تظهر بيانات جديدة مستقاة من استطلاعات للرأي أجرتها مؤسسات خاصة وذات مصداقية بين الجمهور المصري والسعودي القاطن في المناطق الحضرية عن وجود مستويات مرتفعة من الدعم – خاصة بين السعوديين – في اتخاذ إجراءات صارمة ضد البرنامج النووي الإيراني. وفي الوقت ذاته، تُظهر هذه النتائج بوضوح أن المخاوف الإقتصادية، وليس السياسة الخارجية أو القضايا السياسية الداخلية، هي التي تهيمن على جدول الأعمال الشعبي في كلا البلدين.
الخلفية
في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، أجرت عدد من المنظمات استطلاعات للرأي العام في مختلف البلدان العربية لقياس المشاعر الشعبية في نهاية السنة حول قضايا الساعة، الخارجية والداخلية على حد سواء. إن النتائج الجاري تحليلها هنا مستقاة من العديد من هذه المصادر. وقد تم استخلاص النتائج الأكثر تفصيلاً من مجموعات البيانات الفريدة التي تنتجها شركة تجارية حسنة السمعة وحصلت عليها “شركة بيختر لإستطلاعات الرأي في الشرق الأوسط” Pechter Middle East Polls، واعتمدت على مقابلات شخصية مبنية على عينة نموذجية تتكون من ألف مواطن مصري، وعينة نموذجية أخرى تتكون من ألف سعودي في المدن الرئيسية في الرياض وجدة والدمام/الخبر. وقد ساهم مصدران آخران في هذه الاستنتاجات: استطلاع وطني مصري أجراه “مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” ونُشر جزء منه في صحيفة “المصري اليوم” المصرية في 30 تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، واستطلاع جرى بين 200000 من مستخدمي شبكة إنترنت – 55 بالمائة منهم في دول “مجلس التعاون الخليجي” — تم إجراؤه من قبل مؤسسة “يوغوف سيراج” لبرنامج مناظرات الدوحة في الفترة من 19 إلى 23 تشرين الثاني/نوفمبر.
العقوبات على إيران: ما يراه السعوديون
وُجه السؤال التالي للمشاركين من كل من السعودية ومصر: “إذا لم تقبل إيران القيود الجديدة على برنامجها النووي، هل توافق أو لا توافق على فرض عقوبات أكثر صرامة ضد إيران حوالي نهاية هذا العام تقريباً؟” وفي إشارة هامة للغاية، فضلت غالبية قوية من السعوديين، 57 في المائة، فرض عقوبات أكثر صرامة. وعلاوة على ذلك، كانت نسبة التأييد “بشدة” لصالح فرض العقوبات ضعف عدد المعارضين بشدة (22 بالمائة مقابل 11 بالمائة).
ورغم أن هذه النتائج كانت “مؤيدة للإجراءات الصارمة” على نحو مثير للدهشة، إلا أنها تتوافق بشكل كبير مع النتائج التي استخلصت من استطلاع المشاركين من دول “مجلس التعاون الخليجي” في برنامج مناظرات الدوحة الذي أُجري على الإنترنت. ورغم أن ذلك الاستطلاع لم يعكس عينة نموذجية (حيث اقتصر على شريحة من مستخدمي الإنترنت كان 80 بالمائة منهم من الذكور)، إلا أنه يمكن اعتباره دالاً بشكل تقريبي على الشعور السائد بين جمهور هام ومنتبه في دول الخليج العربي. وتُظهر النتائج مستوى عالي جداً من القلق بشأن البرنامج النووي الإيراني، حيث يؤمن 83 بالمائة من المشاركين في الإستطلاع أن طهران تخطط لبناء أسلحة نووية رغم مزاعمها حول نواياها السلمية، في حين أن ما يزيد عن النصف بقليل (53 بالمائة) يعتقدون أن إيران سوف تستخدم فعلياً الأسلحة النووية. ومن بين هذه المجموعة الأخيرة، ثلاثة أخماس يؤمنون بأن الهدف سيكون المملكة العربية السعودية أو أي من دول “مجلس التعاون الخليجي” الأخرى، ويؤمن خمس بأن الدولة المستهدفة ستكون إسرائيل.
