لقد ذهبت إدارة بوش إلى أفغانستان عام ٢٠٠١ وهي بحالة تردد، واعتقدت أنها ستنجز أعمالها العسكرية إبان أسابيع وذلك لكي تركز بعد ذلك على العراق حيث ستكون الحرب الاساسيه. كانت أفغانستان مكان ثانوي في التفكير الأمريكي وكان العراق هو الهدف الرئيسي. وهذا بطبيعة الحال جعل الولايات المتحدة مشوشة في مقدرتها على انجاز أهدافها في أفغانستان. في الاونه الاخيره تبين أن الطالبان قد استعادوا الكثير من قوتهم، وانه سيطروا على أقاليم عديدة في افغنستان بعد أن كانوا قد هزموا عام ٢٠٠١ عندما احتلت الولايات المتحدة أفغانستان وأسقطت نظام الطلبان بقيادة الملا عمر والقاعدة بقياده بن لادن. فما سر عودة الطالبان وآفاق تهديدهم للعاصمة كابول في الاونه الاخيره؟
يشير أي تقيم جاد لما وقع في أفغانستان منذ ٢٠٠١ إلى الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش في أفغانستان. فنظرة تلك الاداره للإسلام وعلاقة التقاليد القبلية في أفغانستان والقبائل بالإسلام كانت سطحيه في أحسن الأحوال. هكذا اعتقدت انه بإمكانها تغير أفغانستان بمجرد هزم القاعدة، وكأن الإسلام السياسي أمر طارئ أم سطحي يجري التعامل معه بالقوة فينتهي.
بعد أن سيطرت الولايات المتحدة على أفغانستان ونجحت في هزيمة الطالبان والقاعدة خلال فترة قياسيه بدأت بالتحضير لمؤتمر كبير لكل الأطراف التي ستشكل الحكومة والدولة الجديدة. كان الخطأ الأمريكي الأول شبيه بالخطأ الأمريكي الذي سيرتكب فيما بعد في العراق، أي أنها استثنت من تشكيلتها الحكومية قبائل الباشتون الذين هم في الجوهر قواعد الطالبان واهم التشكيلات الاجتماعية في أفغانستان . الطالبان بعد ٢٠٠١ كانوا متراجعين فاقدين للقوه ويمارس الكثير منهم لوما على القاعدة على ما حل بهم.. لو نجحت الولايات المتحدة بمد الجسور معهم في ذلك الوقت لتغيرت اوضاع أفغانستان منذ اليوم الاول. ولكن إدارة بوش رفضت اشراك الاجنحه المعتدله في الطالبان والتي كانت لن تمانع في الاشتراك في الحكومه. ورغم وجود دعوات دوليه ودعوات من ممثل لاامم المتحدة المتميز الاخظر الابراهيمي لهذه المشاركه، الا أن الفكرة رفضت عن بكرة ابيها. وفي هذه الاجواء بدأت التجاوزات بحق الباشتون مما اعاد إلى الطالبان الكثير من شعبيتهم بين تلك القبائل. مع الوقت لم يعد اللوم يقع من قبل الطالبان وانصارهم على القاعده، وبدأوا في لململه صفوفهم لمقاتلة القوات الامريكيه، وهذا ما حصل.
ولكن الطالبان ما كانوا ليحققوا نتائج سريعه لصالح استعادة قوتهم لولا عوامل اقليميه ساهمت ايضا السياسه الامريكيه في تقويتها. فعلى سبيل المثال نتج عن خطاب الرئيس بوش في فبراير ٢٠٠٢ عن محور الشر أن ايران قررت أن تمارس تخريبا على السياسه الامريكيه في أفغانستان. لهذا قدمت ايران عونا للملا عمر الذي كانت سترفض التعاون معه لو كان الخطاب الأمريكي تجاه ايران مختلفا. وتشير المعلومات أن الملا عمر كان قد التجأ إلى ايران إبان الهجوم الأمريكي، وان ايران تركته يعود إلى أفغانستان بعد ذلك الخطاب.
وعلى سبيل المثال نجد أن نجاح اي خطة امريكيه في أفغانستان لن يكون ممكنا بلا موافقة وتعاون الباكستان. في المقابل قامت السياسه الامريكيه بعزل باكستان التي لها تأثير كبير في أفغانستان وعلى الطالبان بالتحديد، ولهذا فأن تجاهل الباكستان ودورها قد دفع بقطاعات هامه في الباكستان للعمل ضد الولايات المتحدة والقوات الدوليه. لنتذكر أن العلاقه الباكستانيه الافغانيه عميقة الجذور وتعززت بشكل كبير في زمن مقاومة الغزو السوفياتي.
وقد ساهمت الحرب في العراق في سلسلة الاخطاء والتطورات التي ادت لاستعادة قوة الطالبان. فمن جهة عندما حركت إدارة بوش قواتها عام ٢٠٠٣ إلى العراق بدأت في اهمال أفغانستان، ومن جهة اخرى عندما تبين أن العراق لم يكن يملك اية اسلحه للدمار الشامل وصلت الرساله للافغان بأن الحرب ليست بهدف الانتقام من القاعده او الانتقام من احداث الحادي عشر من سبتمبر بل أكثر من هذا، وعندما شاهد الطالبان كيف بدأ القتال في العراق بعد هزيمة النظام العراقي اكتشفوا مدى مقدرتهم على تقليد اسلوب العراقيين والمقاتلين العرب في القتال. هذا كله ساهم في انجاح الفريق المقاتل في الطالبان ورفع مقدرته على تجميع الصفوف.
كما أن ضعف الحكومه المركزيه في كابول في مجال الاداره والخدمات ساهم في مزيد من الالتفاف مرة ثانيه حول فلول الطالبان. فالحكومه المركزيه كانت في مناطق محدده، وكان لديها نقص كبير في التمثيل الشعبي، وكان من الطبيعي أن تبقى ضعيفه في ظل غياب حل سياسي وتفاهم وطني بين القوى التي تتشكل منها أفغانستان بما فيها الطالبان.
لقد تبين من جراء حرب أفغانستان مدى حدود القوه العسكرية الامريكيه، وان معظم الحلول هي في الجوهر سياسيه قبل أن تكون عسكريه، وان اهمال الحلول السياسيه يؤدي لكوارث وخسائر كبيره. في عالم اليوم لا يوجد انتصارات مطلقه، ولا يوجد هزائم شامله لاحد. لهذا بالتحديد أن الكثير مما وقع في أفغانستان( وأيضا العراق) كان بالإمكان أن يكون مختلفا لو سادت لغة أكثر عقلانيه في التعامل.
shafeeqghabra@gmail.com
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت