تردّدنا في نشر مقالة الصديقة لمى العثمان حينما أرسلتها لنا لأول مرة لأننا من حيث المبدأ لا نشجّع الكتّاب التنويريين على “الرحيل”! فالمواجهة مع قوى الظلام لا بد منها، وهذه القوى أضعف مما يظن الكثيرون.. ثم قرّرنا نشرها مرفقة بالردّ الذي أرسله القمني للكاتبة مباشرةً.
وليكن ردّ سيد القمني هو ردّ “الشفّاف” على التهديدات التي تلقّاها في الآونة الأخيرة على تغطيته لما يجري في طهران، وبعض هذه التهديدات وصل إلى حدّ التنفيذ العملي الإجرامي.. هذا الموقع لن يتوقّف عن تغطية إحتجاجات شعب طهران العظيم ضد أدعياء الألوهية.
مع أهل طهران نقول: “مرگ بر ديكتاتور”!
“الشفّاف”
*
رد القمني:
لن أرحل يا ابنتى فمعركتى هنا وسأنتصره فيها أما العمر فقد شارف على نهايته
وطعم الموت فى شأن عظيم كطعم الموت فى شأن حقير
إذن ليكن ما يكون
لن أصمت حتى أكشفهم وأعيدهم إلى جحورهم
وأنا بمفردى أكبر منهم
فاهدئى يا ابنتى وطيبى نفسا
سيد
*
ارحل يا د. القمني… حتى لا نبكيك
ارحل عن ديارنا يا دكتور سيد القمني… فلن يرحمك من شن عليك الحملة الشرسة في تكفيرك وإهدار دمك، لمجرد أنك نلت أخيراً جائزة الدولة التقديرية عن جدارة واقتدار، وهي جائزة أتت متأخرة جداً. فكم أضنتك الهموم والمعاناة والمرض والقهر والظلم والترهيب والسكوت الجبري القهري، وكم عاشت أسرتك في حالة من الخوف والهلع بعد تلقيك رسائل جادة قبل سنوات توعدت بقتلك والتعرض لعائلتك… أمهلوك بها أسبوعاً لتتبرأ من كل ما كتبت، فقد حذروك في رسالتهم بأنه ‘لن تنفعك أي حراسة خاصة أو إجراءات أمن، فالحارس لن يمسك الرصاصة التي تنطلق من سيارة مسرعة أو سطح منزل مجاور، وإجراءات الأمان لن توقف انفجار القنبلة في سيارتك’… ‘فاعتبر بمن سبقوك ممن أرسلناهم إلى القبور’.
لتعلن بعدها قرارك اعتزال الكتابة وإعلان براءتك من أفكارك السابقة صوناً لحياتك وحياة عيالك، مبرراً أن ‘إقدامك على هذه الخطوة سيبقي لك من العمر ما يكفيك لرعاية من يستحق رعايتك، فلذات كبدك’، (ولك كامل الحق في ذلك). لتتراجع بعدها بسنتين وتعود إلى الكتابة ثانية بكل إصرار وعزيمة رافضاً التهديد الإرهابي، معتبرا قرار العودة قراراً مغامراً أو انتحارياً… لأن توقفك عن الكتابة وانسحابك منها مكرهاً كان أشد وطأة على نفسيتك وصحتك.
وها أنت اليوم يا دكتور تواجه نفس التهمة التكفيرية من قبل جبهة علماء الأزهر و(جهات مختلفة عدة) رغم أنك تحديتهم أن يأتوك بنص فيه كفر من كتبك، ليعترفوا أنهم لن يضيعوا وقتهم في قراءتها… فكفروك لا لشيء سوى أنك تدعو لمنع المتاجرة بالدين واستغلاله في السياسة والمصالح والفساد والنهب والسلب… وتُعمل عقلك ضد التفسير الحرفي للنصوص الدينية وضد التعليم التلقيني، كونه مفرخة للإرهابيين والمتعصبين، مدافعاً عن ثقافة التسامح والحرية والحداثة. وها أنت اليوم يا دكتور تستغيث بالضمير الإنساني ليهب لنجدتك أنت وأولادك لإنقاذكم من الخطر الذى يتحدق بكم… لا تطلب النجدة يا دكتور… فلن يحقن دماءك مدعو الرحمة والسلام.
