بدون تردّد، نحن مع فتح طريق القدس لجميع الحجاج والزائرين العرب، بكل طوائفهم وكل مذاهبهم، مسلمين ومسيحيين ويهود.. وغير مؤمنين.
أولاً، لأن هذا من حقّهم، مثلما أن من حقّ الإيراني الذي يقول أنه يكره “نظام آل سعود” أن يحجّ إلى مكة والمدينة! وإلا.. فلماذا لا يقرّر “مرشدهم الأعلى” أن يحظر الحج إلى السعودية.. حتى إشعار آخر؟
وثانياً، لأن “السلام” قيمة عليا، وهذه “القيمة” أعلى حتماً من دعوات الحروب المدمّرة التي يروّج لها “وكلاء الباسداران” في بلاد العرب، وبدماء العرب، وعلى حسابهم! ونقصد بالسلام، طبعاً، السلامَ بين العرب وجيرانهم الإسرائيليين. ونحن معه!
وثالثاً، لأن قرار فتح الحدود، أو حتى “التطبيع” الذي ندّدت به، اليوم، جريدة “الأخبار” الستالينية سابقاً وحالياً (بلكنة إيرانية…!) ولاحقاً، هو قرار “فلسطيني” أولاً، ثم “عربي” ثانياً. وقد اتخذ الفلسطينيون، والعرب، قرارَ السلام مع إسرائيل علناً منذ “مبادرة السلام العربية” التي لم تحسن الدول العربية تسويقها في حينه (وهذا موضوع لنا عودة إليه لاحقاً) والتي لم تعترض عليها أية دولة “ممانعة”!
وفي جميع الأحوال: “الطريق إلى القدس” لا يمرّ بـ.. مكتب قاسم سليماني!
الشفاف
*
ندوة – القدس تَوأمُ العواصم العربية ومَقصِدُ الحجّ والزيارة بلا قيود لجميع المؤمنين
بيان ختامي
ندوة – القدس تَوأمُ العواصم العربية
ومَقصِدُ الحجّ والزيارة بلا قيود لجميع المؤمنين
فندق الغبريال الأشرفية – بيروت
بدعوة من “لقاء سيدة الجبل” و”مركز تطويرللدراسات” الناشط في مجال الحوار والتفاعل الفلسطيني – اللبناني، انعقدت في 11 حزيران الجاري (فندق الغبريال – الأشرفية) خلوةٌ تحت عنوان “القدس توأم العواصم العربية – ومقصد الحجّ والزيارة بلا قيود لجميع المؤمنين”، بمشاركة شخصيات لبنانية وفلسطينية، من مسيحيين ومسلمين، ومن مثقفين وباحثين وإعلاميين وحقوقيين وسياسيين، فضلاً عن ممثّلين لمؤسسات وجمعيّات أهلية عاملة.. وذلك دعماً لصمود أهلنا في القدس، وتثبيتاً لهم على أرضهم، في ظروف الاحتلال والحصار والمصادرة وعمليات التهويد الجارية على قدم وساق في فلسطين المحتلّة… وبعد المداخلات والمداولات أصدر المجتمعون البيان – النداء التالي:
أولاً- بعد سبعين عاماً على احتلال فلسطين وتشريد معظم أهلها في منافي اللجوء، وخمسين عاماً على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري وجزء من الأراضي اللبنانية، فضلاً عن ضمّ القدس الشرقية، ما زال الاحتلالُ هو الاحتلال، بكل ما يسبّبه من مآسٍ متمادية بفعل إرهاب الدولة، وبوصفه آخر احتلال في هذا العالم. ليس هذا وحسب، بل إن انصراف العالم عن متابعة جهود السلام في الشرق الأوسط – وأساسُه القضية الفلسطينية – ورغم وضوح وكفاية المرجعيَّات المتَّفق عليها لحلّ هذه المسألة (مبادرة السلام العربية وحلُّ الدولتين وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلّة).. فإن هذا الانصراف يُفاقم الظلم والمأساة المتماديين، ويضعُ هذه المسألة المركزية على حافّة النسيان، خصوصاً في أجواء القلق والتشظّي المخيّمة على منطقتنا العربية في السنوات الأخيرة، جرّاءَ العنف الإرهابي المنفلت والمتعدِّد المرجعيات والأجندات والمكوّنات.
