التاسعة بتوقيت بيروت موعد نشرات الأخبار حيث اجلس كمعظم اللبنانيين امام التلفاز لأتابع الأحداث السياسية، و اذ بالمذيعة تقول “وحضر الغداء الذي دعا الوزير السابق وئام وهاب النائب وليد جنبلاط اليه في دارته، عضو كتلة لبنان أولا النائب نهاد المشنوق بصفته الشخصية”، فكان وقع الخبر كوقع “صرماية” وئام وهاب التي كانت هي والمحكمة الدولية سواء بسواء. ووجدت نفسي أردد بصوت عالي الآية الكريمة “واذا الموؤودة سألت بأي ذنب قتلت” ولمن لا يعلم المعنى، الموؤودة هي الفتاة التي كان أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية بها، فيوم القيامة تسأل الموؤودة بأي ذنب قتلت ليكون ذلك تهديدا لقاتلها، فإنه إذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذا؟
بعد اطلاق النارعلى القرار الدولي 1559 و اطلاق صفة المشؤوم عليه من قبل النائب وليد جنبلاط، ذلك القرار الذي شكل عند صدوره عام 2004 نقطة مفصلية في تاريخ لبنان لجهة الأحكام المصيرية التي نص عليها القرار وفي طليعتها انسحاب ما تبقى من قوات أجنبية (القوات السورية) والدعوة الى حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها، وبسط سيطرة حكومة لبنان على كامل أراضيها، وبعد مرور خمسة أعوام على صدوره أعادنا القرار الى السجالات العنيفة والحادة فيما بين المؤيدين في حينها لبقاء الجيش السوري في لبنان والمعارضين للوصاية السورية حيث وصل السجال الى حد التخوين والاتهام بالترويج للفتنة والاقتتال الداخلي وتنفيذ الاغتيالات.
اليوم يعود هذا القرار مجددا الى دائرة التجاذب مع ظهور موقف في الحكم اللبناني يدعو الى شطب هذا القرار الصادر عن مجلس الأمن . وجاء هذا الموقف متزامنا مع معلومات من دمشق أشارت الى طلب الخارجية السورية من السفير اللبناني في سوريا ميشال خوري تبليغ الحكومة اللبنانية العمل على شطب القرار1559.
هل يكون الغداء الجامع في دارة وهاب مقدمة لوأد المحكمة الدولية وإعلان انتحار الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعبوة تزيد زنتها عن 1800 كلغ؟
عود على بدء، صبيحة عيد الميلاد ظهر اجتماع الأقطاب المسيحية في بكركي دون دعوة قائد القوات اللبنانية سمير جعجع كإشارة الانطلاق للعمل على عزل القوات اللبنانية وإخراجها من المعادلة لتسهيل وأد المحكمة الدولية و اعلان وفاة القرار 1559 وإعلان عصر وئام وهاب معززا باستنابات جميل السيد. ولكن لمن لا يعلم أو يتناسى، نذكر لعل الذكرى تنفع.
بدايةً، أذكّر بمقال شهيد ثورة الأرز سمير قصير الذي نشر في جريدة النهار يوم الجمعة 23 أغسطس 2002 عشية اجتماع رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي بوفد من لقاء قرنة شهوان لمناقشة مطالب المعارضة المتمثلة حينها بقرنة شهوان حيث قال قصير “ماذا لو يختتم رئيس الجمهورية اجتماعه هذا الصباح مع وفد “لقاء قرنة شهوان” بما يخرج موضوع الحوار الوطني من فولكلورية السجال السياسي العادي، فيصدر بيانا رسميا يعلن فيه انه بصفته المؤتمن على الدستور وتاليا على وثيقة الوفاق الوطني، وبالاتفاق مع رئيسي الحكومة والمجلس النيابي، قرر إطلاق آلية استشارية واسعة وهادفة ترمي الى تعيين مكامن الخلل في تطبيق اتفاق الطائف والعلاقات اللبنانية – السورية والتوافق على حلول ناجعة لتصحيح المسار؟” حينها لم تتحقق امنية الشهيد قصير وبقي اللقاء بإطاره الفلكلوري. هل يسعنا اليوم الحلم بلقاء يدعو اليه فخامة رئيس الجمهورية، بصفته المؤتمن على الدستور و بالتالي وثيقة الوفاق الوطني، ونشهد تحولا دراميا في البيان الختامي ونقرأ أن المجتمعين قد اتفقوا على ان لبنان وطن نهائي لجميع لبنانييه ولقد تقرر التمسك بوثيقة الوفاق الوطني وبالعلاقات الندية مع سوريا وحل جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم سلاحها الى الجيش اللبناني، ويعلن تمسك اللبنانيين بالمحكمة الدولية وإصرارهم على كشف قاتلي شهداء ثورة الأرز.
