لم يخرج قرار اجتماع بكركي على المألوف منذ حرب السنتين الطيبة الذكر. فالتخلف السياسي يتقدم بلا حدود: في البدء، كانت المواجهة بين المسيحي والمسلم، ثم تفرعت حروبا بين المسيحيين على قاعدة الزعامة وتوحيد البندقية، وبين المسلمين، سنّة وشيعة، حينما قاد نبيه برّي حركة “أمل” إلى غزو الطريق الجديدة، ثم حصار المخيمات الفلسطينية بتوجيه من حافظ الأسد، وبدعم من الحزب التقدمي الإشتراكي ووليد جنبلاط (في الحالة الأولى). ثمّ تشظى الشيعة بين “أمل” و”حزب الله” تحت نيران حرب إقليم التفاح، قبل أن يصلح بينهما تفاهم دمشق- طهران.
اليوم، تقدّم التقوقع خطوة إلى الوراء. رسمت الطوائف، أو أغلبها، حدود سلطاتها، ولولا بعض الخارجين على مذاهبهم، وطوائفهم، لكان ممكناً القول إن المشهد الطائفي صاف. مع ذلك، يتحدث الجميع عن بناء الدولة والمواطنة من دون شرحهما، ليستمر الإبهام. لكنّها مفارقة فجّة في 8 آذار كما في 14 آذار. وإذا كان كل من أمين الجميل ونجله سامي، وسمير جعجع وميشال عون يتحدثون باسم المجتمع المسيحي وعنه، فرادى، فإن قادة الأرثوذكس شقوا لهم الطريق، متراجعين عن طبيعتهم التاريخية في التحرر من التقوقع، وعن ريادتهم الأحزاب العلمانية من عروبية وشيوعية وأممية، إلى نظام إنتخابي يعطي كل طائفة أن تنتخب نوابها، في فيديرالية ضمنية.
أما في الساحة الشيعية، وبعيدا عن “هوى” نبيه برّي، فـ”ينسّم” كل تصريح لمفوهي “أمل” و”حزب الله”، رياح المذهبية، مباشرة أو تسربا، سواء بإسناد الخطابات إلى السيرة الحسينية و”هيهات منا الذلّة” أو بإعلان الولاء للولي الفقيه. عدا كيفية تعامل الطرفين مع أبناء القرى غير الشيعية في الجنوب، عبر مجلس الجنوب، منذ ولادته،ومساعدات حرب تموز. وإذا لم يكن الكلام علنيا على هذه الأمور، فلا يعني ذلك أنها لم تقع، فهي تماماً كالفساد، يعرف الجميع بانتشاره ولا من يُثبت وجوده.
يخرج عن هذا الإيقاع، حتى اليوم، “تيار المستقبل”، برغم أن في قاعدته الشعبية من صار يجاهر بـ”سنيته” هوية “إسناد”، مما شجع على ظهور أطراف على يمينه تريده أن يرتدي هذا اللبوس، مستجيبة للأحقاد الجاهلية التي يغذيها الأمين العام الأشهر بتحذير من فتنة مذهبية شيعية – سنية حوّلها إلى مسلمة امة لكثرة ما نفخ في إوارها، وما احيا من الادبيات والماورائيات والثارات و”اسطرة” تحققها.
لن يبقى، إذا ما انزلق الآخرون إلى الموافقة على مشروع القانون الأرثوذكسي، سوى أن يمتلكوا، جميعا، الشجاعة الكافية لفضح المبيّت من نياتهم، وهو الفيديرالية أو الجمهورية الثالثة، فيدفن بعضهم ما أرادته 14 آذار يوم ولدت من دم رفيق الحريري، ومع نداء جبران تويني، ويحقق الاخر ما كانت طالبت به طهران وهو اسقاط اتفاق الطائف.
m2c2.rf@gmail.com
كاتب لبناني
النهار
إلى الوراء… استمر
أعتقد – و لست أبرّر – أن القوات اللبنانيّة وافقت على المشروع إنطلاقًا من حفلة المزايدة مسيحيًا مع جنرال الهونيك شغلة، مع علمها المسبق بأن هذا المشروع لن يرى النور بأي شكلٍ من الأشكال، فلمَ اللبكة و كتر الغلبة، لنبع البطرك مواقف بهورة و لنترك غيرنا يُسقط المشروع و يا دار ما دخلك شر. بكل الأحوال، إذا صح ما سبق أو لم يصح، فإن المؤكّد أن جنرال الهونيك شغلة دائمًا يدلنا إلى الخراب، على طريقة ذاك الطائر المنبئ باللعنات و البلاوي.