نشرت “الغيغارو” الفرنسية في عددها الصادر اليوم الأربعاء تحقيقاً لمراسلها جورج مالبرونو حول مركز “ثمامة” لإعادة التأهيل الديني لمعتقلي غوانتانامو السابقين وللمجاهدين السابقين في العراق.
يسأل الشيخ أحمد جيلان: “ما هي ضوابط الجهاد في العراق؟” ويرد “التلميذ: “بعد الحصول على موافقة السلطة الدينية”. ولكن الشيخ المدرّس يرد قائلاً “هذا لا يكفي. ينبغي أيضاً إترام المواثيق الدولية التي وقّعتها المملكة والحصول على إذن الوالدين”. يجري هذا النقاش في مركز الثمامة لإعادة تأهيل الإرهابيين، على مسافة 50 كلم جنوب الرياض. ويقع السجن وسط الصحراء، ولكن شروط الإحتجاز فيه أكثر مرونةً منها في السجون السعودية الأخرى. ويضع أكثر من عشرة من الجهاديين السابقين أيديهم على الطاولات أمامهم وهم يتابعون دروس الدين التي يتضمنها برنامج إعادة تأهيل “الضالّين”، الذي اعتمدته السعودية منذ العام 2004. والبرنامج طموح جداً، بقدر التهديد الذي تمثّله “القاعدة” على هذا البلد الذي يمثّل مهد “الوهاّبية” والذي جاء منه 15 من أصل 19 إرهابياً شاركوا في عملية 11 سبتبمبر 2001.
وتتراوح أعمار الناشطين المحتجزين بين 25 و35 سنة. وقد أوقف بعضهم على الحدود مع العراق، في حين احتجز سواهم بعد عودتهم من بغداد أو من سجن غوانتانامو الذي اعتقل فيه 140 سعودياً بعد الحادي عشر من سبتمبر. ولإعادة “جنود الإسلام الضالّين” هؤلاء إلى الصراط المستقيم، يتنقّل ما لا يقل عن 150 من رجال الدين البارزين ومن علماء النفس في أنحاء المملكة. وتشمل إعادة التأهيل دروساً لمدة 3 ساعات في اليوم لمدة 10 أسابيع، يعقبها إمتحان نهائي يتوقف عليه قرار السلطات بإطلاق سراحهم أو بتمديد سجنهم. ويقول مسؤول القسم النفسي، الدكتور عبد الرحمن الحذلق: “في البداية، نستمع إلى السجين ونسأله عن دوافع توجّهه إلى الجهاد. ثم ندخل معه في نقاشات دينية مكثّفة لنبيّن له أن الإسلام الذي تم تلقينه له ليس الإسلام الصحيح”.
ولزيادة الإقناع، فإن قسماً من الإئمة المدرّسين هم من الجهاديين التائبين. ويقول هؤلاء أن تلاميذهم “الذين يسهل التلاعب بعقلهم” كانوا يفتقدون إلى التربية الدينية الراسخة في لحظة اختيارهم الجهاد. ويقول أحمد الشريف، وهو رب عائلة عمره 35 سنة: “كنت آمل أن أحد إخوة في العراق، ولكن الجهاديين الذين استقبلون طلبوا مني أن أقتل الجميع، من الشيعة إلى الأميركيين. ولم أعد أعرف من هو العدو”.
ويقول الدكتور الحذلق: “نحن لا نعتبرهم أبطالاً”. ومع ذلك، وبعكس حوالي 10 آلاف سعودي كانوا رحلوا للجهاد ضد الشيوعية في أفغانستان في سنوات الثمانينات، فإن سلطات الرياض تتعامل بليونة مع هذا الجيل الأخير من المجاهدين. فقبل ساعات من هبوط الطائرة التي أقلّتهم من غوانتانامو، قام الأمير محمد بن نايف، المسؤول عن مكافحة الإرهاب، بالإتصال بنفسه بأهالي السجناء ليبشّرهم بقرب عودتهم إلى بلادهم. ولمدة أسبوع واحد، أقام الأهالي في فندق في الرياض، على نفقة الدولة، مع أبنائهم العائدين.
ويقول ديبلوماسي غربي أن الدولة “تسوّي المشكلة على الطريقة السعودية، أي ضمن العائلة، ومع توزيع أموال طائلة”. والقاعدة الذهبية المطبّقة في مراكز إعادة التأهيل هي أنه ينبغي احتجاز السجين في أقرب نقطة ممكنة من أهله. وقد أقامت الدولة 7 مراكز إحتجاز مثل “ثمامة”، يؤمها 250 سجيناً من أنحاء المملكة.
بعد إعادة التأهيل الديني، فإن التأمين المادي للجهادي السابق هو الأمر الأساسي، “وإلا فأن “القاعدة” هي التي ستتولى تأمين حاجاتهم المادية”، حسب كلام الدكتور الحذلق. وبعد تخرّجه من دورة إعادة التأهيل، حصل الجهادي السابق “خالد جريني” على شقة، ووظيفة في بورصة جدّة، وزوجة. ويقول هذا المجاهد الذي أمضى 4 سنوات برفقة بن لادن في أفغانستان: “لقد قلبت الصفحة”. ولمناسبة العيد، تلقى كل واحد من السجناء 10 آلاف ريال (2000 يورو) من وزارة الداخلية. وهذا ما أثار إحتجاجاً عنيفاً من أقارب رجال الشرطة الذين قتلوا في العمليات الإرهابية.
رسمياً، تعتبر الدولة أن برنامج إعادة التأهيل قد نجح. فقد خضع له 2000 سجين منذ العام 2004، وتم إطلاق سراح 700 منهم بعد نبذهم لعقيدتهم الجهادية. والتزم 85 بالمئة من هؤلاء تعهّداتهم بعد إطلاق سراحهم. ولكن هذا النجاح يتعرّض للتشكيك. وحسب الشيخ عبد العزيز القاسم، الذي يُعتَبَر خبيراً في شؤون الإرهاب، “حينما يقول أحد الأئمة الذين جنّدهم النظام أنه لا يجوز مهاجمة العائلة الحاكمة، فإن ذلك لا يترك أي أثر”. وقد رفض أكثر من 1400 سجين المشاركة في البرنامج. وأياً كان الأمر، فإن فائدة هذا البرنامج هو أنه يفصل النواة الصلبة من أنصار “القاعدة” عن الآخرين، أي عن الألوف من المتعاطفين الذين يمكن للسلطات الإعتماد عليهم لتجفيف المياه الإرهابية في السعودية.