هنا غيض من الفيض الأحدث في وقائع الإستبداد السوري، خلال الثلث الأخير من هذا الشهر، آب (أغسطس)، وحده:
1 ـ 27/8، المهندس مشعل التمو، الناشط الديمقراطي والناطق الرسمي باسم “تيار المستقبل” الكردي في سورية، يُحال إلى قاضي التحقيق الأوّل في دمشق، وتوجّه له النيابة العامة سلسلة التهم التالية: “نشر أخبار كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة”، و”إضعاف الشعور القومي”، و”الإنتساب إلى جمعية سرية بقصد تغيير كيان الدولة السياسي والإقتصادي”، و”الإنتماء إلى جمعية ذات طابع دولي”، و”إيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية”، و”النيل من هيبة الدولة”، و”الإعتداء الذي يستهدف الحرب الأهلية أو الإقتتال الطائفي بتسليح السوريين أو بحملهم على التسليح بعضهم ضدّ البعض الآخر وإما بالحضّ على التقتيل والنهب”… إستناداً إلى أحكام الموادّ 285 و286 و287 و288 و295 و306 و307 من قانون العقوبات العامّ، والتي يقضي بعضها بحكم الإعدام.
وكان التمو قد اختُطف فجر 15/08/2008 أثناء سفره إلى مدينة حلب، ونفت الأجهزة الأمنية وجوده لديها، ولم تُظهره شعبة الأمن السياسي إلا حين أحالته إلى القضاء. وفي مطالبتها بالكشف الفوري عن مصيره، كانت منظمة العفو الدولية قد ذكّرت بواقعة اختطاف الشيخ الكردي السوري محمد معشوق الخزنوي، يوم 10/5/2005، وإعادته إلى أهله جثة هامدة، لا تخلو من آثار تعذيب واضحة، بعد 20 يوماً من اختفائه. وشدّدت المنظمة على أنها تملك من المعلومات ما يؤكد أنّ تصفية الخزنوي تمّت بعلم عدد من “كبار موظفي الدولة” في سورية.
2 ـ 27/8، محمد موسى، أمين “الحزب اليساري الكردي” في سورية، يمثل أمام القاضي الفرد العسكري في القامشلي، بتهمتَيْ “تعكير الصفاء بين عناصر الأمة” و”الإنتماء إلى جمعية سياسية دون إذن الحكومة”. وكان موسى قد اعتُقل يوم 19 تموز (يوليو) الماضي في دمشق، ثم أحيل إلى القضاء العسكري في حلب، قبل أن يمثل أخيراً أمام المحكمة العسكرية في القامشلي. وخلال المحاكمة شدّد موسى على الموقف القومي والتقدمي والديمقراطي للحزب، وعلى أنّ القضية الكردية في سورية هي قضية وطنية تُحلّ في الإطار الوطني السوري وفي إطار وحدة البلاد، بالنضال المشترك مع سائر القوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية في سورية. الأرجح أنّ هذا التشديد لم يكن مفاجئاً للقاضي الفرد، ولكنه أيضاً لم يلقَ أذناً صاغية ولا ضميراً يقظاً!
3 ـ 26/8، محكمة الجنايات الأولى في دمشق، برئاسة القاضي محيي الدين حلاق، تعقد جلسة جديدة لمحاكمة معتقلي “إعلان دمشق للتغير الوطني الديمقراطي”، بحضور عدد كبير من المحامين والناشطين والمتضامنين وممثّلي بعض البعثات الدبلوماسية. النيابة العامة بدت أكثر إصراراً من ذي قبل على مطالبتها بتجريم المتهمين وفقا للموادّ ذاتها التي تشير إلى التهم المكرورة: “نشر أخبار كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة”، و”إضعاف الشعور القومي”، و”الإنتساب إلى جمعية سرية بقصد تغيير كيان الدولة السياسي والإقتصادي”، و”إيقاظ النعرات العنصرية و المذهبية”، و”النيل من هيبة الدولة”… وكان “التقدّم” الوحيد الذي شهدته هذه الجلسة، التي تمّ رفعها إلى 24/9 هذه السنة، هو الإيضاح الذهبي العبقري الذي تطوّع القاضي حلاق باجتراحه نيابة عن النيابة: أنّ هذه الأخيرة “خصم شريف بالقضية، وأنتم تقدّمون دفاعكم، والمحكمة تصدر القرار”!
