أصبح من نوافل القول ان الدين أقوى استثمار إعلامي سياسي، أكان صاحب المشروع الاستثماري متديّنا أو قليل التديّن، معارضاً ام محايداً او موالياً. فالحزب او الصورة أو»الفكرة»… أو أي خير من خيرات المعاني، لا يمرّ، لا يسوَّق، الا بعلامة دينية. يقولون همساً ان «الدين أهم بيزنس هذه الأيام». فالاستثمار سهل، الى حدّ ان بعض اصحاب الطموح الاعلامي لا يعوزهم غير تحويل آيات قرآنية الى عناوين لمقالاتهم… فيما البعض الآخر يبسْمل ويستدعي السنّة والحديث سنَداً لفكرته الزمنية، غير الدينية؛ او لمقولاته «التنويرية» أو «النهضوية».
على نفس الخط، وبنفس الاندفاعة، يأتي الاستثمار الاعلامي السياسي… ومؤخراً الفني… لفكرة كراهية اميركا. الكراهية التلقائية، الاوتوماتيكية، الفورية… التي تنفي السؤال. كراهية جاهلة مكتفية بمجرّد كبريائها ومكابرتها. الكراهية المضحكة الكاريكاتورية في كل الاحوال.
والاستثمار في الفكرة، مثل توظيف الدين، لا يقتصر على معارض او موالٍ. انه يتنعّم على جميع من وظّف الفكرة سعيا للبريق أو دعماً للحجة أو نيْلا للشرعية… فاقترنت بالتوظيف في الدين، فصار الدين وكراهية اميركا زوجاً استراتيجياً لأية اجندة اعلامية سياسية تبغي لنفسها الانتشار والذيوع.
منذ ثلاث سنوات فكّت الالسنة تجاه التابو الاكبر، اي الرئيس المصري. وانطلقت حركات احتجاجية وصحافة غير حكومية (هل هي «مستقلة»؟)، وراحت تقول لا للتمديد لمبارك ولا لتوريث ابنه جمال. وتصبّ كل غضبها المكتوم على النظام الابدي الفاسد.
هل تساءل واحد من بين افراد هاتين المجموعتين عن سر هذا التبدّل المفاجىء؟
حاول بعضهم. واجاب شفاهةً، أو سريعاً، بأن اميركا «تضغط على النظام». ولكن ما من مرة تطور هذا الكلام على الملأ. بل بالعكس تماماً. الغالبية روّجت أن هذا «الحِراك» انما هو نتيجة إنتفاضتهم هم، وانتفاضة الشعب اللاحقة معهم. اما اميركا فكذابة. لا تريد الديموقراطية. نحن انتزعنا بأيدينا حرية التعبير والكتابة والهتاف. (الأنْتي-أميركية، أولى خطوات خداع النفس؟). تغير الدور الاميركي الآن بعد إنقضاء السنوات الثلاث. جهود الاميركيين «الكاذبة» لغرس الديموقراطية في الشرق فشلت وخفُتَ الحماس. فخفّ الضغط على النظام من اجل الديموقراطية. ما سمح للسلطة ان تعاقب اربعة صحافيين من الصحافة غير الحكومية بتهمة «إهانة الرئيس». فماذا كان الرد على ذلك؟ «الدولة تأتمر بأمر اميركا (…) النظام مرتبط عضويا باميركا (…) اميركا طول عمرها مع الانظمة المستبدة(…) اميركا طبعا كما تبيّن، كذابة…» الخ.
ولكن الملفت في الموضوع ان منابر السلطة ايضا شنّت حملات عنيفة على اميركا وعلى «المتأمركين»: الاولى شاملة، وكانت ضد لجنة حرية الاديان التابعة للخارجية الاميركية، بسبب تقريرها السلبي عن حالة الحريات الدينية في مصر. والثانية، الأكثر تخصيصاً، كانت بمناسبة اجتماع الرئيس الاميركي جورج بوش مع رجل اعمال مصري كان صاحب صحيفة غير حكومية، وانتقل الآن لرئاسة صحيفة اخرى جديدة، هي الناطقة باسم «الشيوعيين» المصريين. وآخر الغيث: بلاع جديد ضد رئيس تحرير هذه الصحيفة بالذات، بتهمة «تضليل الرأي العام بنشر شائعات حول صحة الرئيس مبارك».
هل المقصود من بين المقصود: ان الشيوعيين هم رأس الحربة المقبلة للمشروع الاميركي في المنطقة؟ لا شيء محدّد كما العادة… ولا ضرورة لذلك.
التوظيف الاعلامي السياسي لكراهية اميركا. ولكن لا التوظيف الاستراتيجي. الاستراتيجية هي الواقع. وليس الاعلام. لذلك، ففي الاستراتيجية الواقعية، اتفاقات واجتماعات ووكالات ومعاهدات… ضمن المستور او العلني او حتى العلني. اذ ما من محاسِب على التناقضات.