ثانياً- ولئن كانت ضروراتُ وأولويات الأنظمة السياسية والدول قد نأت۫ بها عن هذه القضية، إلا أنَّ للشعوب العربية خياراتها الثابتة، وعلى رأسها حريتُها في تقرير مصائرها، وحقُّها في العيش معاً بسلام وكرامة، مقابل ضرورات الأنظمة وأولويّاتِها التي غالباً ما قصَّرت وتقصّر عن الحقوق الأساسية للمواطنين والشعوب.. وعليه فإن المجتمعين في هذه الخلوة يرون إلى أنفسهم جزءاً من واقع الشعوب العربية، وإلى مصيرهم جزءاً من مصيرها الكلّي، وإلى تعبيرهم جزءاً من حقّها في التعبير عن خياراتها الثابتة.. وهذا بمعزلٍ عن القيود والإكراهات التي تحكم السلطات والحكومات. وعليه فإن مطالبتنا بأن تكونَ “القدس توأم العواصم العربية، ومقصدَ الحجَ والزيارة بلا قيود لجميع المؤمنين”، مسيحيين ومسلمين ويهوداً، إنما تندرج (هذه المطالبة) في سياقٍ نأملُ أن يكونَ مطَّرداً ومتتابعاً، هنا وثمَّةَ، ليشكّلَ قوةَ رأيٍ عامٍ ضاغط في اتجاه مختلف القوى والمرجعيات المعنيّة في العالم، من أجل فكِّ الحصار عن القدس وأهلها، على طريق تحرير كل فلسطين بالسلام الشامل والعادل والدائم.
ثالثاً- ويأتي لقاؤنا اليوم تأييداً وترسُّماً لثلاث مبادرات كبرى في السنوات الخمس الأخيرة:
- دعوةُ قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، في إرشاده الرسولي الخاص بسلام الشرق الأوسط (أيلول 2012)، إلى أن تكون الأماكن المقدّسة في فلسطين “وجهةً مفتوحة لحجّ المؤمنين إليها بحرية وبدون تقييد، الأمر الذي يؤازر ويشجّع الجماعات المسيحية على البقاء بأمانةٍ وإقدام في هذه الأرض المباركة”.
- مبادرةُ قداسة البابا فرنسيس الأول إلى زيارة الأماكن المقدّسة في فلسطين (أيار 2014)، بصُحبةِ كوكبةٍ من إخوتِه أحبار الكنائس الشرقية، ومن بينهم نيافةُ الكاردينال بشارة الراعي.
- دعوةُ القمة العربية الأخيرة في عمّان (آذار 2017) العواصمَ العربية إلى “التوأمة مع مدينة القدس، وكذلك دعوة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية العربية، التعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والصحيّة، للتوأمة مع المؤسسات المقدسيّة المماثلة، دعماً لمدينة القدس وتعزيزاً لصمود أهلها ومؤسساتها”.
كذلك يأتي لقاؤنا اليوم تأييداً لـ”إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك” (آذار 2017)، ثم “مؤتمر الأزهر للمسلمين والمسيحيين في العالم العربي” (28-29 نيسان 2017) الذي حضر جلسته الختامية وتحدّث فيها قداسة البابا فرنسيس، تمهيداً لعقد مؤتمر مسيحي – إسلاميّ عتيد للسلام العالمي في حاضرة الفاتيكان، كما يأتي تعضيداً مسبقاً لمؤتمر سيدة اللويزة اللبناني، في أوائل تموز المقبل، بدعوةٍ من هيئة المتابعة اللبنانية لمؤتمر الأزهر الأخير وبرعاية نيافة الكاردينال بشارة الراعي.
