سمعتُ رنين الهاتف وانا مشغولة في إعداد وجبة الإفطار لعائلتي في آخر ليلة من رمضان. اتجهتُ لناحية الهاتف برغبة الرد على المتصل، اثناءها طلبتُ من ابني الأكبر “عماد” ان يُكمل قلي اللقيمات، وخففت على حرارة “الهريس” ومن ثم التقطتُ السماعة وبادرت بالسلام.
كانت على الخط الثاني صديقتي “نورة” وبعد ان ردت علي التحية، سألتني السؤال المعتاد في كل عيد:
– هل ستذهبين الى البحرين هذا العيد؟
لم اكن مثل كل مرة مترددة هل اذهب ام لا. خاصة بعد ان اصبحت البحرين مزدحمة جدا، حيث تحولت الى مكان تنفيس لكل السعوديين بسبب قربها وسهولة السفر اليها.
كان الأمر بالنسبة لي محسوماً وواضحاً هذه المرة، والقرار اتفقت عليه مع زوجي واولادي منذ فترة طويلة من حلول العيد، فأجبتها بكل ثقة:
لا، لن اذهب الى البحرين هذا العيد!
انهيتُ مكالمتي معها بالسلام، وعدتُ الى المطبخ لإنهاء بقية الاكلات الرمضانية قبل ان يحل موعد الإفطار.
صديقتي “نورة” لم تتساءل كثيرا عن أسباب عدم ذهابي الى البحرين، لأنها تعرف الإجابة من قبل، كان اتصالها ذاك هو المحاولة الأخيرة منها لكي تدفعني ان أعدل عن رأي.
البحرين بلد شقيق وشعبه طيب، لكن الاسباب التي كنت اذهب من اجلها الى البحرين تغيرت تماما في هذا العيد.
كنت اذهب الى البحرين لإقتناء الكتب. الآن في السعودية لا يوجد كتاب يُمنع او يُصادر، فقد صدر قرار بإلغاء وزارة الاعلام، والإكتفاء بوزارة الثقافة، وعُدّل فيها جميع القوانين واللوائح الخاصة بالمطبوعات، وسُمح للجميع بحرية التعبير عن الرأي، وقبول التعدد الفكري، ولم تعد وسائل الاعلام بكل انواعها ترضخ للرقابة الحكومية، والمكتبات صارت منتشرة بعدد مراكز التسوق المتواجدة في المدن والحارات.
كنت ازور البحرين من اجل ان أقود سيارتي واتبضع بحرية في الاسواق بدون ان اشعر انه ثمة رجال الهيئة تلاحقني وتتبع خطواتي، وتحرمني من ابسط حقوقي وهو ان اشعر بأمان في تنقلاتي. الآن لم يعد ثمة اثر لوجود اولئك الرجال الأشاوس، الذين يتجسسون على الناس وينغصَون عليهم حياتهم، حيث قامت وزارة الداخلية بتوظيفهم في صفوفها من اجل ملاحقة الفارين من العدالة، والارهابيين، ومروجي المخدرات.
كنت اذهب الى البحرين من اجل التمتع بالحرية الدينية والتسامح بين شتى اصناف الأديان والطوائف، حيث كان بإمكاني ان اتوجه في البحرين الى اي معبد او كنيسة او حسينية او مسجد والاستماع أو الإطلاع على ما يجري في دور العبادة تلك، لزيادة معرفتي بجميع الطقوس والثقافات الدينية الجميلة. الآن في السعودية صار التسامح الديني وقبول الآخر نهج الدولة، بعد ان صدر القرار الملكي السامي بخصوص الحريات الدينية، وصار كل دين ومذهب معترفاً به، وله ُصرح او معبد في مختلف مدن السعودية، وبات السعوديون يتعاملون مع معتنقي الاديان الأخرى بالمحبة وبذوق رفيع منبثق من عمق التسامح الاسلامي.
كنت اذهب الى البحرين من اجل المشاركة في نشاطات المؤسسات المدنية والحقوقية هناك، وحضور الدورات التدريبية لزيادة معرفتي بسبل المطالبات السلمية الحقوقية، لكن الآن في السعودية، اقرت وزارة الشئون الاجتماعية بالسماح بإنشاء مؤسسات مدنية وجمعيات أهلية لحقوق الانسان، وسمحت بتشكيل الاحزاب السياسية والنقابات العمالية لحماية المواطن والمقيم على حد سواء. وايضا وزارة العمل ألغت نظام الكفيل، والحكومة اقرت بميثاق حقوق الانسان العالمي بدون اية تحفظات.
