لم يجمع “حزب الله” السلاح من عناصره، ولا ممن يسميهم “سرايا المقاومة”، بعدما أعلن الشيخ أحمد الأسير وصحبه، العصيان المدني في صيدا، طلباً لإنهاء هيمنة الأول وخروجه على منطق الدولة. كذلك لم يصبه قلقٌ، ولا رفّ جفن لقادته، بل التزموا الصمت، كأن ما يجري يعني الآخرين.
والآخرون هم الخصوم والحلفاء: لم ير الأولون بداً من التذكير بمواقفهم المبدئية من تعطيل الحياة العامة، بينما أظهرالجمع الثاني كل ما غاب عن أذهانهم يوم كان الحزب يحتل وسط بيروت لسنة ونيّف، ويغيب كلما اشتبك من يسميهم الحزب “الأهالي” مع القوات الدولية في الجنوب.
تذكّر “الحلفاء” أن العصيان المدني يعطل الحياة في عاصمة الجنوب، وتنبهوا إلى أنه يمنع “أناسا عن أرزاقها”، واستنسل بعضهم خطرا على القرار 1701، وتخوف على القوات الأممية. ولـ “تفظيع” الحدث سمّوه قطع طريق، لتطغى التسمية على السبب، وتصبح إدانته تلقائية، وتجهّل الدافع إليه، وهو المطالبة بأن تكون الدولة هي مرجع كل سلاح. حتى أن أحد المفوّهين من “رعايا” الحزب القائد، رأى في الاعتصام “خروجا على التقوى”، فيما لم يتردد وزير في وصفه بأنه “مؤامرة”، مردفا أن الأسير ليس واعيا أنها كذلك.
كل هذه التوصيفات والاخطار، لم ترد في مداولات الحزب ورعاياه يوم أقام مضاربه وسط بيروت، وأهدر أرزاق أربعة آلاف مؤسسة، وأفقر أكثر من 20 الف عائلة، وهجر أربابها، وقضى على موسمين سياحيين. وإذا كان لأحد ربيبي الحزب لوم على المعتصمين أنهم رقصوا الدبكة، كما أفاض في مقابلة متلفزة، فللمواطن الساذج أن يسأله أين كان يوم ناء وسط بيروت تحت الخيم الشاغرة إلا من هواة المعسل وما شابهه، ومن حفلات الزجل وما خالطها.
العجب أن وصف المؤامرة لا يطلق إلا على موقف فئة لا تحمل السلاح، بينما لا تكون مؤامرة على السلم الأهلي حين يعتدى على الأمن الوطني كما في السابع من أيار الشهير، أو يلوح به تحت القمصان السود، أو يستعرض من نوافذ سيارات الدفع الرباعي بزجاجها الداكن. كما لا تكون مؤامرة حين تشعل النيران في مبنى محطة تلفزيون، ويكون المخطط أن تتبعها نيران أخرى في محطة ثانية، لإثارة فتنة بين ما تمثلان سياسيا وما تحسبان عليه دينيا وفق رؤية “ولاّدية” غبية لمن خطط.
ما يفعله الأسير “مؤامرة”، فعلا، لأنه يُنسي اللبنانيين، واقعيا، ما فعله أعداء الحرية بالإعلام ليل الاثنين الناري، وما أرادوا فعله، لكن بمَ يصف اللبنانيون استمرار أسرهم في البحث عن استراتيجية للدفاع عن لبنان ترضي الحزب القائد الذي يريد استراتيجية للدفاع عن سلاحه في وجههم، تستر قضمه الدولة؟
rached.fayed@annahar.com.lb
كاتب لبناني
النهار