أنهى المحامي أرول دورا سِفر الغبن التاريخي الذي لحق بالأقلية غير المسلمة في تركيا فيما يتعلق بدخول البرلمان. وبعد سنوات عجاف غاب فيها التمثيل الأقلوي الديني عن أم المؤسسات الرسمية التركية (البرلمان)، استطاع المحامي “أرول دورا” كسر القاعدة للمرة الأولى منذ اتفاقية لوزان 1923 وتأسيس الجمهورية التركية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاترك 1924.
ودخل البرلمان من بابه الواسع بعد انتخابه كمرشح “سرياني مسيحي مستقل” عن إحدى مناطق ولاية “ماردين” في جنوب شرق البلاد، مدعوماً من ناخبي “حزب السلام والديمقراطية”، الممثل البارز للقومية الكردية في تركيا، والذي شكل جبهة انتخابية عريضة مكونة من عشرات الأحزاب والتنظيمات والشخصيات المستقلة تحت مسمى “جبهة العمل والديمقراطية والحرية”. وشاركت الجبهة في الانتخابات الأخيرة التي جرت في 12 يونيو/ حزيران بقوائم مرشحين مستقلين للالتفاف على حاجز 10 % الدستوري الذي تحتاجه القائمة الحزبية لدخول البرلمان، واستطاعت الجبهة الفوز بـ 36 مقعداً في البرلمان المنتخب، بينها مقعد “السرياني” أرول دورا.
استعدادات “دورا” الانتخابية وفوزه الكاسح …
وقع “دورا” على ميثاق “جبهة العمل والديمقراطية والحرية”، وهي الجبهة العريضة التي دعا إلى تأسيسها “حزب السلام والديمقراطية” لخوض غمار الانتخابات البرلمانية، إلى جانب العديد من الشخصيات المستقلة والأحزاب والمنظمات الكردية والتركية ذات التوجه اليساري, وقدمت الجبهة في 41 منطقة نحو 65 مرشحاً للانتخابات. وأسفرت النتائج عن فوز الجبهة بـ 36 مقعداً في الدور التشريعي 24 للبرلمان التركي الذي يدعى دستورياً “مجلس الشعب التركي الكبير”.
تم ترشيح دورا من قبل “حزب السلام والديمقراطية عن ولاية ماردين”، إلى جانب البرلماني الكردي السابق “أحمد ترك”. وافتتح “دورا” في إطار حملته الانتخابية 3 مكاتب انتخابية في مدينة “ماردين”، واستخدم في إطار الحملة اللغات: السريانية والكردية والتركية والعربية، وهي لغات المكونات المجتمعية في مركز ولاية “ماردين” وريفها. وخلال افتتاحه لمكاتبه الانتخابية أدلى “دورا” بتصريح قال فيه أن اتفاق السريان والكرد والعرب والترك في “ماردين” هو نموذج للعالم من أجل التعايش السلمي المشترك، مضيفاً: “لا لون لدمع الأعين، من أجل أخوة الشعوب ينبغي فعل كل ما يلزم”!
عقب إعلان فوزه الكاسح، صرَّح “دورا” أن انتخاب 36 نائباً محسوباً على “جبهة العمل والديمقراطية والحرية” يعد انتصاراً لمبدأ أخوة الشعوب في منطقة جغرافية تشهد فسيفساء من الأعراق والأديان، إذ يعيش في “ماردين” وريفها الكرد والسريان والترك والعرب والمسيحيون والمسلمون والإيزيدية واليهود، وبأن “دخوله إلى البرلمان التركي بهويته السريانية هو ثورة”. لأن البرلمان التركي لم يشهد منذ إعلان الجمهورية التركية في 1924 دخول أية شخصية آشورية أو سريانية أو من المسيحيين، ما عدا الأرمني بيرك صادق توران الذي دخل البرلمان عام 1960.