وللتذكير، الضروري في الحدّ الأخلاقي الأدنى، هنا لائحة بأسماء معتقلي الإعلان الذين اعتُقلوا تباعاً بعد انعقاد مؤتمر الإعلان الأوّل، في 1/12/2007: رياض سيف رئيس مكتب الأمانة، وفداء أكرم حوراني رئيسة المجلس الوطني، وأمينَيْ سرّ المجلس الوطني للإعلان أحمد طعمة وأكرم البني، وأعضاء المجلس أو الأمانة العامة طلال أبو دان، علي العبد الله، جبر الشوفي، وليد البني، محمد حجي درويش، ياسر العيتي، مروان العش، وفايز سارة.
4 ـ 25/8، الأجهزة الأمنية السورية تستكمل حملة اعتقالات في محافظات دير الزور وحلب وحماة، شملت العشرات ممّن تشتبه السلطة في ميولهم الإسلامية، رغم اعتدالهم وغياب الدليل على وجود تنظيمات تجمعهم، بينهم: عبد الرزاق الكبيسي، برهان جنيد، محمد أمين الشوا، إياد حسين، حسان محمد، ثابت الحسن، محمد طه، أحمد ضميم، سفيان ضميم، نبيل خليوي، عبد الهادي السلامة، وبلال سفيان. وعلى غرار اختفاء مشعل التمو، لا تتوفر حتى هذه الساعة معلومات عن أماكن اعتقال هؤلاء، في انتظار ظهورهم ذات يوم أمام محكمة ما، بالتهم المكرورة ذاتها!
5 ـ 24/8 فرع الأمن السياسي في محافظة الحسكة يلقي القبض على طلال محمد، عضو المنسقية العامة لـ “الوفاق الديمقراطي الكردي السوري”، وذلك في ساحة كراجات البولمان في مدينة القامشلي، منتصف الليل، أثناء توجهه الى العاصمة دمشق. وخلال أعمال مؤتمرها الثاني، الذي انعقد في خريف العام 2007، كان “الوفاق” قد أكد على وحدة المعارضة السورية، بكردها وعربها، وطالب النظام بإدخال “إصلاحات جذرية وشاملة على الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية”، والإعتراف دستورياً بالقضية الكردية بوصفها “قضية أرض وشعب”. وفي ملفّ التنكيل بالناشطين السوريين الكرد، كانت الأجهزة الأمنية قد ألقت القبض على شكري حسن، رئيس الجالية الكردية في المملكة العربية السعودية، أثناء مروره من نقطة الحدود الأردنية ـ السورية قادماً مع أسرته، ولا يزال مصيره مجهولاً (الرجل تجاوز الستين، ويقيم في السعودية منذ 26 سنة).
6 ـ 23/8، “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” يتهم الحكومة السورية بالعمل على “ترويض الإنترنيت”، وحجب المواقع، و”ملاحقة أصحاب الآراء المخالفة، خصوصاً المواقع الكردية والسياسية المعارضة ثمّ المواقع اللبنانية”. وقال المركز، في دراسة مفصّلة، إنّ الحكومة تعتمد “سياسة منهجية” تهدف إلى “القضاء على الخصوصية التفاعلية، وعلى مساحة الحرية التي يوفرها الإعلام الالكتروني”، كما في قرار وزير الاإصالات والتقانة بإجبار المواقع الإلكترونية على ذكر اسم ناشر المقال والتعليق تحت طائلة إغلاق الموقع مؤقتاً أو نهائياً. كما أشارت الدراسة إلى وجود رقابة على البريد الالكتروني الصادر والوارد إلى سورية، مؤكدة أنه سبق اعتقال ومحاكمة عدد من السوريين بسبب استخدامهم البريد الإلكتروني، موضحة أنّ الرسائل تتأخر أحياناً حوالي 4 إلى 5 ساعات، كما تتعرض للتلاعب والتشويه والحذف أحياناً.
