“تُظهر الاشتباكات الأخيرة في بيروت أنه طالما استمر النزاع السوري سيكون الأمن الداخلي في لبنان في خطر متزايد.”
*
الأزمة السورية التي دامت حتى الآن 15 شهراً وصلت أخيراً إلى قلب لبنان. فقد أفادت التقارير أنه بداية من وقت متأخر من ليلة الأحد اندلعت اشتباكات في بيروت بين بعض الشباب المسلحين المؤيدين لفصيلين من السنة – أحدهما “تيار المستقبل” المناهض للأسد بقيادة سعد الحريري والآخر “حزب التيار العربي” الداعم للأسد بقيادة شاكر البرجاوي. وقد استخدم الطرفان أسلحة أوتوماتيكية وبنادق قنص وقذائف صاروخية. وأفادت التقارير أن المصادمات أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص وجرح تسعة آخرين.
لقد اندلعت هذه الاشتباكات بعد مقتل رجل الدين السني الشيخ أحمد عبد الواحد وزميل له بالرصاص في سيارتهما عند نقطة تفتيش تابعة للجيش اللبناني في شمال البلاد. وأفادت التقارير أن جندي شيعي هو الذي ارتكب ذلك العمل. وقد سبق هذا الحادث سلسلة من الاشتباكات في طرابلس وقعت خلال الأسبوع الماضي بين السنة والأقلية العلوية – وهي الطائفة التي ينتمي إليها بشار الأسد. وقد اندلع القتال نتيجة اعتقال شادي مولوي – أحد النشطاء الإسلاميين الذي كان يقدم المساعدة للاجئين السوريين. ويرى العديد من السنة أن إلقاء القبض على رجل تتهمه الحكومة السورية بالإشراف على أنشطة إرهابية يعتبر بمثابة خطوة مبالغ فيها بالنسبة لبيروت في استرضائها لدمشق.
ورداً على الاضطرابات في شمال لبنان، خرج السنة إلى شوارع بيروت في العشرين من أيار/ مايو حيث أغلقوا الطرق وأضرموا النيران في صناديق القمامة في مناطق كورنيش المزرعة والكولا وطريق المطار وعائشة بكار وفردان وملعب المدينة الرياضية في الطريق الجديدة. وبحلول منتصف الليل أخلت عناصر الجيش معظم أنحاء العاصمة من المتظاهرين وقامت بإطفاء النيران المضرمة في صناديق القمامة وكثفت من تواجدها الأمني بحيث كان ذلك الدليل الوحيد على قيام المظاهرات.
وحتى الآن لم يبدو أن الجيش قد تدخل في الطريق الجديدة. وفي منتصف الليل تقريباً أجرى البرجاوى اتصالاً هاتفياً مع القناة الإخبارية اللبنانية “الجديد” – التي كانت قد بثت الاشتباكات بصورة مباشرة – مخبراً إياها بأن “حوالي 300 رجلاً مسلحاً” كانوا يحاولون السيطرة على مقر الجماعة في المنطقة المجاورة، وطالب الجيش بتقديم المساعدة. وبشكل مثير، اضطًّر البرجاوي إلى تعليق الاتصال فجأة بعد أن قُتل حارسه الشخصي برصاص قناص. وقد تم لاحقاً إخلاء مقره بعد أن وصل الجيش لإنقاذه هو وأنصاره. وفي مؤتمر صحفي بعد ذلك بقليل ادعى البرجاوي أن تلك الهجمات جاءت بناءاً على توجيهات من القيادة العليا في “تيار المستقبل”، الذي من المقرر أن يصدر بياناً في هذا الصدد.
احتمالات احتدام الأوضاع
وقعت المصادمات في بيروت بين فصيلين من السنة، وهو ما يعني أن القتال ليس ذو صبغة طائفية. ورغم ما أوردته التقارير من أن [السكان] – في مناطق مثل تلك التي يسكنها الشيعة، وضاحية المدينة الجنوبية التي يسيطرعليها «حزب الله» وتدعى “الضاحية”، وتلك التي يسكنها الدروز الواقعة في الجبال أعالي بيروت – قد سلّحوا أنفسهم وووضعوا مناطقهم في حالة تأهب قصوى، إلا أن تلك المناطق فضلت حتى الآن أن تبقى غير مشاركة في أعمال العنف.
