بينما وافق الجيش على تدخل واسع جديد في غزة، يختلف وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي بشأن الاستراتيجية. هذا الخلاف العميق يثير القلق بعد عامين من التشكيك في كبار المسؤولين والقضاة والضباط، واتهامهم بعدم الولاء لبنيامين نتنياهو.
(القدس – المراسل “لوك برونير”)
إذا كان لا بد من دليل إضافي على اللحظة الحرجة التي نمر بها دولة إسرائيل، فإن الاشتباكات بين حكومة بنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش تعكس التوترات التي تعصف بالبلاد حتى أعلى مستويات المؤسسة العسكرية. فمنذ نحو عشرة أيام، يتعرض الفريق أول إيال زمير، رئيس الأركان، لهجمات شخصية وانتقادات وتشكيك من أعضاء في الائتلاف الحاكم. وأحد أبرز قادة هذه الحملة هو وزير الدفاع نفسه، “يسرائيل كاتز”، المقرّب من رئيس الوزراء الإسرائيلي.
التصعيد العسكري الذي قررته الحكومة في قطاع غزة، والمتمثل في احتلال تدريجي لكامل القطاع الفلسطيني، يقسم الشارع الإسرائيلي منذ إعلان مجلس الأمن المصغر (الكابينيت) ذلك يوم الجمعة 8 آب/أغسطس. وهي استراتيجية كان رئيس الأركان قد أعلن معارضته لها قبل وأثناء اجتماع المجلس. أمر لم يحتمله أنصار نتنياهو. فقد صرّح مقربون من رئيس الوزراء، بحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية: « إذا كان ذلك لا يناسب رئيس الأركان، فعليه أن يستقيل ». ورد إيال زمير ببيان حاد: « سنواصل التعبير عن موقفنا بلا خوف، وبشكل واقعي، مستقل ومهني ».
منذ ذلك الحين، لم تتوقف المناوشات، حتى بعد أن أعلن الضابط الكبير أنه سيلتزم بتنفيذ أوامر السلطة السياسية. وقد هاجم وزير الدفاع بعض قرارات تعيين عقداء – وهي أمور إدارية لا تُطرح عادة على الملأ. ويعتبر معظم المراقبين أن الأمر مجرد ذريعة: إذ يسعى يسرائيل كاتس إلى فرض سلطته، بل وإضعاف سلطة رئيس الأركان، الذي ارتكب – في نظرهم – خطيئة اقتراح خط بديل للاحتلال. وقال الوزير، يوم الثلاثاء 12 آب/أغسطس، إن « المداولات التي أجراها رئيس الأركان جرت (…) دون تنسيق أو موافقة مسبقة »، مؤكداً أنه يرفض « مناقشة أو إقرار هذه التعيينات ». وفي اليوم التالي، صعّد كاتز لهجته قائلاً: « بعد أحداث 7 أكتوبر، لن يكون هناك جيش بلا إشراف بعد الآن ».
الخلاف عميق. فهناك رؤيتان متناقضتان لمواصلة الحرب في غزة. وقد طرح رئيس الأركان، عبر تصريحاته وتسريبات للصحافة، أربعة أسباب لعدم احتلال القطاع بالكامل: الخطر على حياة نحو عشرين رهينة إسرائيلية ما زالوا لدى حماس؛ إرهاق القوات، خصوصاً قوات الاحتياط؛ الخشية من خسائر كبيرة في حال الاحتلال؛ والتعقيد الشديد لعملية التهجير القسري لمليون فلسطيني من مدينة غزة.
لكن الجنرال لم ينجح في إقناع الحكومة بخطته التي تقوم على حصار آخر معاقل حماس وشن هجمات مركزة. وقد كان في موقع ضعيف أمام أكثر أعضاء الائتلاف اليميني واليميني المتطرف تشدداً. ورغم أنه عُيّن في بداية 2025 ويُعرف بصلابته، إلا أن رئيس الأركان لم يتمكن، منذ إطلاق عملية « عربات جِدعون » في أيار/مايو، من استعادة رهائن أحياء، رغم سقوط آلاف القتلى الإضافيين في الجانب الفلسطيني (أكثر من 61 ألفاً، وفق وزارة الصحة في غزة). ويعلّق أحد صقور الجيش، العميد المتقاعد هاريل كنافو، بانتقاد: « الهدف كان الضغط على حماس لإعادة الرهائن. كل ما كان على حماس فعله هو البقاء مختبئة وعدم تسليم الرهائن. وهذا ما فعلته ».
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ليست موحّدة
الخلاف لا يقتصر على الحكومة ورئاسة الأركان، بل يمتد أيضاً إلى صفوف الجيش نفسه، الذي يواجه ضغوطاً هائلة بعد 22 شهراً من التعبئة المستمرة.