وفي ممارسة الرقابة المباشرة أشارت الدراسة إلى أنّ الأجهزة الأمنية أبلغت أصحاب مقاهي الإنترنت بضرورة تسجيل البيانات الشخصية لمستخدمي الإنترنت في محلاتهم، والاحتفاظ بسجلّ يومي بذلك، وتسليم هذا السجل إلى مندوبي الأجهزة الأمنية. وقد رصد المركز حجب 161 موقعاً سياسياً أو إخبارياً، مشيراً إلى أنّ العدد قد يكون أكبر من ذلك، وقال إن فرع المعلومات التابع لإدارة أمن الدولة في دمشق هو الذي يشرف على عملية مراقبة المواقع وإعطاء الأوامر للمؤسسة العامة للإتصالات بحجب المواقع.
7 ـ 22/8، عائلة فلسطينية تسكن في بلدة قباطية، جنوب مدينة جنين، تؤكد نبأ وفاة أحد أفرادها في السجون السورية، قبل شهرين تقريباً، بعد أن كانت آثاره قد اختفت منذ عام. وقال أفراد من عائلة الحنايشة إنّ ابنهم جميل عبد الله أحمد حنايشة، الذي كان يقيم في الأردن ويعمل في تجارة السيارات، كان يتردد على دمشق، حيث اعتُقل، وظلّ مصيره مجهولاً إلى أن تبيّن أنه قضى بعد إضراب طويل عن الطعام كما تردّد، أو بسبب تماس كهربائي داخل المعتقل، كما قيل لأسرته!
8 ـ 20/8، محكمة الجنايات الثانية في دمشق تقررّ ردّ الطلب الذي رفعته هيئة الدفاع عن الكاتب والمعارض السوري ميشيل كيلو (المعتقَل منذ 14/5/2006، بسبب توقيعه على “إعلان بيروت ـ دمشق، دمشق ـ بيروت، صحبة 134 من المثقفين السوريين)، لمنحه العفو من ربع مدّة الحكم، كما ينصّ القانون السوري. وقد رفضت المحكمة الطلب، واستجابت بذلك لرأي النيابة العامة، بالرغم من توفّر شروط الإعفاء. جدير بالإيضاح ـ الضروري، لأسباب أخلاقية صرفة، هنا أيضاً ـ أنّ الغالبية الساحقة من مرتكبي الجرائم الجنائية الصريحة (القتل والإغتصاب والرشوة والتهريب والتجارة غير المشروعة…) يستفيدون عادة من هذا الإعفاء. ومن الواضح أنّ النيابة العامة، ورئيس محكمة الجنايات، كان لهما رأي آخر أكثر تشدداً في طبيعة الجريمة التي ارتكبها كيلو!
كلّ هذا الغيض من فيض الإستبداد السوري وقع بعد الزيارة التي قام بها بشار الأسد إلى فرنسا، والتي ذهب بعض أنصار النظام إلى حماسة وصفها بـ “التاريخية”، كما انكبّ بعض المحللين اللوذعيين على التنقيب في خفاياها للبرهنة على نجاح الأسد في “كسر الطوق” الأمريكي والغربي. تلك، مع ذلك، حكاية أخرى وقفنا عند أحابيلها في مناسبة سابقة، قبل ثلاثة أسابيع. غير أنّ للوقائع السالفة دلالات أخرى تخصّ الداخل السوري، وتلك السفسطة ـ الركيكة، الفجّة، الشكلانية، ذات البصر الحسير والذاكرة القصيرة… ـ التي ذهبت مذهب القول باحتمال أن يتغيّر نهج النظام بصدد الإصلاح السياسي والحرّيات العامة، وليس الموقف من المعارضة الديمقراطية والوطنية وحدها، بمعدّل إيجابي يتناسب مع انفتاح الغرب عليه، وانفتاحه على الغرب.