الأنظار كلها متجهة اليوم صوب القوات اللبنانية وقائدها، ويترقب الناس الدور الذي ستلعبه في ظل محاولة حصارها كمقدمة لاخراجها من المعادلة، خاصة وأن المسيحيين تاريخيا شكلوا العائق أمام الأطماع السورية بضم لبنان. لذلك كانوا يعملون على اضعاف المسيحيين لتأمين سيطرتهم المطلقة. وهذا يستلزم بداية الغاء “القوات” لأنها تشكل العصب الأساسي للممانعة المسيحية. وتلك الممانعة معززة اليوم بتضامن تيار اسلامي واسع أسّس له الرئيس الراحل رفيق الحريري حيث أقسم مع شهيد ثورة الأرز جبران تويني أن يعمل مع مسيحيي لبنان للحفاظ على حريته وسيادته و استقلاله. كما تتجه الأنظار الى بكركي وسيّدها في ظل الهجمات التي تشتد عليه لاجباره على السير بركب حجيج الشام ليقينهم بأن مجد لبنان أعطي لبطريريكيتها. و هنا كان وما زال عنوان المرحلة البيان الأول للمطارنة الموارنة في 20 أيلول 2000 حيث قال البيان في مقدمته:
“أما وقد بلغ الوضع في لبنان هذا الحد من التأزم، فأصبح من الواجب الجهر بالحقيقة، دون مواربة أو تحفظ، على ما هي راسخة في النفوس. ونرى الناس يتسارون، فماَ إلى أذن، ويخشون البوح بها، خوف الاعتقال وما يجره عليهم من وبال. ومعلوم أن الحقيقة وحدها تنقذ وذلك قبل فوات الأوان. ولهذا رأينا أن نتوجه اليوم إلى كل من يهمه الأمر في لبنان وخارجه بهذا النداء، لعله يسارع إلى الإسهام في عملية الإنقاذ”.
و يقول البيان في متنه:
“لقد تحمل اللبنانيون، طوال ربع قرن، الكثير من إذلال وامتهان لم يتعودوه، وناموا على الضيم أياما وليالي، وصبروا على ما حل بهم من خراب ودمار، وارتضوا، على مضض، حرمانهم حقهم في تسيير أمورهم، واعتبارهم قاصرين في حاجة دائمة إلى وصاية. وهم يرون أنه حان وقت المكاشفة في جو من الصدق، والصراحة، والأخوة الحقيقية، والاحترام المتبادل، وطرح بعض أسئلة لا بد من طرحها إبقاء على روح الأخوة التي يجب أن تسود العلاقات التاريخية بين لبنان وسوريا.
“لقد خرجت إسرائيل من جنوب لبنان، وتركت وراءها مشاكل للبنانيين لا يزالون يعانون منها وقد خفف بعض الشيء من وطأتها ما أظهره من حكمة من حرروا الجنوب بما بذلوه من دماء ذكية في سبيل التحرير، بدافع من حمية وطنية صحيحة. وقد مهدوا السبيل للدولة لتبسط سلطتها على جميع أراضيها عملا بالقرار 425 الذي تحرر الجنوب دون تطبيقه عمليا. أما حان الوقت لتبسط هذه الدولة سلطتها فعليا ليشعر الناس بأنهم أصبحوا في حمايتها وليتشجعوا ويعودوا إلى بيوتهم وعيالهم وأرزاقهم؟”
بعد سنوات طوال على هذا البيان نجد التاريخ يعيدنا اليه، ونتتطلع الى كاتبه لنمشي وراءه طريق الجلجلة. لعل خلاص لبنان يكون على يديه باجتماع مسلميه و مسيحييه حتى لا يعود بنا التاريخ ونقرأ أن الوجود السوري في لبنان شرعي ومؤقت.
* بيروت
mammassoud@yahoo.com
إجتماع “الجاهلية”: واذا الموؤودة سألت بأي ذنب قتلت
من الظلم اعتبار أن ما يكتبه المطارنة منزلاً من السماء…. فهؤلاء يخطئون دائماً……. وخطيئتهم الكبرى يوم عادوا الجنرال……. فالجنرال هو أبو المسيحيين في الشرق…. ولذلك لا يمكن المرور عبره… ووليد جنبلاط يفهمها منذ زمن تسونامي…. أليس كذلك يا سيد مسعود
إجتماع “الجاهلية”: واذا الموؤودة سألت بأي ذنب قتلت سلمت يداك سيدي الكاتب على هذا المقال, حقا” إنه لمن المؤسف أن نصل إلى هذا الدرك من الإسفاف ومن تغيير المعايير وقلب الطاولة على رؤوسنا نحن اللبنانيين بعد أن جرنا “المعنيون” وراءهم كقطعان الغنم , وراء الشعارات الزائفة والأوهام أو بالأحرى وراءالحلم بأن نعيش في لبنان سيد حر مستقل, ولكن بعد سلسلة من خيبات الأمل التي أصابتنا نحن الشعب اللبناني, جعلتنا نكفر بكل ما هو لبناني, وجعلتنا نوقن بأنه لا مفر لنا من التبعية ولا مفر لنا من الخضوع “للوصاية”, نعم لقد تم الغدر بالرئيس الشهيد وتم إغتياله للمرة الثانية لنعيش عهد… قراءة المزيد ..