شهدت نموا في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 48 بالمائة أو نحو 40 بليون دولار خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2014 إلى إبريل 2015.
حينما وصل “ناريندرا مودي” إلى السلطة في نيودلهي كرئيس للحكومة المركزية في الهند، كان من أول الأمور التي حرص عليها إطلاق مبادرة “صنع في الهند” التي استهدفت تنمية تجارة الهند الخارجية عبر ضخ الأموال وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أجل تعزيز الصادرات الهندية من السلع والخدمات إلى العالم الخارجي. واليوم، وبعد مرور أقل من عام على هذه المبادرة، تفيد بيانات وزارة التجارة والصناعة الهندية أن البلاد شهدت نموا في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 48 بالمائة أو نحو 40 بليون دولار خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2014 إلى إبريل 2015.
ومن المعروف أنّ “مودي” أعلن في الخامس والعشرين من سبتمبر 2014 هذه المبادرة غير المسبوقة في تفاصيلها وأهدافها، قائلا أنه يسعى من ورائها إلى تحويل الهند إلى دولة رائدة في تصنيع السلع عالية الجودة بالمقاييس العالمية، وبما يوفر ملايين الفرص الوظيفية، ومضيفا أنّ الهند ستقوم لتحقيق هذا الهدف بإغراء أصحاب رؤوس الأموال الأجانب لإستثمار أموالهم في البلاد عبر تقديم حزمة من الاعفاءات الضريبية والتشريعات المزيلة للعوائق البيروقراطية. وفي هذا السياق، لا بد من التذكير بأنّ الهند تعتبر من دول العالم الرائدة في تصنيع الأجهزة الالكترونية وأجهزة الإتصالات الذكية و نُظُم المعلومات ووسائطها المعروفة، ناهيك عن تقدمها المذهل في صناعة الدواء والأقمار الصناعية، وتحقيقها الإكتفاء الذاتي في صناعة الغذاء.
وطبقا للمُسوحات العالمية فإن مشروع مترو الأنفاق في العاصمة نيودلهي، الذي تم انجازه بالكامل بأيدي ومعدات هندية المنشأ، يعتبر ضمن المشروعات المائة الرائدة على مستوى العالم، ويـُصنف على قدم المساواة مع مشروعات جبارة أخرى مثل: الطريق السريع الرابط ما بين موسكو وكازان، ومطار بكين الدولي، وسكة حديد البرازيل العابر للقارات. إلى ذلك صنفت التقارير العالمية نحو 30 مشروعا عاما حيويا من مشاريع البنية التحتية الهندية ضمن المشاريع العديدة المتاحة للإستثمار الأجنبي الخاص في الولايات المتحدة وروسيا والصين والبرازيل.
ومن بين هذه المشاريع في الهند، والمقرر إنجازها بحلول عام 2019 ، مشروع رائد للربط الحديدي الخاص بشحن البضائع ما بين نيودلهي وميناء مومباي بطول 1500 كيلومتر. ويعتبر هذا المشروع العمود الفقري لمبادرة “صنع في الهند” لأنه يستهدف تنمية 24 مدينة صناعية تقع على الخط الحديدي المذكور، وتزويد كل واحدة بالبنى التحتية الصناعية والتصديرية اللازمة مثل محطات الطاقة وطرق المواصلات المعبدة وأنظمة التعامل مع المخلفات وتدويرها. وتلعب الاستثمارات اليابانية العامة والخاصة دورا محوريا في هذا المشروع على أساس الشراكة ما بين طوكيو والحكومات المحلية لولايات هندية مثل مهاراشترا وراجستان وأوتار براديش وغوجرات، علما بأن هذه الولايات تساهم بنحو 40 بالمائة من حجم الناتج الصناعي المحلي الهندي، ونحو 50 بالمائة من إجمالي الصناعات والصادرات الهندية إلى الخارج.
على أنّ المبادرة الهندية المذكورة لا تقتصر على تصنيع وتصدير السلع، وإنما تتجاوزها إلى تسويق وتصدير الخدمات الهندية. وفي هذا المجال تبرز السياحة كصناعة هندية قادرة على جذب السياح من مختلف دول العالم كنتيجة لتمتع الهند بميزات تتمثل في سحرها الشرقي ومعالمها الأثرية الرائعة وجبالها الشاهقة ومطبخها الغني بما لذ وطاب، ناهيك عما تتمتع به من إستقرار.
والجدير بالذكر في هذا المقام أنّ السياحة تساهم بنحو 7 بالمائة في الناتج المحلي الهندي، وتحقق ما معدله السنوي 18 بليون دولار من العملات الصعبة للخزينة الهندية، بدليل أن عدد السياح الاجانب الذين زاروها خلال عام 2013 وصل إلى 7 ملايين زائر، ناهيك أنها تحتل المرتبة 16 على القائمة العالمية للدول الجاذبة للسياح. وتتوقع مصادر منظمة السفر العالمية التابعة للأمم المتحدة ـ طبقا لتقرير صادر عنها في العام المنصرم ـ ان الهند التي استقبلت 13 بالمائة من سياح العالم في عام 2015 سوف تشهد ارتفاعا في عدد السياح الأجانب القادمين إليها في العام المقبل بنسبة 8 بالمائة.
وبطبيعة الحال فإن الأرقام السابقة لا يدخل ضمنها سياح الداخل الذين يـُنتظر تزايدهم زيادة مضطردة حينما تكتمل مشروعات تحديث وتطوير شبكة سكك الحديد الهندية التي تعتبر الأطول في العالم ، والتي يعمل بها 1.4 مليون نسمة، ويتنقل بواسطتها 13 مليون مسافر يوميا. حيث قررت الحكومة الهندية المركزية أن تنفق 120 بليون دولار خلال السنوات الخمس القادمة لتطوير وتوسعة شبكة طرقها الحديدية التي تضم حاليا 400 محطة فقط.
Elmadani@batelco.com.bh
*باحث ومحاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي من البحرين