وقد كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مشهد أثار ضجة: في أوائل آب/أغسطس، وقع جدال عنيف بين قائد سلاح الجو، تومر بار، وقائد المنطقة الجنوبية المكلف بقطاع غزة، إذ اتهمه الأول بوضع قواعد اشتباك تسببت في مقتل عدد كبير جداً من المدنيين الفلسطينيين. وقد اضطر إيال زمير للتدخل لتهدئة الموقف. ومع ذلك، لم تتوقف عمليات القصف.
المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ليست كتلة واحدة، وهذا يزعج الائتلاف الحاكم.
ويقول يوسي كوبرفاسر، العميد المتقاعد ومدير معهد القدس للاستراتيجية والأمن (مقرّب من الجيش): « هناك مشكلتان مختلفتان. الأولى هي السياسة المتبعة في غزة: الجيش عرض خطة عمل، والحكومة اختارت خطة أخرى، ولم يتقبلها رئيس الأركان جيداً. والثانية، وهي مرتبطة بالأولى، شعور الحكومة بأن رئاسة الأركان تفضّل قادة ميدانيين ليسوا عدوانيين بما فيه الكفاية، أقل هجومية وأكثر اعتدالاً ».
وفي هذا السياق، هاجم وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، يوم الأربعاء، قائد الجيش قائلاً: « عندما نرى المقرّبين من زامير، نفهم لماذا يعارض بشدة مشروعنا لاحتلال غزة (…) إذا لم يعلن فوراً عن استبدال فريقه السياسي اليساري المتطرف، فأنا أدعو رئيس الوزراء إلى استبداله فوراً ».
كما أن الحكومة ترى أن إيال زمير خاض معركة أخرى تحظى بشعبية لدى الرأي العام لكنها تضعف الائتلاف الحاكم: فرض التجنيد الإجباري على الحريديم (« من يخشون الله »)، وهم الطلاب اليهود المتدينون المعفون من الخدمة العسكرية منذ عام 1948.
الملاذ الأخير
في إسرائيل، يعتبر هذا الملف حساساً، وأصبح متفجراً مع الاعتماد الكبير على قوات الاحتياط منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وخلال الأسابيع الأخيرة، اعتُقل عدد من المتهربين من الخدمة، ما أثار غضب الأحزاب الدينية المتشددة. وقال رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، يوم الأربعاء: « وزراء الحكومة ونتنياهو يقودون حملة إذلال وتحريض على الكراهية ضد زامير ». وأضاف المنافس الأبرز لنتنياهو في استطلاعات الرأي: « الأمر ليس بسبب غزة أو السياسة، بل لأنه قام بواجبه وأصدر أوامر استدعاء للتجنيد لعشرات الآلاف من الشبان المتدينين ».
ويثير استهداف رئيس الأركان قلقاً أكبر لأنه يأتي بعد سلسلة من الهجمات المماثلة، على مدى العامين الماضيين، ضد كبار المسؤولين والقضاة والضباط، بتهمة عدم الولاء الكافي لرئيس الوزراء. فقد أُقيل رئيس الشاباك، رونين بار، في نيسان/أبريل، بعد أن سمح بمواصلة تحقيق حول صلات قطرية بمستشارين لنتنياهو. وفي 4 آب/أغسطس، أقالت الحكومة المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف-ميارا، وهي من حماة سيادة القانون في إسرائيل – لكن المحكمة العليا أوقفت القرار حتى أيلول/سبتمبر. وهناك هدف آخر يلوح في الأفق: المدعية العسكرية العامة، اللواء ييفعات تومر-يروشالمي، التي تؤدي دوراً مماثلاً في الجيش.
في هذا السياق، تبدو الخيارات محدودة. وعلى عكس السياسيين، يحتفظ الجيش بثقة الرأي العام. ويتمتع إيال زمير، على وجه الخصوص، بميزة أنه لم يكن في منصبه عند وقوع هجوم حماس المفاجئ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، على عكس سلفه هرتسي هليفي. كما أن الانتصار على حزب الله في خريف 2024، والمعركة الجوية ضد إيران في حزيران/يونيو، عززا الثقة في الجيش.
لذلك يرى معارضو بنيامين نتنياهو في الفريق أول البالغ من العمر 59 عاماً أحد آخر الملاذات، رغم أنه كان دائماً من مؤيدي استخدام القوة.
ويقول دان حالوتس، أحد أسلافه (2005-2007)، لصحيفة “لوموند”: « يجب أن يبقى وألا يخضع للأيديولوجيين والمسيانيين (= من ينتظرون عودة المسيح اليهودي) »، مضيفاً أنه يتظاهر مع طيارين سابقين آخرين ضد استمرار الحرب. وسيعود اسمه بقوة يوم الأحد 17 آب/أغسطس، في يوم الإضراب والتظاهر الذي تنظمه عائلات الرهائن في جميع أنحاء البلاد.