ثمة، أيضاً، مَنْ أشار تلميحاً ـ وبيان “حركة كفاية السورية” أوضح صراحة ـ أنّ “إحدى المنظمات الحقوقية تدير صفقة مع السلطات السورية”، تقضي بقيام الأمانة العامة لإعلان دمشق بمبادرة تتضمن نشر بيان تخفف فيه من خطابها تجاه السلطة، إلى درجة قد تبلغ التخلّي عن البيان الأساسي لاجتماع 1/12/2008، وذلك مقابل قيام السلطة بالإفراج عن معتقلي إعلان دمشق. ولم يكن لهذه الشائعة، إذا كانت هكذا حقاً، أن تبلغ الأسماع لولا شيوع مناخات تلك السفسطة العرجاء حول التأثير المتبادل بين انفتاح الغرب على النظام وانفتاح النظام على المجتمع.
وفي أطيب نوايا هذا النقاش، إذْ ثمة على الدوام نوايا حسنة غير تلك السفسطائية أو الإنتهازية أو الساذجة، أنّ علامات “اعتدال” في السياسة الخارجية السورية قد تقود إلى علامات اعتدال موازية في السياسة الداخلية؛ أو أنّ الاعتدال مطلوب من الفريقين، السلطة والمعارضة، لقطع دابر التطرّف والتشدّد! ولكن… إذا كانت لائحة الوقائع السابقة، في الاعتقال العشوائي والاختطاف والهزء بأحكام القانون، لا تكذّب هذه النوايا الطيّبة جملة وتفصيلاً فحسب؛ ولا تبرهن، تالياً، أنها من باب تمنّي الضعيف المضطهَد على المستبدّ المضطهِد، وغناء الذات للذات، ليس أكثر؛ فإنّ وقائع زيارات بشار الأسد إلى طهران وبودروم وموسكو تسحب كلّ علامات “الإعتدال” من التداول، ولعلّها تقوّض كامل مختبر الأواني المستطرقة الذي يتطلع إليه البعض من أجل البرهنة على خرافة الإعتدال.
هل تناسى هؤلاء أنّ النظام، حين كشّر عن أنياب القمع في سنة 2001، ضدّ المجتمع والمنتديات وناشطي “ربيع دمشق”، كان غارقاً حتى الثمالة في عسل الإنفتاح المتبادَل مع الغرب، بدءاً من الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون إلى الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك؛ فضلاً عن انفتاح العرب، بدءاً من الرئيس المصري حسني مبارك، إلى العاهل السعودي عبد الله، مروراً برئيس الوزراء اللبناني الأسبق… رفيق الحريري؟ وإذا كان دوام الحال من المحال، تاريخياً، أفلا يصحّ أنّ الحال تبدّلت بالفعل، ولكن إلى وراء؟
s.hadidi@libertysurf.fr
كاتب سوري- باريس
“اعتدال” النظام السوري: الوقائع تكذّب الخرافة صبحي حديدي المناضل الشرس في تحقيق غاياتك الشخصية بالاتيان الى سوريا كالفاتحين والولوج في عهد الرحرحة والاسترخاء والرخاء الاقتصادي والأمني والمالي والمشي في الشوارع في عز الليل واللحمة الوطنية بين الطوائف وارتاع مستوى المعيشة للمواطن وانتفاء البطالة وتشغيل الشبيبة على اساس الكفاءات والعدالة الاجتماعية والقضاء النزيه والشرطة وقادتهم اللي مابيرتشوا والجمارك اللي بتسهر على مال المواطنين بدل من سرقتهم المناضل صبحي الحديدي او حديدي” اذا بدك” كل هذا العز سوف ينبلج كالصبح ويزدهر كالورد وينتشر كغبار الطلع في عز الربيع ويعم كالخير في زمانك ومكانك بــــسّ المطلوب ليتحقق كل هذا الشيء أن تأتي الى… قراءة المزيد ..