وترجع الضغائن بين “حزب التيار العربي” و”حزب تيار المستقبل” إلى عام 2008، عندما انشق الأول عن «تحالف 14 آذار» المناهض لسوريا (الذي كان من أشد المنتقدين للحكومة اللبنانية الحالية جراء موقفها حيال الأزمة السورية) وانضم إلى «تحالف 8 آذار» المؤيد لسوريا. وفي مقابلة مع تلفزيون “الدنيا” في سوريا في شهر آذار/ مارس الماضي، صرح البرجاوي “مهما يحدث في سوريا فإن ذلك سيحدد مصير العالم”. وأعرب عن دعمه لنظام الأسد و”المقاومة” في العراق، وفي لبنان، وضد اسرائيل..
إلا أن احتدام الأوضاع على نطاق أوسع لأسباب طائفية لا يزال أمراً محتملاً. ويرى العديد من أنصار “تيار المستقبل” أن الدولة قد فشلت – ظاهرياً على ما يبدو من جراء توجيهات رئيس الوزراء نجيب ميقاتي – في البقاء على الحياد في أزمة سوريا، وأصبحت شريكاً لنظام الأسد في إحباط أي جهود لبنانية ترمي إلى مساعدة المعارضة. وفيما يتعلق بقتل الشيخ عبد الواحد، على سبيل المثال، صرح النائب عن “حزب تيار المستقبل” خالد ضاهر لوكالة رويترز “لو أُطلقت النيران على الإطارات لقلنا إن ذلك كان خطأ. لكننا نرى ذلك بمثابة استهداف مباشر من الجيش”. ورداً على حادث إطلاق النار هدّد الشيخ السني أحمد الرفاعي بتشكيل “الجيش اللبناني الحر” في شمال البلاد، استناداً إلى الفكرة بأنه على الرغم من أن الكثير من الجنود في الجيش هم من السنة (وخاصة في الشمال)، إلا أن مجموعته غير ممثَّلة في أزمة سوريا.
رسم خطوط على الرمال
في جنازة الشيخ عبد الواحد وزميله – التي تم بثها مباشرة من على شاشات التلفزيون اللبناني – شوهدت أعلام المعارضة السورية، ولوّح المتحدثون بالتهديدات ودعوا إلى إجراء تحقيق. فمن ناحية زعم بيان أُلقي نيابة عن عائلة عبد الواحد أن الجيش خطط لقتله وطالب باستقالات من بين قيادات الجيش. وأشار البيان الى “أننا لن ننتزع حقوقنا الخاصة بأنفسنا [من خلال السعي إلى الانتقام]، لأن ذلك سيؤدي إلى وقوع حرب أهلية. سنترك للجيش الوصول إلى حل للوضع”.
ومن ناحية أخرى ألقى ضاهر خطبة مطولة طالب فيها بالقصاص، ودعا إلى اعتقال ومحاكمة نقيبين وملازمين وتسعة عشر جندياً اتهمهم بالضلوع في إطلاق النار. وهو يرى “أنهم يستحقون الشنق جراء تآمرهم ضد الشيخ أحمد والشعب اللبناني”. وقد حاكى ما ذكره الشيخ رفاعي بإلقاء اللائمة على كل من بيروت والاستخبارات السورية واتهمهم بمقتله، وأكد أن معظم الجنود في الجيش اللبناني هم من شمال البلاد: “نحن عصب الجيش اللبناني، فقد بنينا هذا الجيش بدموعنا ودمائنا… نقول للحكومة السورية إن الشيخ عبد الواحد دفع الثمن لأنه ساعد الشعب السوري ضد النظام… وبمساعدة عكار وطرابلس سوف نقاتل السوريين”.