اتركنا يا دكتور واذهب أنت وفلذات كبدك أينما شئت، فأرض الله واسعة… احمل حقائبك واستعذ بالله من وعثاء المتربصين بك… ارحل يا دكتور أرجوك… لا نريد أن نبكيك كما بكينا رفيق دربك د. فرج فودة، رحمة الله عليه، الذي كلما قرأنا له سطراً من ‘حقيقته الغائبة’ خنقتنا العبرات وتقاطرت الدمعات على الصفحات… كم ظلموه يا دكتور.. لم يعلموا أنه أحرص على الدين منهم… لم يقرأ قاتله حرفاً مما كتب… لم ينصفوه حتى في محاكمة قتله… التي اشتهرت بأنها ‘محاكمة للقتيل’ لا محاكمة القاتل… فشهادة ‘الشيخ’ محمد الغزالي أثناء المحاكمة ظلمته أيما ظلم حين قال إن القاتل لم يخطئ في شيء سوى أنه افتأت على السلطة! وأنه لا يوجد شيء يجرِّم الافتئات على السلطة!
أمر محزن وبائس فعلا حين يُترك المحرضون على قتله يعبثون إلى اليوم بأرواح الشرفاء والأبرياء دون محاكمة أو تجريم… وهاهي جبهة علماء الأزهر نفسها التي كفرت د. فرج فودة ومهدت لقتله تحرِّض اليوم على قتلك بكل دم بارد… بعد أن أمنوا العقوبة… كم تألمنا على فقده يا دكتور.. كم اعتصرت قلوبنا حزناً عليه… ولا نريد بل لا نحتمل أن نبكيك اليوم يا شجاع… يا شامخ… يا من لا تملك نفوذاً أو مالاً أو سلطة غير سلطة قلمك… يا من صعب على الناس استيعابك… لا تليق بك ديارنا فأنت أكبر من أن تستوعبه أو تفهمه… يكفينا حزناً وألماً.
ارحل يا دكتور عن بلادنا، بلاد الوحوش، فأنت كما قلت ‘لم تدرب نفسك على حمل البندقية ولا الخنجر’، ‘ولا هي أدواتك ولا هي معركتك، فهذه أدوات موت بينما صنعتك وحرفتك هي الحياة’… فكانت المعركة كما وصفتها ‘بين القلم والرشاش’… لا يتنافس فيها المنطق ولا قوة الحجة، بل هي محسومة سلفا لقوة العنف وضعف الوسيلة التي تستخدم السلاح لقتل الكلمة. فكيف لك أن تقارع آلات صماء قابلة للانفجار في أي لحظة؟ كم هي معركة ظالمة وقاسية وغير متكافئة… راح ضحيتها الكثير من مثقفينا ومفكرينا من ضمنهم الأديب نجيب محفوظ (الحائز على جائزة نوبل) الذي طعن بسكين في عنقه لتقعده عن الكتابة طويلاً.
لذا فرحيلك ليس ضعفاً ولا جبناً ولا هرباً… فهجرة الوطن لا تعني التخلي عنه، ولا أن تكون بمعزل عن ناسك وأهلك، فالعطاء عطاء أينما كنت، وأنت لن تكون حراً في بلادنا لأن ثمن الحرية فيها غال جداً، وهو التضحية بحياتك وتيتيم أولادك… وهاهو صديقك المفكر د. نصر حامد أبو زيد الذي فصلوه عن وظيفته وكفروه وفرقوه عن زوجته يعيش في منفاه الإجباري لسنوات عدة دون أن تنقطع أعماله.
غادر يا دكتور… قبل أن يغدر بك خفافيش الظلام، والغدر في أوطاننا أقرب من رمش العين، فهي، أي الخفافيش، لا تعرف قيمة الحرية ولا الإنسان ولا الأوطان.. وشيوخ الإسلام السياسي، الذين يؤيدون جرائم التكفير وإهدار الدم والذل والهوان الذي يلحق بالمفكرين والمثقفين ولا يجرؤون على تجريم وتكفير فكر بن لادن وقاعدته التي تسفك دماء الأبرياء وتروّع الآمنين، قد احكموا قبضتهم على المجتمع والسلطة والمال والنفوذ.
إرحل عن ديارنا يا د. القمني… لأننا لا نريدك أن ترحل عن دنيانا.
lalothman@yahoo.com
* كاتبة كويتية
الجريدة الكويتية
ارحل يا د. القمني… حتى لا نبكيك (مع رد سيد القمني)التكفير شهادة شرف لجميع الأحرار في العالم العربي . وعلى رأي المثل ” إذا أتت مذلتي من ناقص فأنا بألف خير . تحياتي إلى الدكتور المفكر العظيم . أتمنى أن يطول عمرك وتكون بصحة وعافيه لان أمثالك ندر يا أيها المتنور بين مجتمع متخلف ورجعي وجاهل . أنا متأكد أن غالبية المحرضين ضدك لم يقرؤوا كتاباتك لعدم معرفتهم القراءة والقلة التي تجيد القراءه منهم أو لم تفهم ما تكتب أو يسترزقون من التحريض عليك وعلى الأحرار القلائل في مجتمعنا “كما يقول المثل رزق الهبل (الخبث) على المجانين” الويل لأمة ضحكت… قراءة المزيد ..