مع تصاعد حدة الأزمات الداخلية في إيران، تشير معظم التوقعات إلى أن الأوضاع قد تخرج عن سيطرة الرئيس حسن روحاني وحكومته في أي لحظة، وأن ذلك قد يكون مؤشرا على أن مرشد الثورة آية الله علي خامنئي والحرس الثوري لن ينتظرا حتى حدوث ذلك، وأنهما سوف يخططان لتنفيذ انقلاب عسكري ضد حكومة روحاني من أجل السيطرة على الأوضاع.
في مقابل ذلك، هناك تصور آخر يشير إلى وجود مخطط يقوده الإصلاحيون والمعتدلون لمحاصرة نفوذ خامنئي بهدف إضعافه، لكنه تصور لا تدعمه الوقائع على الأرض. إن استمرار هذه الأزمات وبروز مثل تلك التوقعات يشير بلا تردد إلى أن الأوضاع الداخلية متردية وتعكس أوضاعا عصيبة.
وكانت التوقعات بحدوث إنقلاب عسكري وُردت في تقرير عُرض في قناة “الجزيرة” الإخبارية، حيث أشار التقرير إلى أن الإنقلاب سيتبعه تعيين رئيس جديد للبلاد من الحرس الثوري. إلى أي حد يمكن لهذا السيناريو أن يتحقق؟
فإيران، ومنذ بداية العام الميلادي الجديد، لم تنفك تشهد تظاهرات شعبية عارمة. ففي يناير خرجت احتجاجات في أكثر من ٨٠ مدينة في ٢٥ محافظة ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية، سقط خلالها ٢١ قتيلا. وفي فبراير تم اعتقال عشرات النساء في العديد من المدن بعد احتجاجهن على قانون ارتداء الحجاب بصورة إجبارية. وفي نفس الشهر، قمعت قوات الأمن تظاهرة احتجاجية للصوفيين (الغُنابادِيّين) في طهران، وأدى ذلك إلى سقوط ٥ قتلى واعتقال مئات الصوفيين.
وقبل أسابيع قليلة شهدت مدينة الأهواز احتجاجات للعرب الإيرانيين استمرت عدة أيام، إثر عرض التلفزيون الرسمي برنامجا اعتبره المتظاهرون “مهينا” للأقلية العربية. كما شهدت مدينة اصفهان العريقة تظاهرات للمزارعين احتجاجا على تردي أوضاعهم. إضافة إلى تظاهر مئات العمّال في مدن إيرانية مختلفة. جدير بالذكر أن العديد من الشعارات التي رُفعت في تلك التظاهرات، احتجت على التدخل الإيراني في الأزمة السورية، وأشارت إلى الفاتورة المالية الكبيرة لهذا التدخل وانعكاسها على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. إلى جانب ذلك، فإن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الإرتفاع غير الطبيعي لـ”التومان” الإيراني في سوق صرف العملات الأجنبية أُضيفت إلى ملف الأزمات.
المراقبون من جهتهم أفادوا بأن تلك التظاهرات والتطورات مؤشر على تصاعد حدة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي باتت تحاصر النظام في إيران وأصبحت تهدد وجوده، وقد تؤدي في أي لحظة إلى خروج الأمور عن السيطرة الواقعية، ولا بد من سيناريو لمواجهته، وبالتالي قد يكون الإنقلاب، العسكري، ضد روحاني أحد حلول النظام.
وعلى الرغم من رؤية الإصلاحيين بأن تنفيذ الإصلاحات هي المخرج الوحيد للأزمات في إيران، إلا أن النظام، أي المرشد الأعلى والحرس الثوري والسلطة القضائية والمؤسسات التابعة لهم، لن يُقدم على تنفيذها، لأن ذلك سيؤدي إلى تراجع سيطرته على مراكز النفوذ السياسية والاقتصادية، وإلى خلخلة قوة الفقيه وتراجع مركزيته. في المقابل، يُلقي أنصار النظام مسؤولية تفاقم الأزمات واشتدادها على عاتق روحاني وأعضاء حكومته بوصفهم “غير كفؤين” لمواجهتها وحلّها.
يذكر أن علاقة المرشد الأعلى بالرؤساء الإيرانيين، منذ تسلمه القيادة في البلاد عام ١٩٨٩، كانت متوترة باستمرار، إذ كان في العادة يلقي باللوم على إدارة الرؤساء في عدم قدرتها على معالجة الأزمات الداخلية. وفي المقابل كان يضفي المزيد من المركزية على قراراته ويتدخل في خطط الحكومات وتوجهاتها وعملها. ويعتقد العديد من المراقبين، بأن مركزية خامنئي وسلطانه المطلق وتدخلاته كانت ولا تزال المؤثر الأبرز في عدم معالجة الأزمات. ويعتقد مراقبون بأن تفاقم حدة العداء بين إيران وأمريكا منذ بدء رئاسة دونالد ترامب، والتوقعات بانسحاب أمريكا من الاتفاق النووي في شهر مايو القادم، ساهما في إضعاف خطط روحاني لمواجهة نفوذ ومركزية خامنئي. في حين يرى المتشددون بأن مواجهة أمريكا ستساهم في حل أزمات إيران. لذلك، هم يؤيدون السيناريو القاضي بإبعاد المعتدلين عن الحكم وتعيين حكومة يقودها الحرس الثوري.
وفي ضوء التدوير الذي طال مناصب قيادات الحرس الثوري وكذلك مناصب قيادات الجيش، بقرارات مباشرة من خامنئي بوصفه القائد الأعلى للجيش والحرس، فإن المراقبين يتوقعون أن يهدف التدوير إلى تهيئة الظروف للإنقلاب على روحاني من دون أن تكون لهذا الإنقلاب رمزية “عسكرية”، بهدف “تقبُّل” الشعب لهذا التغيير، خاصة وأن زمن الإنقلابات العسكرية قد ولّى، إضافة إلى أن تسلّم الإنقلابيين لزمام أمور الحكم بشكل عسكري واضح وشفاف لا يعكس أي أمل بالتفاؤل بأنه سيكون بديلا ناجحا عن حكومة روحاني.