كنت اذهب الى البحرين من اجل حضور المهرجانات الثقافية، والافلام السينمائية، والإحتفالات الموسيقية، والمعارض الفنية التي تُقام في المناسبات، حيث يأتي فنانون وكُتاب وادباء ومفكرون وفرق عالمية من شتى بقاع الارض، من اجل ان يطلعوا الناس على فنونهم وثقافتهم وابداعهم في البلد الحاضن. الآن مع الانفتاح الجميل الذي تنعم به السعودية، والذي اقرّت به جميع مؤسسات الدولة، اصبحنا نبراساً يُقتدى به في الشرق الاوسط من حيث الاحتفاء بالشعر والثقافة والادب وكل الفنون الابداعية، فالمتاحف، والمسارح والدور الثقافية والسينمات باتت جزءا من التكوين الاجتماعي السعودي الحديث. وصارت وزارة التعليم اكثر انفاتحاً واريحية على المناهج التعليمية الآخرى، ولم يعد احد من السعوديين يرسل بناته وأولاده الى البحرين للدراسة في المراحل الاساسية، ولا حتى الجامعية.
كنت اذهب الى البحرين لأحس اني امرأة راشدة ومسئولة وحرة، ولو ان ذاك الشعور كان محدوداً بفترة مكوثي هناك. لكن الآن في السعودية بعد ان ألغيت سُلطة المحرم بقرار من وزارة العدل، ورُفعت الوصاية عن المرأة الراشدة، واعتمدت مدونة الاسرة، وصادقت على وثيقة “سيدوا” بجميع بنودها التي تمنع التمييز ضد المرأة، منذ ذاك الحين وأنا اشعرُ بأني في بلد يحترمني ويقدرني ويعاملني كأنسانة.
وانا اتقلب في فراشي، فجأة رن الهاتف في صباح يوم العيد، فأستيقظتُ من نومي والابتسامة ما زالت ترتسم على تقاسيم وجهي من ذلك الحلم الجميل. واذا بصديقتي “نورة” تتصل بي لتخبرني من جديد بخطة السفر الى البحرين. حيث كنا قد قررنا القيام بها مع ازواجنا وأولادنا من اجل الاستمتاع هناك بثلاث ايام العيد، بعيدا عن الرقابة الشديدة، والكبت الخانق المتفشيبن في كل مدن السعودية وشوارعها، واللذبن يمارسان على الناس بأغلال مايسمى بـ”الخصوصية السعودية”، او بسوط الدين البديل….
قمتُ بالاستعدادات اللازمة للرحلة، وانطلقنا جمعياً مع عائلتي وعائلة صديقتي “نورة” الى “جسر الملك فهد” المكتظ بالسيارات، حيث الانتظار تجاوز الثلاث ساعات، وأنا ما زلت احلم مع كل السعوديين بذلك اليوم الذي لا يدفعني فيه بلدي الى ان اذهب الى البحرين في العيد!ا
salameyad@hotmail.com
* كاتبة من السعودية
أحلام وجيهة الحويدر: لن اذهب الى البحرين هذا العيد!– مراد تركي مسلم وصديق , في تركيا عمل في فندق وحدثني عن امتلاءه بالسياح السعوديين (سياحة تنفيسية) وهو يتفهمها (اسلاميا) ولا يعطيها محمولات حسية .. وعمل ايضا في اليمن , ورغم عدم وجود قوانين تحظر قيادة المرأة للسيارة الا ان النساء – على العموم – لا يقدن سيارات , ولا يفكرن بذلك ايضا , وسأل من حوله : ماذا لو حدث طارىء ومات الرجل الذي يقود السيارة او تعرض لاصابة مميته , اليس الاولى ان تكون المرأة قادرة على استلام دفة القيادة في هذه الحالة .. فاجابوا : معك حق ,… قراءة المزيد ..
أحلام وجيهة الحويدر: لن اذهب الى البحرين هذا العيد!
لهادي سلطان زمانه — albadani100@yahoo.com
تعالي اليمن في عندنا زواج سياحي
00967736638183