وفي غضون ذلك، يقوم المحتجون في أجزاء من شمال لبنان بإغلاق الطرق من خلال حرق الإطارات، ثم يقوم الجيش بفتحها ليجدها تُغلق مرة أخرى وهكذا دواليك. وفي جنازة في عكار، أخبر المتحدث باسم مجموعة كبيرة من المسلحين أحد مراسلي “المؤسسة اللبنانية للإرسال” بأن الجيش “لا يعني شيئاً بالنسبة لنا”، وأن لدى السلطات [الوقت] “من الآن وحتى دفن عبد الواحد” لاعتقال المسؤولين. وقد تعهد بأن الأسلحة المعروضة لا تمثل شيئاً، مُحذِّراً “أنتم لم تشاهدوا أفضل أسلحتنا بعد”.
التداعيات
يُنظر إلى الجيش تاريخياً على أنه المؤسسة الموحِّدة في لبنان حيث تخدم فيه سوية جميع الطوائف في البلاد. وبدون الجيش يمكن للمرء أن يرى لبنان تنحدر إلى إقطاعيات طائفية. والواقع أن من بين الأزمات الكبرى التي سببتها الحرب اللبنانية في عام 1975هي تفكك الجيش وفقاً لتقسيمات طائفية، مما أدى إلى حلقات مستمرة من إراقة الدماء والدمار. وخشية تكرار تلك الحلقات يجب على الجيش أن ينتقي معاركه، وهو ما دلّل عليه قراره ضد التدخل بين “تيار المستقبل” و”التيار العربي”.
ويتمثل الجانب الأكثر إثارة للقلق في الاشتباكات الأخيرة والتوتر في شمال البلاد، في الرؤية التي ينظر إليها العديد من اللبنانيين إلى الجيش اللبناني بأنه قد فقد استقلاله ويُستخدم ليُقاتل معركة سوريا. وقد أدى ذلك إلى حدوث استياء واسع النطاق في صفوف السنة، وهو ما اتضح من تهديد الرفاعي بتشكيل قوة منشقة فضلاً عن الاستياء الواضح بين سكان الشمال، الذين يؤمنون أنهم يتحملون عبء التجنيد الإلزامي في الجيش بما يعزز الأهداف السورية فحسب. إن وقوع اشتباكات في المستقبل وغيرها من الأعمال التي تزيد من حدة التوتر داخل لبنان يمكن أن تؤثر على استقرار الجيش. ومن المرجح أن يستمر الجيش في مواجهة اختبارات إغلاق الطرق وقيام احتجاجات وربما تجدد القتال في المستقبل القريب.
ويبدو أن احتمالات حدوث المزيد من الاضطرابات تسوِّغ دعوة قطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين لمواطنيها لمغادرة لبنان. وطالما استمر النزاع في سوريا، فسوف يتعرض السلام والأمن في لبنان لمخاطر متزايدة.
أندرو اينجل هو مساعد باحث سابق في معهد واشنطن ومرشح لنيل درجة الماجستير من جامعة جورجتاون، وهو موجود حالياً في بيروت.
أزمة سوريا تصل إلى بيروت لنستمع الى ما سيقوله ) نصرالله)اليوم من بنت جبيل، هل بدأ يتحسس أننا نحن الجمل بما جمل!!! و أتمنى ان تكون حركته بعد تحسسه هي نحو الخروج من القمقم بتوقيف التخويف لجماعته من الآخر و التخفيف من محبة نحنه، والا للأسف فطريقه عود الى باطن القمقم للكمون حيث يعودون الى غالب اوقاتهم امة قلقة و قليلا ما هم مقلقون . وعسكر صنين بعدها ، نحن نعرف كيف نفكفك عقده ورقبة عونه. ثمة مياه كثيرة جرت من التحرير الى اليوم وأوّل مفاتيحها كان صاعقة سقوط العراق و ثانيها إغتيال الحريري وثالثها يوم خزيه 7 أيار ورابعها… قراءة المزيد ..