رابعاً- إلى ذلك رأى المجتمعون في هذه الخلوة، ولا سيما المسيحيون اللبنانيون من بينهم، أن ارتقاء اهتمامهم إلى مستوى المسائل الكبرى في المنطقة، والتي تمسُّ وجودهم ومصيرهم بالذات، إنما هو (هذا الإرتقاء) يصبُّ في صُلبِ مصلحة المسيحيين، لأنه يؤهّلهم للحضور والمشاركة في هذه اللحظة التي يعاد فيها رسمُ الخرائط والمصائر… فإن هم غرقوا في محلّياتهم، فاتهم القطار السريع!
خامساً- وللبيان، يعتبر المشاركون في هذه الخلوة أنفسَهم هيئةَ متابعةٍ دائمة في لبنان لنُصرة القدس، بأمانة “لقاء سيدة الجبل” و”مركز تطوير للدراسات”. وسوف يتوجّهون إلى الاتصال والمتابعة مع مختلف الجهات المعنيّة في لبنان والخارج، كما سيدعون إلى لقاءات تشاورية من أجل مبادرات وفعاليّات في إطار هذا الاهتمام المشترك.
*
كلمة الإفتتاح: الصحفي إيلي الحاج
السيدات والسادة
لماذا، اليوم، ندوة عن “القدس توأم العواصم العربية، ومقصد الحج، والزيارة بلا قيود لجميع المؤمنين؟”
السؤال مبرر، ما دامت كل الأنظار متجهة إقليمياً إلى الخليج العربي، بفعل النزاع بين قطر ودول مجلس التعاون، وإلى تطورات سوريا والعراق، ومحلياً إلى مشاريع قوانين الانتخابات وحصص الانتخابات وزمن التمديد، فضلاً عن الجرائم والتعيينات، وسائر آلام الشعب اللبناني.
لماذا في هذه الظروف يدعو لقاء سيدة الجبل، هذا اللقاء الفكري الذي يطل على الهموم الوطنية والعربية والإنسانية، إلى ندوة عن القدس؟
سيجيب المتحدثون والمتداخلون عن هذا السؤال في كلماتهم، إنما أود في هذه العجالة أن أشير إلى نقطتين مهمتين:
- الأولى أن الصراع المسلح الذي اندلع في لبنان عام 1975 ، أي قبل 42 عاماً من اليوم، بين منظمة التحرير وسائر الفصائل الفلسطينية من جهة، والأحزاب اللبنانية المسيحية من جهة أخرى، قد أصبح من الماضي. وكانت نتيجته كارثة على الجميع . وإذا بقيت منه ذيول في بعض المخيمات والأنحاء، فإن من واجبات السلطة اللبنانية كما السلطة الفلسطينية أن تضع حلولاً لها وتطبقها.
- الثانية تتعلق بالمسيحيين في لبنان، وهي تعني كلاً منهم بمفرده، بينه وبين نفسه وأمام ربه:
لا يستطيع المسيحي الزعم أنه يحمل هذه الصفة حقاً – في البعد الروحي وليس الاجتماعي أو السياسي طبعاً- إذا لم يكن فعلاً من تلاميذ يسوع وأخوته، وعلى صورته مثاله. يسوع الذي أحب وأحب حتى مات فداء عمن أحبهم بمن فيهم الذين قتلوه. ونحن كل يوم نصلي “كما نحن نغفر لمن أخطأ وأساء إلينا”. هل نفعل ذلك حقاً أم نكذب على أنفسنا وعلى يسوع؟
أذكر هنا عبارة للرئيس الشهيد بشير الجميّل، تعود دوماً إلى أذهان من عاشوا الحرب وعايشوها من جيلنا الملعون: “لقد هوجمنا كمسيحين ودافعنا كلبنانيين”. حان الأوان لنهاجم ولكن في اتجاه سلام هذه المنطقة من العالم، وبين كل مكوناتها، وتحت عناوين قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية للسلام، وحق الشعوب والأفراد في الحرية والكرامة والحياة كما نصت عليها شرعة حقوق الإنسان.
