لم تكد فرنسا تنام على قضية فصل زوج عن زوجته، المبنية على عذر إكتشاف الزوج أن زوجته لم تكن عذراء، قبل الزواج، حتى بدأت قضية من نوع مختلف ومعقد تقريباً. فقد أصدرت محكمة مجلس الدولة الفرنسي قراراً لا رجوع عنه، يقضي بعدم إعطاء السيدة (فائزة م)، وهي من أصل مغربي، الجنسية الفرنسية، لأنها، وكما تبين لم تستوفِ شروط الإندماج بالمجتمع والدولة في فرنسا. كما أن القرار بني في جانب آخر منه على أن السيدة المذكورة متشددة دينياً وبذلك فإن (رؤيتها الدينية المتشددة لا تتماشى مع المعايير الضرورية للمجتمع الفرنسي خاصة مبدأ المساواة بين الجنسين)، كما ذُكر في الصحافة الفرنسية.
أكثر ما هو ملفت في القضية السؤال الذي طرحته جريدة “ليبراسيون” الذي يقول (هل ينسجم الإسلام مع العلمانية الفرنسية؟!). وهو سؤال وإن كان يتجاوز بكثير قضية السيدة، إلا أنه سؤال الساعة في الغرب، وفي فرنسا تحديداً. إذ يبدو أن الإسلام الجديد، الميال للتطرف والتكفير والإنعزال عن الآخر في أفضل الأحوال ورفضه في أسوأها، لا يمكن له أن يعيش مع العرب أنفسهم، فكيف به يعيش مع غير العرب من المجتمعات التي تخلصت، منذ وقت طويل، من الأسئلة المبدأية المتعلقة بالفرد وحقوقه وواجباته ذكراً وأنثى. وتجاوزتها لتبني مجتمعات تعتمد المواطنية كأساس للعيش في كنف الدولة. والحق أن المجتمع الفرنسي الذي صنع الثورة الفرنسية في 1789 وتخلص من الإقطاع الديني ممثلاً بالكنيسة الكاثوليكية، كما تخلص من تعقيدات الإيمان، لا يزال يعيش المباديء عينها التي خطها في ذلك العهد كبار فلاسفته ومفكريه، وهو، لا يملك الصبر، ربما، لكي يستوعب من يريد أن ينقلب في نظام عيشه وأفكاره على تلك المباديء، خاصة ما يتعلق منها بالمواطنة الصحيحة والحقة. إضافة الى سؤال آخر حول الأمر نفسه. فكيف يمكن لمن لا يؤمن بمباديء المجتمع الفرنسي أن يعيش فيه. خاصة وأنه يتناقض مع الفكر الإسلامي الراديكالي الجديد، الميال نحو التطرف كما ذكرنا؟!. وبما أن الإسلام، لغاية اليوم يكفر العلماني، فكيف يمكن لمسلم أن يعيش ضمن مجتمع كافر وفاسق ولا يملك أي شرط من شروط المجتمع الإسلامي؟
مع ذلك، لا ترفض الدولة الفرنسية أي مهاجر، خاصة، أولئك الذين يأتون الى فرنسا بناء على حيثيات قانونية مثل “لم الشمل” أو التعلم أو حتى المهاجرين غير الشرعيين (من دول محددة ) وتعترف بوجودهم على أراضيها وتسهل لهم الإقامة وتعطيهم الحقوق… إلخ. لكنها ومنذ عدة سنوات بدأت تعتمد طريقة أخرى، أكثر حزماً وصرامة في التعامل مع هؤلاء. إذ تعمل الدولة والمؤسسات المعنية بهذا الأمر على تكبيل المهاجر بعدد من القوانين، البديهية في الحياة الإجتماعية الفرنسية مثل: اللغة، تقبّل الآخر، الموقف من قضايا مثل الإختلاط بين الجنسين، الى حرية الإعتقاد الديني شرط عدم تناقضها مع المجتمع. ورغم أن فرنسا، سابقاً، ساهمت بعزل المهاجرين من الجنسيات المغاربية، بناء على فكرة عنصرية لا يخلُ مجتمع منها، إلا أنها اليوم تسعى لإدخالهم في كنف المجتمع وكذلك الدولة. وقد شاهدنا مؤخراً في حكومة “فرنسوا فيون” توزير فرنسية من أصل مغاربي في وزارة ذات أهمية مطلقة هي وزارة العدل. كما تم توزير مغربية أخرى ووزيرة لشؤون حقوق الإنسان هي من أصول غير فرنسية. لكن ليس هذا كل شيء بالنسبة لنظرة الدولة الى المهاجرين. إذ تسبق مرحلة قبول المهاجر في فرنسا اليوم خطوات لا بد منها، للحصول على الإقامة. وهي توقيعه على مجموعة أوراق هي بمثابة الإتفاق بين المهاجر والدولة، عليه الإلتزام بها حرفيا وتطبيقها في حياته العامة. وإلا فإنه لا يستحق حمل الجنسية الفرنسية أو قبل ذلك الإقامة في فرنسا. فكل من يرفض التوقيع على هذا العقد يغادر فرنسا فوراً من دون أي حقوق. وتعمد الدولة بعد توقيع العقد بينها وبين صاحب الشأن إلى تزويده بمعلومات شاملة وعامة عن الحياة في المجتمع الفرنسي كما أنها تساهم في تلقينه وتعليمه اللغة الفرنسية ليكون جاهزاً لهذا الإندماج من خلال منحه 200 ساعة تدريس للغة مجاناً. كما أن البعض يمكنه الحصول على ساعات أكثر من خلال مؤسسات رسمية أخرى من وزارة العمل. وتشمل فترة التعليم، وهي إجبارية لمن لا يعرف الفرنسية، على دروس عديدة في اللغة وقواعدها وفي الديمقراطية والحريات السياسية والتعددية وإندماج الجنسين في مكان واحد وعمل واحد وحياة واحدة. وبهذا تكون الدولة قد عملت ما بوسعها من أجل إدخال المهاجر في الحياة العامة. ويكون على المهاجر أن يبدي الإستعداد للإندماج والتأقلم مع الحياة الفرنسية وإحترام القوانين وأسلوب العيش.
s.m1888@hotmail.com
• كاتب لبناني- فرنسا
إسلام فرنسا: رؤية من الداخل (1 من 3)
الحقيقة ان الاتحاد من أجل المتوسط هو رد فرنسا واوربا ضد امريكا لمساندتها الطوارق في افريقيا ضد النيجر لان فرنسا فقط تنهب اليورانيوم دون امريكا وايضا امريكا تساند المليشيات في السودان ضد الديكتاتور البشير التي دعمته سابقا وتتقاسم مع ايران العراق ….