ولدت في لبنان بعد مخاض عسير، وولد معي حلم بالسفر والتجوال في محيط الوطن العربي.
انتقلت بعدها للعيش في تونس و حملت معي من بلد الأرز بذور الياسمين. نشرتها لحظة وصولي في كل بقعة من أرض الخضراء. و ما لبث ان أزهرت حتى شعرت برغبة شديدة لاستكمال
الحلم.
اتجهت الى مصر، نشأت في ميدان التحرير. وفي غضون ايام نضجت و كبرت حتى ضاق بي
الميدان.
سمعت صوتا يستغيث جنوبا. هممت اليه فوجدت نفسي في اليمن. لم يكن استقبالي عاديا. فقد لمست في حرارة الإستقبال شوقاً دفيناً. لم أكد أنعم به حتى أتاني ملثم يطلب النصرة.
اصطحبني غرباً و أعطاني بندقية. “هنا ليبيا” قال لي، وغمرني ثم همّ الى القتال, فما كان مني الا ان قاتلت الى جانبه. فجأة ومن خلف أزيز الرصاص وقصف المدافع علا صوت طفل يصرخ, كان يهتف باسمي. نظرت الى الثائر الملثم فوجدته يبتسم. أودعته البندقية و شددت الرحال باتجاه الصوت.
وصلت الى مكان تغيّر فيه لون التراب و رائحته. “درعا ترحب بكم” أول ما قرأت. ثم تابعت سيري باتجاه الطفل وكان لا يزال يهتف باسمي. سألته عن اسمه فأجاب “حمزة”، ثم اصطحبني في جولة كنت اشعر في كل خطوة منها بظلم يتقهقر و باستبداد ينبثر. كنت أشعر بذاتي.
على حدود درعا ودّعني حمزة بعد أن أشار لي الى سريره المصنوع من تراب. ودّعني و غفا.
تابعت سيري و لم أكن بمفردي. فكيفما اتجهت يهتف الجميع باسمي من حمص و حماه الى دمشق و اللاذقية الى حلب و دير الزور… في كل مكان.
تفاجأت من كثرة عشاقي ومن شدّة شوقهم لي حتى أن أحدهم ألّف لي أغنية باتت الأشهر في ثورتهم.
قررت أن أبقى و أشيخ على هذه الأرض, وكتبت عليها وصيتي التي أوصيت فيها الثوار أن أدفن في القدس الشريف, في فلسطين غير المحتلة، و كلّي أمل أن يكون الثوار هم مفاتيح العودة.
أنا هي “الحرية”.
m.chreyteh@gmail.com
كاتب لبناني