نحن جزء أساسي متين من شعوب هذه المنطقة . لا نقول إنهم مسلمون، سنة وشيعة في ما بينهم والأمر لا يعنينا، ولا إنهم خلف حدود لبنان الجنوبية مسلمون عرب ويهود ما لنا ولهم، فلننكفئ إلى شؤوننا ونزاعاتنا وهمومنا الداخلية.
إن لم نستطع تغيير الوضع في الواقع فأقله بالفكر والرأي والإيمان والروح. والرأي من وراء هذه الندوة أن لا سلام ثابتاً للمنطقة والعالم – فكم بالحري للبنان- إن لم تحل قضية فلسطين. ويجب ألا تحل قضية فلسطين من غير أن تكون لنا مساهمة فيها، أقله من باب الدعوة إلى حماية الأماكن المقدسة فيها، والمناداة بالقدس مدينة مفتوحة لأتباع الأديان الابراهيمية الثلاثة، ودعوة السلطات اللبنانية والعربية إلى إتاحة المجال أمام الجميع لزيارة الأراضي المقدسة والحج إليها، من غير أن يعني ذلك تطبيعاً ولا اعترافاً بأمر احتلالي واقع.
إن بين اللبنانيين والقدس تاريخاً طويلاً من الروابط الروحية والعملية. من قديم الزمان كان اللبنانيون يحجون إليها رغم الأخطار والظروف، كانوا يقصدونها على الخير وعربات الخيل ثم بالحافلات والقطارات ورحلات الطيران قبل نكبة 1967 . لعلها ليست مصادفة أن عائلة الحاج التي أنتمي إليها – هي بشقها المسيحي في لبنان- أكبر بكثير من عائلة الحاج بشقها المسلم، كما أنها منتشرة في أكثر من خمس وثلاثين قرية وبلدات في كل أنحاء لبنان من شماله إلى بقاعه وجنوبه. لعل التفسير أن المسافة إلى القدس أقرب كثيراً بوسائل الماضي من المسافة إلى مكة المكرمة.
واليوم إذا سألت أي مسيحي في لبنان ما رأيك في الحج ومعاودة الزيارات الدينية إلى القدس سيكون جوابه “يا ريت !”. فهذه أمنية مكتومة عند هذه الجماعة التائقة إلى السير على خطى المعلم يسوع، حيث عاش ومات وقبر وقام من أجلنا.
فكيف إذا كانت الزيارة وردة حب وتشجيع إلى إخوة لنا، فلسطينيين صامدين هناك في وجه محاولات نزع هوية القدس عنها ؟
أيها السيدات والسادة
نريد بكل بساطة الإيمان أن نحج إلى القدس.
طوبى لفاعلي السلام فإنهم أبناء الله يُدعَون.
*
كلمة الدكتور فارس سعيد
أيها الأصدقاء،
نجتمع اليوم بدعوة من “لقاء سيدة الجبل” ومشاركة “مركز تطوير للدراسات الفلسطينية” من اجل القدس، أولى القبلتين ومهد المسيح وقيامته، ولمناسبة مرور خمسين عاماً على احتلالها، لنتشاور معكم في قضايا إيمانية ووطنية ترتبط بعالمنا المعاصر وتساهم في دعم مبادرات بابوات روما، من بولس السادس ويوحنا بولس الثاني إلى بنديكتوس السادس عشر وفرنسيس الأول، وأحبار كنائس الشرق في دعوتهم إلى فتح طريق الحجّ أمام المؤمنين من دون قيود.
قد تبدو هذه الخلوة – الندوة للوهلة الأولى خارج السياق اللبناني الداخلي الذي فرض علينا عناوين، تبدأ ولا تنتهي بهواجس الطوائف وقانون الانتخابات والتعيينات وخلافات كبيرة وصغيرة لا حصر لها. لكن هذه الخطوة التي نقدم عليها اليوم تندرج – وفق تقديرنا- في صلب الحدث المركزي المتمثّل بإعادة رسم معالم المنطقة على أسس جديدة.