تركيا والأقليات…
لا يمكن فهم أهمية انتخاب السرياني الأشوري “أرول دورا” بعيداً عن واقع الأقليات في تركيا. ومن شأن انتخاب “دورا” اليوم إعادة إلقاء الضوء على مسألة الأقليات الدينية والقومية مجدداً في تركيا. وكان “دورا” قد ألمح في تصريحات عديدة إلى ذلك فقد اعتبر “عدم عضوية غير المسلمين بالبرلمان التركي منذ سنوات قصوراً حقيقياً في الديمقراطية التركية، والدولة العلمانية الديمقراطية الاجتماعية”. وكان يستغرب دائماً “عدم وجود نواب غير مسلمين بالبرلمان التركي رغم أن الدستور التركي يعد جميع المواطنين متساوين أمام القانون”.
انتقدت لجنة حقوق الإنسان الأوروبية في تقاريرها السنوية عن حالة الأقليات الدولةَ التركية وواقع الأقليات فيها. وألمحت مراراً إلى أن المقولة الدارجة في المدارس التركية “كم سعيد لأنني تركي” ما هي إلا إشارة إلى التمييز العنصري. وتدعو التقارير الدورية للجنة الحكومة التركية إلى احترام التعددية والغنى العرقي والثقافي والديني الموجود فيها. فبحسب التقارير، هنالك في تركيا اليوم إضافة إلى الأتراك نحو 15 مليون كردي، و3 ملايين رومي / يوناني، و3 ملايين قفقاسي، وما يقرب المليون من “اللاز”، ونحو 30 ألف سرياني وآشوري.
ويدعو الاتحاد الأوروبي في تقاريره عن حال تركيا كونها دولة في طور مفاوضات الانضمام إلى الفضاء الأوروبي، كما دعت معايير كوبنهاغن الحكومة التركية، إلى الاعتراف بوجود مسألة الأقليات والاعتراف بوجودها. قياساً على اعتراف الحكومة التركية بالأرمن والروم واليهود تنفيذاً لأحد بنود اتفاقية لوزان 1923. ولن يتم الإقرار بحقوق الأقليات إلا بإدراجها في الدستور التركي من خلال تغييره أو تعديله. ومن النقاط الأساسية التي يدعو إليها الاتحاد الأوروبي التدريس باللغة الكردية في الجامعات التركية، وفتح فروع باللغة الكردية في تلكم الجامعات، والاعتراف بحق التعلم باللغة الأم لكل أقلية عرقية، والاعتراف بحقوق الأقلية العلوية، والسماح بافتتاح مدرسة للرهبان في جزيرة هيبلي، وإجراء تعديل في قانون الجمعيات التركي يقضي بإعادة ممتلكات الأقليات غير المسلمة التي تمت مصادرتها من قبل الدولة التركية في عقود سابقة، وتحديداً في فترة حكم جماعة “الاتحاد والترقي” الطورانية المتطرفة.
من هو أرول دورا؟
ولد أرول دورا عام 1964 لعائلة سريانية في قرية “كوسرالي” (“حسنا”) التابعة لبلدة “سيلوبي” في ولاية “شرناخ”. وقد درس المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدينة اسطنبول، وتخرج من كلية الحقوق بجامعة أنقرة عام 1989، ويمارس منذ ذلك الحين المحاماة في اسطنبول. متزوج وأب لطفلين، لغته الأم “السريانية”، ويتقن إضافة إليها الكردية والتركية والأرمنية والإنكليزية. يعد مؤسساً وعضوأً في مجلس إدارة “مركز ميزوبوتاميا للثقافة” الذي قام بتأسيسه سريان اسطنبول. وقد قام بالإسهام في العديد من ورشات عمل حول الدستور الديمقراطي والأديان والمعتقدات. وورشات العمل المنظمة من أجل مفاوضات العضوية مع الاتحاد الأوروبي.
mbismail2@gmail.com
محامي وكاتب سوري
http://www.annaqed.katib.org/
http://twitter.com/kobaniname
إقرأ أيضاً على “الشفاف”:
رواية هنرييت عبّودي عن مذبحة السريان وتهجيرهم من تركيا في مطلع القرن 20