صدر هذا الشهر في العاصمة النرويجية أوسلو كتاب (نقاتل من أجل النرويج) للكاتب النرويجي آرفيد برين. وقد أثار الكتاب نقاشا ساخنا في وسائل الاعلام النرويجية. فالمؤلف كان يشغل منصب محرر سابق للشؤون الخارجية في جريدة “داغ بلادة”.
قد يبدو الكتاب عاديا و يدخل في نطاق أدب الذاكرة، لكنّ اشتماله على مقابلتين لشخصيتين متناقضتين في مواقفها ومواقعها التاريخية التي عاصرت حقبة الحرب العالمية الثانية ووجهتي نظرهما هي التي أثارت الزوبعة.
أعداء في الحرب وأصدقاء السلام:
الشخصية الأولى في كتاب آرفيد هو بيورن أوسترنغ، البالغ من العمر 90 عاما. وكان عضوا في حزب التجمع القومي وعسكريا يافعا في الجبهة الشرقية في مواجهة جيوش ستالين. و كان أيضا مسؤول حراسة كويسلنغ الذي تسلم السلطة بعد أحتلال هتلر للنرويج وكان داعما للنظام الألماني.
ويدكن كويسلنغ(1887- 1945) هو سياسي نرويجي أسس سنة 1933 حزب التجمع الوطني وحمل أفكارا نازية مثل هتلر، و سعى لاحقا لاقامة حكومة نازية في النرويج. وقد أصبح رجلا مهما خلال الحرب العالمية الثانية. لكن مع انتهاء الحرب اعتبر خائنا وحكم عليه بآلاعدام حتى أصبح اسمه رديفا لكلمة خائن.
والرجل الثاني وهو نقيض الأول في مواقفه التاريخية. فهو سفين بليندهايم ويبلغ 91 عاما.وكان معروفا برجل المقاومة الأول للأحتلال الألماني للنرويج، ومقاتل في الجبهة الأمامية الشرقية ومعروف باسم “لمخرّب” خلف خطوط الألمان.
والرجلان الآن جاران وصديقان حميمان. فالسلام عند هذه الشعوب المتحضّرة يخلق المعجزات. فكلا الرجلين كانا عدوين وقاتلا بعضهما. لكنهما الأن قد وضعا مشاعر العداء خلف ظهورهما في الماضي وادركا ان السلام لا يعني أن ننسى بل أن نتسامح ونتقبل الحياة كما هي ونتكيّف فيها.
ما أيقظ الجدل وأثار حفيظة النقاد هو اعتبار أوسترنغ المناصر للنازية بطل حرب، حيث اعتبر النقاد مؤلف الكتاب بأنه لم يحضّر درسه جيدا ولم يراجع الحقائق التاريخية.
الكاتب بدوره استغرب رد الفعل العنيف هذا، و قال أنه انما استنطق شاهدين على مرحلة شارف جيلها على الانقراض. وكان بليندهايم قد أصدر في وقت سابق كتاب (نرويجيون تحت لواء هتلر) وكان قد ذكر فيه بأن كثيرين ممن حاربوا مع هتلر قد حوكموا لاحقا بسبب حربهم في الجبهة الشرقية. و يضييف آرفيد بأن بليندهايم المقاوم نفسه هو الذي اعتبر أوسترنغ بطل حرب.
يؤخذ على أوسترنغ أيضا أنه سكن شقة عائلة لاكسوف اليهودية التي رحل أفرادها لمعسكر الأبادة أوشفيتز، و قد صودرت ممتلكات البيت. وقد عرضت قبل أيام في مركز الهولوكست في أوسلو منشفة يد مطرز عليها الحرف الأول من اسم أوسترنغ. لكنّ أوسترنغ رفض هذا الادعاء، و قال بأنه لم يكن يعلم أن الشقة عائدة لعائلة يهودية أولاً، و أنها كانت خالية من المفروشات ثانيا، و أن ليس هناك من افراد عائلته من يجيد التطريز. ولم يكن لديه مطرزات تحمل حرف اسمه ثالثا.
ورغم أنّ بعض المؤرخين في النرويج يعتبرونه من متعقبي اليهود في تلك المرحلة. فأحد المؤرخين يؤكد بدوره أن أوسترنغ قد رفع تقريرا مفصلا عن الدور النرويجي في ترحيل اليهود. لكن الكاتب يرفض الاتهام بالمطلق ويرى أن قلّة فقط كانت تعلم ما حدث لليهود المرحّلين وذلك بسبب حالة التشوش و آلارباك التي سادت الجبهة الشرقية.
يقول مؤلف الكتاب أنه من المحزن أن يكون أوسترنغ من المتحمسين لكويسلنغ. ذلك أنه يرى أنه كان بسعى لحماية النرويج. ويضيف بأن نقاده مشغولون بموضوع متعقبي اليهود.
أما المؤرخة أنغريد هاغن فقد اعتبرت الكتاب ضروريا و ممتعا، و أن ناقديه انما يوجهون نقدهم في اتجاه واحد وهو تراجيديا الهولوكست رغم أن الكتاب يحتوي على تفاصيل تاريخية تجدر دراستها و من ضمنها وجود يهود في حزب التجمع القومي الذي تعامل مع هتلر وكانوا مقاتلين في الجبهة الشرقية.
اليهودي دان لاكسوف 67 سنة وصاحب البيت المصادر والذي هرب مع والدته الى السويد خلال الحرب أزعجه اعتبار نازي (بطل حرب). ويدّعي أنه كان في الخامسة من عمره حين هاجمت مجموعة مسلحة بيته واقتادت والده وأخواله الأربعة الى معسكرات الأبادة. و عندما عاد الى النرويج عام 1945، وجد بيته محتلا من قبل أوسترنغ. و يزعم أن الكتاب يحتوي على أكاذيب كثيرة وأن النازيين النرويجيين يعتبرون أملاك اليهود خاصة لهم وأن لا عودة لهم.
لكن مؤلف الكتاب يختم النقاش بأنه عمل في الشؤون السياسية الخارجية ويعرف أن أقل صوت ينادي بحقّ الفلسطينيين يقابله رشق مدفعي كلامي من اسرائيل وداعميها في هذا البلد.
Albakir8@hotmail.com
* كاتبة فلسطينية- النروج
نازيّ ومقاوم: قاتلنا من أجل النرويج
“فالسلام عند هذه الشعوب المتحضّرة يخلق المعجزات. فكلا الرجلين كانا عدوين وقاتلا بعضهما. لكنهما الأن قد وضعا مشاعر العداء خلف ظهورهما في الماضي وادركا ان السلام لا يعني أن ننسى بل أن نتسامح ونتقبل الحياة كما هي ونتكيّف فيها.”
نعم. السلام ليست رغبة وطموح. أنه تربية وممارسة وتمرين. وهذا ما ينقصنا. نحن لا نعرف حتى أن نتسامح. لا نعرف معني التسامح. ولا نعرف معنى العداء.
العداء له خلقه وقيمة. كيف تنظر الى عدوّك. هل تنظر اليه على أنه حيوان يستحق الموت؟ أم تعترف بأنسانية عدوّك حتى في لحظة قتالك له؟