إن “لقاء سيدة الجبل”، الذي يحمل هماً مسيحياً ولبنانياً وعربياً وإنسانياً، يرى من واجب المسيحيين اللبنانيين أن يحدّدوا لأنفسهم في هذه اللحظات الحرجة دوراً مفيداً لأنفسهم وللمنطقة، ومنسجماً مع خياراتهم الأساسية في المفاصل التاريخية، منذ تأسيس المدرسة المارونية في روما عام 1584، وأول مطبعة في الشرق عام 1710، مروراً بلبنان الكبير عام 1920 وطناً للعيش المشترك على اساس “الوطنية السياسية لا الدينية، للمرة الأولى في الشرق” كما جاء في خطاب البطريرك الياس الحويك أمام مؤتمر السلام في باريس.. وصولاً إلى الميثاق والاستقلال، ثم الازدهار الاقتصادي والاجتماعي الذي عرفناه ختى أواسط السبعينيات من القرن الماضي… وهذه الخيارات إنما تأسست على فهمٍ طليعي وتنويريّ لمعنى لبنان ورسالته في العالم، جسرَ وصلٍ بين الشرق والغرب، وداعية سلام واستقرار، فضلاً عن ارتباط هذه الخيارات بعمق الإيمان المسيحي.
إن ضمان بقاء المسيحيين وسط الظروف الكالحة التي تمتد على مساحة المنطقة لا يتوقَّفُ على قانونٍ انتخابي أو محاصصة سياسية، إنما يرتبط أساساً، أولاً وأخيراً، بدورهم المستند إلى معنى لبنان. فإذا اهتزّ الدور واهتزّ المعنى، تراجع الوجود وتحوّلت “مكتسباتهم السياسية” إلى مجرّد كراسٍ، ، وحضورهم الثقافي إلى مجرّد لونٍ باهت في لوحة كثيرة الألوان.
أيها الأصدقاء الفلسطينيون،
لقد مرّت العلاقات اللبنانية – الفلسطينية والمسيحية – الفلسطينية خصوصاً بمراحل ود ووفاق وتعاطف، ومراحل أخرى شهدت انخراطَنا جميعاً في حربٍ أهلية مدمّرة للجميع.
وبعدما نقل الفلسطينيون مركز نضالهم من لبنان إلى داخل فلسطين، وصدر في 7 كانون الثاني 2008 “إعلان فلسطين من لبنان” ، مرتكزاً على مراجعة فلسطينية شجاعة أدانت تدخّل منظمة التحرير في الشؤون اللبنانية، استقامت علاقتنا مع الفلسطينيين، حتى وصلنا إلى لحظة الشعور بان ما يجمعنا اليوم يتجاوز خلافاتنا الماضية التي ذهبت إلى غير رجعة، كما كتبنا في “إعلان بيروت” عام 2004.
نرجو أن تساهم هذه الخلوة وغيرها في إزاحة الإلتباسات الموروثة ورسم معالم تعاون مشترك، بما يضمن حقّ الشعب اللبناني في بناء دولته المستقلة السيدة على أراضيها كاملة، ويضمن للشعب الفلسطيني عودته الآمنة والكريمة إلى وطنه.
أيها الأصدقاء،
نعيش في لبنان والعالم العربي لحظات حاسمة، تتلخّص بانهياراتٍ لأنظمة، وشطبٍ لحدودٍ مرسومة وحتى دول، وحروبٍ مذهبية وعنفٍ كلامي وغير أخلاقي من كل حدبٍ وصوب.
في إمكاننا الإنكفاء عن الأحداث وانتظار نتائج المعارك الدائرة كي نتكيّف مع الرابحين فيها، إذا كان من رابح، وهذا انتظارٌ قاتل سيؤدي إلى تهميشنا.
وفي إمكاننا الدخول في تحالف الأقليات في وجه الغالبية الإسلامية، ظناً منا أن هذا التحالف سيشكّل ضماناً لنا في وجه الأكثرية. هذا الطريق سيؤدي إلى اصطدامنا ولأجيال مع أكثرية عددية قادرة مع الأيام على حَس۫م الصراع لصالحها.
