الترجمة من التركية: مصطفى إسماعيل
بلادٌ تحاربُ منذ 25 سنة، تعتادُ على الحرب، كما يعتادُ المُدمِنُ على المخدرات.
تصبحُ لديها روابطٌ متنوعةٌ معَ الحربِ.
فلإقناعِ ذلكَ الشعبِ بالحرب، ولإظهارِ مشروعيةِ حربٍ مستمرةٍ منذ 25 سنة، يُهالُ عليه قصفٌ مكثفٌ منَ البروباغاندا.
تُسَلْسَلُ سيئاتُ ” العدوِّ “، يُحتقرُ العدوُّ، ويُكتبُ أنَّ العدوَّ غيرُ مُحقٍ في المواضيعِ كافة.
والناسُ حينَ يقرأونَ هذا، ويُشاهدونَهُ في التلفاز، يمتلئونَ غضباً، ويتملَّكهم الحقدُ.
بعدها يحلُّ موعدُ السلامِ
وحينَها فقطْ تبدأُ المُشكلةُ.
لأنَّ الذينَ ينبغي عليهم تأييدُ ” السلام ” وتمجيده، همْ أنفسهمْ الذينَ كانوا يُمجِّدونَ الحربَ.
تماماً كَـ “تُجَّار الكوكايين” الذين اعتادوا استخدامَ بضاعتهم، همْ أيضاً تسمموا.
وهمْ يُكابرونَ كثيراً بالعودةِ من الحربِ إلى السلام.
اليومَ، فإنَّا نرَ هذا بشكلٍ عياني.
قسمٌ هامٌ من الإعلام، فيما نعيشُ الحدثَ الأكبرَ في تاريخنا القريب، يُمارسُ الصمتَ.
فهي كما عانتْ في فهم الأحداث التي جرت وانتهت، يُعانونَ اليومَ في دواخلهم هضمَ “السلام”.
اليومَ، فإنا نعملُ مجدداً على اعتياد الناس السلام، بعدما سُمِموا من قبل إعلامهم ومسؤوليهم.
لا يتعلقُ هذا بالطرف التركي فقطْ، بلْ يُمكنُ سحبهُ على الطرف الكوردي أيضاً.
فكما تابعَ الأتراكُ طيلةَ سنواتٍ جنازاتَ ” الشهداء ” في تلفزيوناتهم، تابعَ الكوردُ أيضاً عبرَ تلفزيوناتهم جنازاتِ ” شهدائهم “.
وكما أنَّ الطرفَ التركي نظرَ إلى أبنائه الضحايا كـ ” شهداء “، أيضاً فإنَّ الكوردَ نظروا إلى أبنائهم الضحايا كـ ” شهداء “.
كلُّ طرفٍ احتقرَ ميتَ الطرف الآخر.
كلُّ طرفٍ آمنَ بأحقيَّته.
الآنَ، فإنَّ كلَّ طرفٍ سيُكابرُ وهوَ بصددِ قبولِ حياةٍ جديدةٍ وسلامٍ جديد.
كلُّ طرفٍ يريدُ أنْ يصرخَ حينَ يصلُ السلامُ بابه ” نحنُ ربحنا “.
ولكنَ السلامَ ليسَ كالحربِ.
فإذا كانَ طرفٌ واحدٌ يكسبُ الحربَ، فإنَّ السلامَ يكسبهُ الطرفانِ.
فإمَّا أنْ يأتي الطرفان سوياً، ونصرخ معاً ” نحنُ ربحنا “، وإمَّا أنْ نقفَ كلٌّ على حدا، ونصرخَ ” نحنُ خسرنا “.
لأنَّ لا رابحَ في هذه الحرب.
بلْ هناكَ رابحٌ في هذا السلام.
الرابحُ في هذا السلام سيكونُ تركيا، سبعونَ مليونَ إنسان.
حينَ يحلُّ السلامُ، لنْ تتغيرَ حياةُ الكوردِ فقطْ.
