جريمة اغتيال المسؤول العسكري لحركة فتح في مخيم المية ومية، فتحي زيدان، تمت خارج المخيم وعلى بعد اكثر من مئتي متر عن مدخل مخيم عين الحلوة من جهة مدينة صيدا. القتل تم بعبوة تزن 700 غرام وضعت بسيارة المغدور وتحت مقعده، بما يوحي ان منفذ الجريمة اراد قتل زيدان وحده. وليس خافيا ان هذا الاغتيال جاء في اعقاب الاحداث الاخيرة التي وقعت في مخيم عين الحلوة قبل ايام وغداة الاعلان عن تنفيذ خطة امنية كان زيدان نفسه احد اركان تنفيذها.
الشهيد زيدان، كما يقول مصدر مسؤول في حركة فتح، “تميز بكونه الاقدر على السيطرة والتحكم بإدارة الملف الامني والسياسي في مخيم المية ومية”. فزيدان، الذي ينتمي الى عائلة فلسطينية هي الاكبر في المخيم، نجح خلال السنة الاخيرة في منع سقوط مخيم المية ومية بأيدي جهات متشددة من الجماعات الاسلامية التي تتمتع بدعم صريح من قبل قوى حزبية لبنانية.
في قراءة ابعاد الاغتيال، تتركز التفسيرات على “بعد فلسطيني داخلي، والرسالة الدموية موجهة لحركة فتح”، بحسب المصدر المسؤول في الحركة، وهي تستهدف اضعاف عناصر قوة الخطة الامنية الجاري تنفيذها، ومنع احداث ايّ تغيير في خارطة القوى وانتشارها داخل المخيمات، وابقاء فتائل التفجير حاضرة للاشتعال في ايّ وقت تقتضيه مصالح بعض القوى المسلحة في المخيم.
يقول خبير لبناني بالملف الفلسطيني في مخيمات صيدا، واحد الاعضاء السابقين في حركة فتح، ان اغتيال زيدان يندرج في سياق “استدراج حركة فتح الى خوض مواجهة عسكرية لا تريدها وليس من استعداد لديها لخوضها وليست في وارد خوض معركة فرض الامن بالقوة داخل مخيمي عين الحلوة والمية ومية”. تجدر الاشارة الى ان قيادة حركة فتح نحت منذ عشر سنوات نحو احتواء الازمات داخل المخيمات، ضمن استراتيجية اكد عليها رئيسها محمود عباس. واختصارها ان فتح لن تنخرط ضمن مواجهة عسكرية في لبنان، لأنها تدرك انها لن تكون فيها الا اداة لقوى اقليمية او لبنانية. ولذلك فإن الموقف القديم والمتجدد لدى ابو مازن هو ان الدولة اللبنانية هي المسؤول عن امن المخيمات، وهو ينتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يحسم فيها لبنان الرسمي قراره بفرض السيادة اللبنانية الكاملة على المخيمات الفلسطينية.
من هذه الثوابت يمكن تقدير ان حركة فتح لن تذهب نحو خطوات امنية او عسكرية تجاه ايّ طرف، ولو كان بعض مسؤوليها يوجهون اتهامات الى مجموعات متشددة في مخيم المية ومية. لكن ذلك لا يمنع وجود مخاوف من ردود فعل عائلة زيدان التي تعتبر ان هناك استهدافا يتجاوز حركة فتح الى اغتيال أحد ابنائها. فالذي اغتال زيدان يدرك ان المغدور ينتمي الى عائلة لن تسكت، رغم الجهود التي تبذلها قيادات فتح للتهدئة. وخبث الذي اختار الهدف، في علمه ان ردود الفعل يمكن ان تخرج عن ارادة الاحتواء لدى فتح، الى طلب الثأر من قبل ذوي زيدان. علما ان الاتهام بالوقوف وراء هذه العملية بدأ يوجه الى جهة معروفة في مخيم المية ومية كان زيدان يشكل عائقا امام تمددها وسيطرتها. وبمعزل عن الجهة التي نفذت الجريمة فإن اغتيال زيدان ينطوي على ارادة تفجير واثارة الفتنة.
يبقى ان ثمة بعداً اخر يتمثل في احتمال الاستثمار لبنانيا في الجريمة التي وقعت داخل مدينة صيدا، من الناحية الامنية والادارية. ذلك ان هذا الحدث الأمني يمكن ان يشكل احد العناوين التي تدفع بعض الجهات للاستناد اليها في سبيل تبرير تأجيل الانتخابات البلدية المقررة خلال شهر ايار المقبل. لكن يمكن القول ايضا ان حالة الاهتراء، التي يعاني منها لبنان على كافة المستويات، باتت تلقي بثقلها على نقاط الضعف الامنية والاجتماعية، والمخيمات على هذا الصعيد منصة ملائمة لتوجيه رسائل امنية في اكثر من اتجاه. ما دام القرار اللبناني الرسمي لا يزال يرفض وضع اليد الامنية على المخيم، فيما سياسة العبث بالأمن فيه مغرية باعتبار ان المخيم، في ظروفه الملتبسة، يوفر القناع المثالي للعابثين، سواء كانوا لبنانيين او غير لبنانيين.
alyalamine@gmail.com