مصطفى عنترة
من هم “الإشتراكيون الجدد”؟ وما هي طبيعة مشروعهم الإيديولوجي والتنظيمي؟ ولماذا لم يتم الإعلان رسميا عن هذا التيار؟ وهل يقبل البيت الإتحادي بوجود تيارات داخلية؟ وما هي تمثيلية أنصار هذا التيار داخل هياكل وتنظيمات الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية؟ هذه الأسئلة وغيرها تشكل محاور الورقة التالية:
يعيش الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تجربة جديدة بعد إعلان مجموعة من الاتحاديين عن رغبتهم في تأسيس تيار أطلقوا عليه إسم”الاشتراكيون الجدد”. وهو الأمر الذي أصبح واقعا، قد يدفع بعملية تسريع وتيرة الاعتراف وتقنين العمل بالتيارات داخل حزب القوات الشعبية، مع العلم أن ثقافة التيارات كانت، بالأمس القريب، مرفوضة من طرف صناع القرار داخل الحزب الاتحادي.
ـ الجـــذور:
تعود فكرة “الاشتراكيون الجدد” إلى ما قبل المؤتمر السادس للحزب، ذلك أن الأحداث التي عرفها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد المؤتمر المذكورة وما نتج عنها من صراعات داخل صفوفه توجت بخروج رفاق نوبير الأموي وكذا بعض الموالين للفقيه محمد البصري وتيار الوفاء للديمقراطية.. هذه الأحداث وغيرها دفعت بتأجيل الفكرة المذكورة.
وقد عادت فكرة “الإشتراكيون الجدد” لتطرح نفسها للنقاش السياسي والفكري خلال مرحلة التهيؤ للمؤتمر الوطني السابع، إذ بادرت مجموعة من الاتحاديين بجهة الدار البيضاء إلى طرح وثيقة سياسية، حيث أكدت لنا بعض المصادر الإتحادية أن نتائج المؤتمر الأخير أخذ بعين الاعتبار بعض الأفكار التي تضمنت داخل الوثيقة السياسية خاصة مسألة التحالفات.
وبعد المؤتمر الوطني السابع تم عرض فكرة” الاشتراكيون الجدد” على محمد الكحص لتولي مسألة قيادة التيار، لكن الكحص اعتذر لأسباب خاصة به..، الشيء الذي دفع بأصحاب هذه الفكرة إلى تأسيس لجنة مكونة من: حميد باجو، محمد الطالبي، مصطفى السياب وحسن طارق.
وتكمن مهمة هذه اللجنة الرباعية في تهييئ مشروع أرضية وعرضها على عموم الاتحاديين، ذلك أن هذه المبادرة ساهمت، من موقعها، في خلق نقاش هام في وقت انعدم فيه مثل هذا النقاش الفكري والإيديولوجي داخل هياكل البيت الإتحادي.
ـ التمثيليـة:
يتشكل “الاشتراكيون الجدد” من مجموعة من الاتحاديين المتواجدين في مواقع مختلفة، إذ نجدهم ممثلين في المجلس الوطني، الشبيبة الاتحادية، القطاع النسائي، بعض جهات المملكة وخاصة الدار البيضاء..إلخ، وحتى في المكتب السياسي، ذلك أن الكحص يعد الأقرب إلى هذا التيار، كما أن بعض الأعضاء داخل المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، دافعوا عن حق هذا التيار في الوجود والتعبير عن موقف. فممثلو هذا التيار يوجدون في مختلف هياكل الحزب بنسبة غير مؤثرة مع العلم أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يحسم بعد في مسألة التيارات الداخلية.
بعض المصادر الإتحادية أكدت لنا أن تيار” الاشتراكيون الجدد” سيتم الإعلان الرسمي عنه بعد استكمال حلقات مسلسل النقاش السياسي والإيديولوجي حول مشروع الأرضية المذكورة.
وتجدر الإشارة في هذا الباب أن الصحافة المغربية تداولت خبر هذا التيار، كما أن دورة شتنبر الأخير للمجلس الوطني للإتحاد عرفت تدخل الناشط الإتحادي حميد باجو الذي أعلن عن وجود هذا التيار داخل الحزب، أيضا عرف المؤتمر الجهوي الأخير للدار البيضاء تقديم وثيقة سياسية باسم نفس التيار، في حين لم يشارك هؤلاء الاتحاديون بشكل رسمي كتيار في مؤتمر الشبيبة الاتحادية!؟
ـ المشروع:
يحاول “الاشتراكيون الجدد” الاجتهاد في طرح تصور جديد على المستوى الإيديولوجي وكذا على المستوى التنظيمي بغية التمييز أكثر عن باقي التموقعات والحساسيات المتواجدة داخل البيت الإتحادي.
