اقتلاع البؤرة الامنية العسكرية، التي مثلتها ظاهرة الشيخ احمد الاسير في منطقة عبرا من قبل الجيش اللبناني، زاد من الاحتقان السنّي، وزاد الشعور بالانكسار والهزيمة النابع من الوجدان لا العقل. واقع يمكن تلمسه من ردود أفعال مواطنين عاديين لا سيما من ابناء مدينة صيدا الذين يتحدثون بشكل لافت عن حرب تدميرية غير مسبوقة شهدتها عبرا، وعن سلسلة متلاحقة من الاحباطات والانكسارات التي بدأت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومسلسل اغتيالات استهدفت قيادات سنية سياسية وامنية، مرورا بأحداث ايار 2008 واقالة حكومة سعد الحريري في عام 2010 وغيرها من الاحداث التي وفرت برأيهم المناخ الملائم لصعود ظاهرة الشيخ الاسير خلال السنتين الماضيتين.
لم تحتف صيدا بانجاز الجيش، رغم المواقف السياسية المؤيدة للجيش اللبناني التي اجمعت عليها قيادات المدينة لا سيما تيار المستقبل، فضلا عن خصومه من التيارات السياسية في المدينة تمامًا عكس حارة صيدا والغازية.
فقد شكل الشيخ الاسير ظاهرة ملفتة لجهة فرض حضوره الشعبي والسياسي، وما رافق صعوده الصاروخي من اظهار قدرة على التعبير عن غضب واحتقان كان متنامياً في الشارع السني. وهو اذ لقي تعاطفا في ما رفعه من شعارات ضد ما يعتبره استقواء حزب الله في المدينة، الا انه بقي في موقع الظاهرة غير المعبرة عن حقيقة المدينة وتاريخها وطبيعتها الاقتصادية والاجتماعية وتنوعها المذهبي والسياسي. لكن ذلك لم يمنع القول ان نموذج الاسير الذي حاكى نموذج التيارات السلفية شكل خلال العامين الماضيين ظاهرة جدية على الصعيد اللبناني، وبدا انها ليست مجرد حركة سلفية تحصر مهامها في شؤون دعوية وتطل لماما على الشأن السياسي، بل اظهرت الوقائع التي كشف عنها مربع الاسير الامني والدعوي ان الرجل كان يتحضر لمواجهة عسكرية، في موازاة العمل على بناء تنظيم يتجاوز المدينة الى ما هو ابعد من لبنان، ويقوم على حالة القضم البطيء لنفوذ التيارات السنية التقليدية وفي مقدمهم تيار المستقبل. هذا ما المح اليه مصدر في هيئة علماء المسلمين في طرابلس، عندما وصف نتيجة المواجهات في صيدا بأنها عملية بيع الشيخ الاسير للجيش وحزب الله من قبل تيار المستقبل.
فالاسير اذا كان يتمتع بذكاء فطري فقد خانته الخبرة السياسية التي ادت الى وقوعه في الفخ القاتل. فهو شكل حالة جديدة، افقها يحاكي النمط العسكري لحزب الله، في الوقت الذي شكل مشروعا لازاحة تيار المستقبل. فهو كان يغرف من جمهور المستقبل وينمو على حسابه، لا على حساب القوى السنية المنضوية في قوى 8 اذار او الحليفة لحزب الله في الشارع السني. بالمعنى السياسي تلقت ظاهرة الشيخ الاسير ضربة قاسمة، وسيصبح من الصعب على اطراف سلفية اخرى ان تكرر النموذج، ولأنها مثلت الطليعة التأسيسية لنموذج كانت تتطلع اليه الحركات السلفية السنية، شكلت في تمددها ونفوذها وردود الفعل عليها اختبارا سقط بقوة. وفي المقابل سجل حزب الله انتصارا بالنقاط، وعلى الاقل نجح في القضاء على هذه الظاهرة المزعجة له، وامتصّ بعض الارتدادات السلبية لدخوله في معركة القصير، وقدم نفسه لدى اوساط لبنانية ومسيحية بالدرجة الاولى على انه داعم للجيش وحامٍ للدولة. اما المزاج السني المحتقن فيتعامل مع احداث صيدا باعتبارها ضربة للسنة لا للاسير، وهذا ما المح اليه بيان رؤساء الحكومة السابقين، ومواقف قيادات تيار المستقبل في المدينة، وظاهرة الصمت عن التعليق لدى بعض السياسيين ورجال الدين. لذا فإن انكسار الاسير لم يزِد من قوة حلفاء حزب الله في صيدا، بينما جعل تيار المستقبل امام مرحلة استيعاب الارتدادات السلبية لسقوطه، وكانت مؤشراتها ما بدأه نائبا صيدا الرئيس فؤاد السنيورة وبهية الحريري، بالمطالبة بانهاء كل البؤر الامنية في المدينة، لإثبات قدرته على تحقيق المطالب الامنية المحقة بنظر اوساط واسعة في المدينة، ويرجح ان يترجم تصعيدا في خطابه ضد حزب الله، والضغط معنوياً على المؤسسة العسكرية على قاعدة المساواة بين الجميع.
alyalamine@gmail.com
إعلامي لبناني
البلد