وفي إمكاننا الغرق في محلياتنا السياسية بذريعة أن أحداث المنطقة لا تعنينا، قائلين بأننا ننظر إلى هذه الأحداث بعين القلق وبأنه “عند تغيير الدول إحفظ رأسك”.
لكن، ما نعرضه اليوم هو مبادرةٌ في اتجاه السلام ومن أجل السلام، لأنه لا بديل من السلام إلا السلام. ولأن المسيحيين لا يعيشون هنا ولا يزدهرون إلا في ظلِّ الاستقرار والسلام. ومبادرتنا أو دعوتنا هي أن تكون القدس مدينةً مفتوحة لأتباع جميع الديانات، مسلمين ومسيحيين ويهوداً.
لقد غادر لبنان منذ بداية حرب الـ1975 أكثر من مليون مسيحي، وغادر المنطقة منذ بداية الأحداث الأخيرة نحو ثلاثة ملايين مسيحي، وبقينا نحن. فإما أن نرحل مشردين في كل بقاع العالم، أو نبقى في أرض أجدادنا وآبائنا وحيث رجاؤنا في القيامة. نعلن من موقعنا المسيحي واللبناني والعربي:
- يربطنا مع المسلمين ماضٍ مشترك وحاضرٍ مشترك ومستقبلٍ مشترك.
- ننتسب بأوضح الصور إلى العالم العربي، وسنسعى مع إخواننا المسلمين لأن يصبح أكثر إنسانية وديموقراطية ومعاصرة.
- ما يرتضيه الفلسطينيون لأنفسهم هو ما نريده لحل الصراع العربي الاسرائيلي، ونتمسّك بالمبادرة العربية للسلام – بيروت 2002.
أيها المسيحيون، بل أيها اللبنانيون، بربّكم دُلّوني على بلدٍ كبيرٍ أو صغير، في هذا الشرق الأوسط الكبير، قيلَ عنه بأنه “أكثر من بلد… إنه رسالة”. كما قيلَ عن لبنان!
دعوتنا هي إلى الحكومات والسلطات العربية وإلى المراجع الدولية وأيضاً المراجع الروحية، الإسلامية والمسيحية، من أجل رفع القيود والموانع التي تحول دون إمكانية الحجّ والزيارة والتبرّك في القدس أمام جميع المؤمنين.
دعوتنا هي أن تكون “القدس مدينة مفتوحة للجميع”، وأن يكون السلام عنواناً لنضالنا السياسي والروحي كي ننقذ لبنان وأنفسنا ونكون أوفياء للرسالة.
*
كلمة هشام دبسي مدير “مركز تطوير للدراسات”
القدس بدايةُ السلام
للقدسِ العتيقة وَقعٌ خاص في وجدانِ كلّ مَن۫ زارها وتعرَّفّ إلى مناطقها وحاراتِها: فهنا “المسكوبيَّة”، وهناك “التلّة الفرنسية”، وبالجوار “الحيّ اليهودي”، ومنه إلى “حارة الأرمن”، فإلى “العيسويّة”، و”الشيخ جرّاح”، و”حارة المغاربة”، فإلى أبواب القدس وأسوارها..
كلُّ الأماكن تدلُّ أسماؤها على أهلها وتنوّعهم.
يقول شاعرٌ فلسطيني: “وُلِدتُ قربَ البحر من أمٍّ فلسطينية وأبٍ آراميّ، ومن أمٍّ فلسطينية وأبٍ اشوريّ.. عروبيٍّ أو صليبيّ… كلُّ الشعوب تزوّجت أمّي”…
يعتقدُ البعض أنّ القُدسَ “سُرَّةُ الأرض”.. وآخرون على قناعة بأنها أقربُ نقطةٍ إلى السماء!.. ولكلٍ ما يشاء…
عندما تخدمُ الأيديولوجيا الإنسان، ينتصرُ السلام… ولكنّ الحرب تحتاجُ للإنسانِ حطباً، وللأيديولوجيا وقوداً!.. هكذا تكوَّنت مدينةُ الحرب والسلام في بلادنا.. وها هي القدس تختزلُ بذاتها مُعاناةً لمّا تَن۫تَهِ بعد!