وفي المقابل، يثق عدد لا يتجاوز 20 بالمائة من المستطلعين بأن بإمكان “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” التعامل مع البرنامج النووي الإيراني، بينما يؤمن قرابة الثلث فقط (37 بالمائة) بأن الأسلحة النووية الإيرانية سوف توفر للمنطقة “توازناً في القوى”.
العقوبات على إيران: ما يراه المصريون
إن الجمهور المصري هو أقل دعماً بشكل ملحوظ من السعوديين حول فرض عقوبات إضافية ضد البرنامج النووي الإيراني. إذ يؤيد العقوبات 43 بالمائة، بينما يعارضها 53 بالمائة. ورغم ذلك، فإن مستوى الدعم لمثل هذه العقوبات لا يستهان به، وهو أعلى من المستوى المسجل في مجموعة من الإستطلاعات الأخرى الأقل شمولية حول هذا الموضوع. ولم يتم تسجيل سوى تباين متواضع في هذا التوازن الوثيق حسب ديموغرافيات العمر أو التعليم أو المهنة أو الطبقة الاجتماعية.
تظهر هذه النتائج الأخيرة انخفاضاً بمقدار ست نقاط فقط في الدعم المصري للعقوبات منذ أن طرح هذا السؤال في أواخر شهر حزيران/يونيو المنصرم، أثناء حملة الإجراءات المشددة التي اتخذت عقب الانتخابات في إيران. ولعل مرور الوقت وتلاشي الصور الإعلامية واقتراب الموعد النهائي في نهاية هذا العام قد ساهمت في التراجع الطفيف في القبول الشعبي المصري بفرض عقوبات جديدة على إيران. وقد يكون الاستعداد الظاهري لإيران للتنازل بشأن المسألة النووية الذي أعربت عنه في تشرين الأول/أكتوبر وأوائل تشرين الثاني/نوفمبر، والذي لم تتراجع عنه بعد في وقت الإستطلاع، عاملاً مساهماً أيضاً.
قبول أوسع نطاقاً لرسالة «القاعدة»
عبر 75 بالمائة من الجمهور في كل من مصر والسعودية عن رأي غير مواتٍ تجاه تنظيم «القاعدة»، بينما أعرب 20 بالمائة فقط بعبارة “مواتٍ نوعاً ما”. ولكن عندما طُلب من نفس الجمهور تقييم وجهات نظر المسلمين الآخرين، فإن ما يقرب من النصف – 44 بالمائة في مصر و48 بالمائة في السعودية – قال إن “رسالة «القاعدة» تتمتع بجاذبية” لديهم. بينما قالت نسبة مرتفعة مماثلة (40 بالمائة و36 بالمائة على التوالي) بأن تقديم “الدعم المالي للمجاهدين المسلحين الذين يقاتلون في أماكن مختلفة في جميع أنحاء العالم هو واجب إسلامي”.
ومرة أخرى، إن التباين الديموغرافي في هذه الأرقام محدود للغاية. وتشير هذه النتائج إلى أن موضوع التأييد الشعبي للجماعات الإسلامية المتطرفة لا يزال كبيراً، رغم أن دعم تنظيم «القاعدة» على وجه التحديد لا يزال في مستويات منخفضة نسبياً. وقد بدأ تسجيل هذه الأرقام لأول مرة بعد وقوع سلسلة تفجيرات إرهابية في [بعض] البلدان العربية في الفترة ما بين 2003-2005.
“إنه الإقتصاد!”
