الميزات باعتراف كل القوى السياسية التي وافقت جميعها على اعتباره رئيس الجمهورية التوافقي المقبل. من هنا فان عملية اعادة انتاج السلطة باطارها الاوسع تبدأ بتأمين انتخاب العماد سليمان رئيسا للجمهورية يتبع ذلك تشكيل حكومة انتقالية مهمتها الوحيدة الاشراف على اجراء انتخابات نيابية مبكرة في ظل قانون جديد للانتخاب باتت معالمه الاساسية معروفة ذلك ان كل القوى السياسية قد اعلنت صراحة بعدم ممانعتها في خوض الاستحقاق النيابي القادم على اساس الدائرة المصغرة.
ان تسوية قائمة على انجاز انتخاب العماد ميشال سليمان لموقع رئاسة الجمهورية يليه اكمال اعادة تكوين السلطة عبر انتخابات نيابية مبكرة سوف تفتح افاق الاستقرار السياسي في لبنان و تحصن نظامنا الديمقراطي التعددي وتؤكد على قدرة اللبنانيين الذاتية في استنباط الحلول و تعطي فضلا عن ذلك كله المصداقية لقول الاكثرية بعدم خضوعها للضغوط الخارجية و لنفي المعارضة تهمة التبعية لمحاور اقليمية.
i.nasser@wanadoo.fr
* كاتب لبناني -باريس
الارادة الشعبية والبحث عن التسويةlakad walat kol al moubadarat al mahaliya wa al i2limiya wa minha al duwaliya wa kul hathihi almubadarat tatakalam fi lugha wahida hiya lughat al tawafo2 wa tanazul wa al hifaz a3la ma buniya muntho intiha2 al harb al ahliya hathihi al lugha lamm tatawafa2 ma3 lughat al mutatarifin wa al mua3ridin wa al mukhalifin inahum yatakalamouna lughat al ghabat inn lamm takun thi2ban akalatka al thi2ab lughat al u3nfi wa al tahdid wa al ightiyalat. fala hal wa la etifa2 ma3 al lathina yuriduna al isstila2 a3la al watan wa mu2assasatihi.lakad hana al wakit ila… قراءة المزيد ..