الفلسطينيون، كلُّ الفلسطينيين، بحاجةٍ اليومَ وغداً للسلام.. شأنُهم في ذلك شأنُ كلِّ شعوبِ المنطقة، بلا استثناء.. لكنَّ المسافةَ بين الرغبةِ وواقعِ الحال كبيرة، ويَش۫غَلُها جيشُ الاحتلال الإسرائيلي، بينما تصعدُ حكوماتُ إسرائيل إلى أعلى الشجرة، شجرةِ التطرّفِ السياسي والديني، من دون رغبةٍ أو اضطرارٍ للنزول.. طالما أنّ هذا التطرّف لا يعاكس أجندةَ واشنطن ولا يؤذي إلا الفلسطينيين!..
صبراً صبراً يا آلَ ياسر!
الحصار على المدينةِ يشتدّ، وأهلُ القدسِ يدركونَ صعوبةَ الموقف، ويعيشونَ بؤسَ الحال.. لكنّهم منذ لحظةِ الاحتلال الثاني عام 1967، لم يتراجعوا عن أسلوبهم الخاص في المقاومة، وباتَ عنادُهم عنواناً لتعلُّقِهم بالمدينةِ ورموزها ورجالاتها..
كثيرٌ منّا لم يعرف۫ شيئاً، أو سمعَ من بعيد، عن تجربة المقاومة المدنيّة التي قادها الشهيد فيصل الحسيني لسنواتٍ طوال.. إنها التجربةُ النضالية ُ الأعلى، ولكنها كانت الأقلَّ حظاً من الإضاءةِ عليها!.. وعندما يطوّرُ العقلُ الفلسطيني استراتيجيةَ نضالٍ سلميّ تستجيب للتحدّيات، لا بدّ له من العودةِ إلى تلك التجربةِ الغنيّة بالذات، كما إلى تجربةِ “انتفاضةِ الحجارة”.. عام 1987.
للأسف، وحتى هذه اللحظة، فإننا كفلسطينيين – أعني كعقلٍ سياسيٍّ وإداري – لا نملكُ استراتيجيةَ نضالٍ سلميٍّ واضحةً ومُل۫هِمة!.. لذا فإن لغةَ التطرُّفِ اليهودي تستدعي لغةَ التطرُفِ الإسلامويّ!.. غيرَ أن هذا الواقعَ المرّ ليس قدراً.. لأننا نستطيعُ أن نحقّقَ اختراقاً في هذا الجدار..
أهلً القدس في سجنٍ استثنائيّ.. وجريمتهم أنهم أهلُ القدس!.. وغالباً ما يسمعونَ عن بُعد أصواتاً تُعلي من شأنِ حجارةِ المدينة، وفي الوقتِ نفسه تُدينُ أهلَها لأنهم يُنادونَ بالحجِّ إليها ويستقيلونَ من “الجهاد”!!
أيها الناس!.. نحن أكثرُ من يعرف هؤلاء الذين يحبّونَ فلسطين ويكرهونَ شعبها!
والحالً أن الشعب الفلسطيني استطاعَ أن ينتصرَ لذاته، عندما أطلقَ خيارَه السلمي والعادل بمطلبِ الدولتين.. وبهذا اختَطَّ طريقاً للشرعية الدولية والعربية كي تُنفِذَ قوانينَها وقراراتِها إذا ما أخلصت۫ النيّة وعَزَمت۫!..
أيها الإخوة،
قبلَ ثلاثةِ عقودٍ ونيّف طلب سيّدُ فلسطين من على منبرِ الأممِ المتّحدة طلباً بسيطاً ولكنّه شديدُ الأهمية عندما قال: “لا تُس۫قِطوا الغُص۫نَ الأخضرَ من يدي!”.
شكراً لكم