اللافت للنظر أن أن أياً من القضايا الواردة في المناقشة السابقة لم يحظى بمرتبة تقترب من قمة المخاوف الشعبية، سواء في المملكة العربية السعودية أو مصر. ورداً على سؤال مفتوح للمناقشة من أجل تحديد القضية الأكثر أهمية التي تواجه بلادهم اليوم، ذكر 48 بالمائة من السعوديين في ذلك المجتمع الذي يفترض أنه “غني بالنفط” أن المشاكل الإقتصادية مثل التضخم (21 بالمائة) والبطالة (16 بالمائة) والفقر (11 بالمائة) هي أهم القضايا. كما ذُكر الفساد بشكل متكرر (18 بالمائة)؛ ومما يدعو للإهتمام أن ربات البيوت السعوديات والنساء بشكل عام كن أكثر احتمالاً من الآخرين في الاستشهاد بالفساد باعتباره مصدر القلق الأول في البلاد. وقد تراجع الإرهاب بكثير، ووصل إلى مرتبة 7 بالمائة، ولم ترد أي من قضايا السياسة الخارجية ضمن القائمة. وقد تغيرت هذه التصنيفات بشكل طفيف عندما أضيفت الإقتراحات الشعبية حول “القضية الثانية الأكثر أهمية” لبلادهم إلى هذا المزيج.
والنمط في مصر متشابه. إذ تهيمن المخاوف الاقتصادية على القائمة: الفقر والديون والظروف السيئة (22 بالمائة) والتضخم (15 بالمائة) والبطالة (12 بالمائة). ويحتل الفساد مرتبة قريبة وراء تلك المجموعة، بنسبة 10 بالمائة. وعلى النقيض من ذلك، تم ذكر “الاستقرار والأمن” أو “التطرف” من قبل 5 بالمائة فقط من المصريين باعتباره المشكلة الأكثر إلحاحاً التي تواجهها حكومتهم.
والأمر الأكثر دهشة هو أنه رداً على سؤال مفتوح حول “الشيء الأكثر إيجابية الذي بوسع الولايات المتحدة القيام به” في منطقتهم، احتل الدعم الاقتصادي المرتبة الأولى بين المصريين حيث ارتبط إحصائياً مع القضايا العربية الإسرائيلية بنسبة (36 بالمائة لكل منهما) وبين السعوديين (30 بالمائة و27 بالمائة). ومرة أخرى ، تتغير هذه الأولويات بشكل طفيف جداً في كلا البلدين، عند الجمع بين الترتيبين الأول والثاني. كما كانت هناك في كلا البلدين تباينات ديموغرافية مثيرة للإهتمام رداً على نفس السؤال، حيث كان الطلاب وربات البيوت والنساء والمصريون في الريف أكثر احتمالاً لأن يستشهدن بالدعم الإقتصادي أو التكنولوجي باعتباره العمل الأكثر إيجابية الذي يمكن للولايات المتحدة القيام به.
الآثار المترتبة على السياسية الأمريكية
عند النظر إلى تحليل هذه البيانات في حد ذاته، نرى أنه لا يشكل أساساً كافياً لإحداث تغييرات سياسية كبرى، لكن يجب أن يؤخذ في الإعتبار في المناقشة الحالية للقضايا ذات الصلة. فعلى سبيل المثال، في الوقت الذي تستعد فيه واشنطن لاتخاذ مبادرة لفرض عقوبات أكثر صرامة ضد إيران، يمكنها أن تشجع الحكومات العربية على المشاركة بمزيد من النشاط من خلال الإشارة إلى المستوى المرتفع من دعم “الشارع” العربي لهذه المبادرة. وفيما يتعلق بمقاومة الإرهاب ومكافحة التمرد، سواء في العراق أو أفغانستان أو في أي مكان آخر، تشير هذه النتائج بأنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون أكثر قلقاً بشأن التمويل العربي لجماعات من غير تنظيم «القاعدة»، التي تتمتع اليوم بقدر أكبر من التعاطف الشعبي. وعلى صعيد أكثر إيجابية، [يمكن الإستنتاج بأنه] من خلال قيام الولايات المتحدة بتوفير الدعم والشراكات الإقتصادية العملية، بدلاً من التأكيد على النزاعات السياسية الإقليمية، لدى واشنطن الآن احتمالات أكبر بأن تنجح بمناشدة الجماهير العربية وجذبهم إليها.
ديفيد بولوك هو زميل أقدم في معهد واشنطن، يركز على الديناميكيات السياسية لدول الشرق الأوسط. وهو مؤلف نشرة المجهر السياسي لعام 2008 الصادرة عن المعهد باللغة الانكليزية بعنوان استطلاعات مراوغة: استخدام وإساءة استخدام استطلاعات الرأي من الدول العربية