فحينَ يقبلُ الكوردُ على الحياة كَـ ” مواطنينَ مُساوينَ “، سنضطَّرُ إلى تصحيحِ كلِّ أخطائنا، متدينونا سيكسبونَ أيضاً، فالترتيباتُ الديمقراطية التي ستمنحُ الكوردَ حريتهم ومساواتهم، ستمنحُ المتدينين أيضاً مساواتهم وحرياتهم، وسيُمنحُ ذلك لليساريين وللعلويين.
معَ الكوردِ سيكسبُ أيضاً المتدينونَ واليساريونَ والعلويونْ.
وسيكسبُ أيضاً الشبابُ القومجي.
الشبابُ القومجي الذي يَصرخُ ” تركيا هيَ الأكبر ” و ” المُتلقي الضربِ من شرطةِ تركيا هي الأكبر ” لاحقاً في مخفر المحلّة، سيُحمى تحتَ مِظلة السلام.
المُنغلقونَ القائلونَ خوفاً ” أعمالنا ستُخطفُ لصالح الكورد “، والذينَ وصلوا إلى حالة أسرى المُعتقدات ” العرقية ” حينَ نبدأُ بالاغتناءِ بفضلِ السلام، حينَ تُصرفُ على الحياةِ الأموالُ التي كانتْ تذهبُ إلى الحرب، وحينَ تحيا التجارةُ وتزدهر السياحة، وحينَ يرونَ تصاعدَ أرباحهم، سيُدركونَ أنَّ ” هذه البلاد تكفي الكلَّ “.
سندركُ أنَّ الهدفَ الأصل للحياة ليسَ تمريغُ أنفِ ” العدوِّ ” في التراب، بلْ العيشُ بشكلٍ حسنٍ وصادقٍ وفي غنى وسعادة.
الآنَ زمنُ أنْ نضعَ جانباً اللُّغة التي استخدمناها، العداوة التي هضمتْ دواخلنا، عشقُ الموت والقتل، العنصريةُ، نقاءُ الاعتقادِ بأنَّ ” عرقنا هو العرقُ الأكبر “، الافتتان بالحقد.
معَ السلام الداخلي، فإن ” السلام الخارجي ” الذي سيتطور، من شأنه أنْ يُضيفَ قيماً أخرى إلى حياتنا.
خطوطُ الأنابيب، الاتفاقياتُ التجارية، الاستثماراتُ الجديدة، ستؤسسُ لشكلٍ مُغايرٍ من الحياة.
هذهِ حياةٌ مُستقرةٌ وغنيةٌ لا نعرفُها.
هذهِ البلادُ تعبرُ تحولاً كبيراً.
أمسِ حدثَ التحول في أكبرِ نقاط الالتقاء.
فالخطوةُ الإيجابية المُلقاةُ في المسألة الكوردية، ستؤثرُ على البلاد كلها خلالَ زمنٍ قصير.
أرواحنا التي اعتادت الحقد، أذهاننا التي اعتادت العداوة، ستعاني الصدمةَ وإنْ لزمنٍ قصير.
لكنا سنتجاوزُ هذه الصدمةَ، برؤية الأشياء الحسنة التي حدثتْ أو ستحدثُ، وفهمها، والشعورِ بها.
تماماً كمريضٍ يتلقى علاجَ الإدمانِ، فنحنُ الذينَ نتأوهُ لطمأنةِ عاطفة الحقدِ، وإنْ لمْ نعثرْ على مصدر الحقد، فإنَّ مجرد تخيلنا للحياة التي سنصلها بعد التداوي سيمنحنا قوةً.
سنصلُ السلامَ، وسنكونُ عُشَّاقَ السلام.
ملاحظة : المقالُ منشورٌ في عدد صحيفة طرف taraf التركية ليوم الخميس 22 أكتوبر 2009.
mbismail2@hotmail.com