ثمة علّة في الموضوع. شيء غير طبيعي ان تكون المظلّة الاعلامية لفكرنا محكومة بسقف الكراهية لأميركا المنخفض. ان لا يكون هناك مكان، ولو متواضع، للتكلم او الكتابة عن اميركا من دون هذه الكراهية الغاشية للابصار، من دون الاضطرار كل مرة لتلاوة الفقرات الكارهة لأميركا حفاظا على الاسم والسمعة… ثم ان تتحول هذه الكراهية، مثلها مثل استثمار الدين، ميدانا رخيصا للاستثمار الاعلامي السياسي.
والعلّة تبدأ بأميركا نفسها. بشهيتها غير المحدودة للطاقة والهيمنة. بطبيعة ردّها على الارهاب. بتشجيعها اسرائيل. ولكن ايضا: بفشل اميركا في العراق وافغانستان، فشلا ذريعا. فلو إستتبّ الامر في العراق على الاقل، لكانت اميركا «محررة الشعوب»، كما كانت في الحرب العالمية الثانية بانتصارها على النازية والفاشية.
ثم يجب ان نتذكر دائما بأننا نحن من ساهم بجزء من هذه العلّة. هل كانت اميركا ستكون ما هي عليه اليوم لولا 11 سبتمبر؟ نحن اعطينا الفرصة لأبشع ما في اميركا ان يخرج علينا.
ولأننا لا نعترف بعيوبنا ومسؤولياتنا، فان كراهيتنا لأميركا هي السدّ الذي يحول بيننا وبين مرآتنا. بل ان اعفاء النفس من المحاسبة والمسؤولية هو الذي يستدعي إستباحة الاميركيين لنا: انت لست مسؤولا عما تفعل او تقول؟ نحن اذاً المسؤولون. هكذا تبدو امبركا انها تقول.
تنْبَني هذه الكراهية على صرح من الصراخ والتلفيق. لا ذرة عقل واحدة فيها. ولا عتب على عقول الجماهير المأخوذة بالفتاوى الأكثر تهافتاً، على قلوب مستسلمة للكراهية استسلام المحارب لسلاحه. والخطير ان هذه الكراهية تتغذى من بيئات كارهة لنفسها ولأقرب المقرّبين اليها…
أخيراً هامش: كنتُ أسخرُ من بعض العائدين من اميركا بعد اقامة شهر او سنتين، والمسْترسلين بوصف الشعب الاميركي بأبشع الأوصاف: جاهل، اناني، ساذج، محدود، منحطّ اخلاقيا: إعتقادا منهم بانهم بذلك إنما وفّوا قسطهم للعلى… ولكن كانت المفاجأة هذه السنة ان ثلاثة مسلسلات رمضانية معروضة على الشاشة الحكومية تكرّر هذه الاوصاف على لسان ابطالها.
المجد لأمة تعتمد الحب والكراهية «أداةً للتحليل»…
dalal_el_bizri@hotmail.com
الحياة
«الأنْتي – أميركية»: دجاجة تبيض ذهباً
( فلو إستتبّ الامر في العراق على الاقل، لكانت اميركا «محررة الشعوب»، كما كانت في الحرب العالمية الثانية بانتصارها على النازية والفاشية.)
التاريخ لا يقبل ادا , او , فلو, قبل دلك فيتنام , يوغسلافيا, افغانيستان , امس العراق غدا ايران سوريا ,اما موضوع انها انتصرت هي ( امريكا)على الفاشية فهدا امرغير مقبل , يجب اعادت التفحص في تاريخ الحرب العالمية بشكل جيد , وليس من وجة نظر الامريكان فقط . امريكا هي نازية , هي فاشية بحق الشعوب الاخر بعد 1945 .
«الأنْتي – أميركية»: دجاجة تبيض ذهباً بسم الله الرحمن الرحيم يبدو ان السيدة كاتبة المقال لا تعى اهمية الدين حتى فى عهد الأمبراطورية المصرية الفرعونية و الأمبراطورية الرومانية قبل المسيح ان الأنسان منذ فجر التاريخ يخشى من الغد ومن تغيرات الأرض و السماء جعلته يلجأ الى الديانات الوثنية ان المجتماعات البشرية القديمة و الحديثة لا تستطيع ان تحيا بعيدا عن الدين انه القوة الروحية و الأخلاقية الدافعة لأستمرار الحياة و التغلب على صعابها وتعزيز القيم الأخلاقية بين بنى البشر ومع تلقى البشرية الديانات السماوية الثلاث اليهودية و المسيحية و الأسلام والأثار القوية التى لحقت بالبشرية و حضارتها المتعاقبة من نتاج… قراءة المزيد ..