الوضوح الإيديولوجي، التركيز على الكونية في مفهومها الجديد، التشبث بالهوية الاشتراكية، الديمقراطية الداخلية، تنظيم التيارات وترسيخ ثقافة المؤسسة وعدم شخصنة النقاش السياسي والفكري..محاور تشكل العنوان البارز لـتيار “الاشتراكيون الجدد” بالمغرب.
وجدير بالإشارة إلى أن أنصار هذا التيار فضلوا عدم عرض تصورهم على المستويين السياسي والاقتصادي على اعتبار أن الاختلالات التنظيمية التي يعرفها البيت الاتحادي لا تساعد على على بروز نقاش هادف وجاد. أكثر من ذلك أن أصحاب هذا التيار ينهجون سياسة التدرج في عرض مشروعهم السياسي الشامل نظرا لعدم وجود ثقافة سياسية تقبل بمبدإ العمل وفق التيارات.
ويسعى “الاشتراكيون الجدد” إلى توحيد العائلة اليسارية، فاختيارهم لهذا الإسم، أي الاشتراكيون بدل “الاتحاديون الجدد”، يخفي الرغبة في تثمين التقاطعات التي تجمعهم مع تيارات مماثلة في أحزاب اشتراكية كما هو الحال بالنسبة لأحد التيارات المتواجدة داخل الحزب الاشتراكي الموحد ( الثورة الهادئة). ولا يستبعد أن تدفع التطورات السياسية المرتقبة إلى ربط جسور بين مثل هذه التيارات التي تخترق العائلة اليسارية خاصة وأن كل اليساريين يحلمون بتأسيس “الحزب الإشتراكي الكبير.”
ـ التداعيات:
ألقى المؤتمر الأخير للشبيبة الاتحادية بظلاله على تيار “الاشتراكيون الجدد”، ذلك أن تجميد عضوية مصطفى السايب من طرف المكتب السياسي للحزب في أفق اجتماع لجنة التحكيم والحسم في قضية ازدواجية الشرعية التي عرفتها الشبيبة الاتحادية أربك حسابات هذا التيار، بمعنى هل سيمنح “الاشتراكيون الجدد” الشرعية للائحة التي أعلن عنها رفيقهم السياب أم للائحة التي أشرف على ولادتها كل من إدريس لشكر ومحمد بوبكري عضوا المكتب السياسي للاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية؟
ومعلوم أن المؤتمر الأخير للشبيبة الاتحادية عرف خلافات سياسية وتنظيمية حادة، إذ تميز المؤتمر بالإنزال المفضوح، حيث تجاوز عدد المؤتمرين رقم ألفين، كما لم يتم العمل بنظام “الكوطا” بالنسبة للجهات لضمان تمثيلية واسعة للشباب الاتحادي بمختلف مواقع المملكة، أكثر من ذلك أن الفرز لم يكن شفافا، ذلك الشبيبة لم تستفد من تجربة انتخاب أعضاء المكتب السياسي للاتحاد التي خلفت أصداء إيجابية داخل الساحة الوطنية لكونها تقطع مع أسلوب “لجنة الترشيحات” الذي يتعارض جملة وتفصيلا مع الديمقراطية الداخلية.
فالمؤتمر الأخير للشبيبة الحزب يكشف صعوبة هذا التيار في اختراف صفوف وهياكله وانتزاع شرعية الإعتراف بتنظيم وتقنين العمل وفق التيارات. فثقافة المركزية الديمقراطية وتبعية القطاعات التنظيمية الموازية للقيادة الحزبية وانضباط الأقلية لقرارات الأغلبية وضرورة احترام مقررات الحزب والتصفيق للزعيم.. تشكل عوائق بنيوية حقيقية أمام أنصار العمل وفق نظام التيارات.
لكن نعتقد أن إرادة “الإشتراكيون الجدد” تبقى قوية من أجل انتزاع شرعية الإعتراف بالتيارات وتقنين العمل بها، خاصة وأنهم يستبعدون بشكل مطلق فكرة تأسيس حزب سياسي بديل، كما أن مسلسل الإنشقاقات الذي عرف الحزب الإتحادي منذ المؤتمر الإسثنائي المنعقد في أواسط السبعينات من القرن الماضي من جهة، وتقنين الحزب الاشتراكي الموحد مسألة التيارات الداخلية وبروز ثقافة سياسية جديدة من جهة أخرى لم تعد تساعد رفاق محمد اليازغي على التجاهل لمطلب أساسي يجسد الممارسة الديمقراطية ويحافظ على وجدة الحزب.
musantra@yahoo.fr
* كاتب مغربي