إستماع
Getting your Trinity Audio player ready...
|
حين نرى الكردي يصرخ بأنني موجود بكيانيتي الخاصة، علينا أن نتحرى بانصاف السبب الذي يدفعه لهذه الصرخة، واليوم بعد ثورة الشعب السوري التي شاركوا بها منذ اليوم الأول، وبعدما أثبت الشعب السوري أنه بثورته أقوى من كل سلطة، لن يقبل الكردي أن يعود مواطنا من الدرجة الثانية.
كما أن جيلا سوريا عربيا وكرديا في ثورته بقيم الحرية والكرامة والمواطنة لن يقبل بإعادة الشعب السوري إلى مرحلة ما قبل المواطنة المتساوية بالقانون الدستوري بكل ما تعنيه الكلمة من الحقوق والواجبات.
في سنة 1919 لم تكن سوريا التاريخية التي انفكت عن الإدارة العثمانية قائمة بحدودها الحالية، وحين تم الاحتلال الفرنسي وصلت جيوشه إلى ذُرى جبال طوروس مارّاً من شمال لواء اسكندرون وإلى الشرق لواء الموصل بحسب الخط الأزرق في توزيع أملاك الدولة العثمانية بين الحلفاء.
سنة 1923 أُعيد ترسيم الحدود بين الدولة السورية تحت الانتداب الفرنسي وتركيا كمال أتاتورك، واعتُبرت سكة قطار الشرق السريع خطا حدوديا فاصلا بين الدولة السورية تحت الانتداب والدولة التركية الحديثة تمتد من ميدان اكبس
شرقاً إلى نصيبين القامشلي (قامشلو) التي أنشأها الانتداب سنة 1927 مع التعديلات اللاحقة لما سمير بمنقار البط الى عين ديوار وغربا الى شمال عفرين لغاية حدود انطاكية .
هذا الخط الحديدي ضمَّ إلى الدولة السورية تحت الانتداب أراضٍ وقرى وبلدات وقبائل وعائلات وأراضي قبائل كردية (عفرين وكوباني وراس العين سري كانية وبرية ماردين الكيكية وعامودا الدقورية واريافها وصولا الى ديريك (المالكية) الكوجر، عبر تربة سبية وما أصبحت قامشلو)، كانت هذه المناطق إلى عهد قريب عثمانية غير منفصلة عن ما اصبح شمال الخط (الحدود)، فأصبحت من تابعية دولة الانتداب الفرنسي الجديدة، مثلما قسَّمت أُسراً وعائلات وقرى نصفها تقع شمال سكة القطار، ونصفها جنوب سكة القطار كما هو حال في محطات السكك الحديدية. أي قُسّم الكرد بين كرد سوريين وكرد أتراك.
منذ سنة 1923 ثار الكرد السوريون ضد الاحتلال الفرنسي معركة بياندور :28-29/7/1923م (وثورة عامودا 27 و37 وتأطّروا في المجموعات الوطنية للدولة السورية مثل الكتلة الوطنية بوجهاء عشائر متنورين واجتماعيين، ورفضوا الدولة جميع المشاريع الفرنسية كرديا كما كان الحال لمدد زمنية دولة حلب ودولة دمشق والدولة العلوية والدرزية) حين حاولت فرنسا أن تقسّم سورية إلى دويلات طائفية ومناطقية وفئوية.
سنة 1946 استقلت سوريا باسم “الجمهورية السورية” بدستور ساوى بين المواطنين في الحقوق والواجبات نظرياً، وفي أول انتخابات برلمانية، تمكّن الكرد من إيصال ستة نواب إلى البرلمان السوري.
في دولة الوحدة المصرية السورية أضيفت “العربية” إلى اسم الدولة الموحدة، فصار “الجمهورية العربية المتحدة”، ومعها حين قامت الثورة البرزانية في العراق ومع اكتشاف النفط في “رميلان” مورست ضد الكرد سياسات تعريب وقهر وحرمان بقوانين استبدادية عرفية في دولة اضطهدت السوريين أيضا لصالح المصري الذي غدا مواطن نخب أول.
في دولة الانفصال عاد العمل بدستور جديد حرَّم الكرد من إيصال ممثلين لهم إلى البرلمان في المناطق التي كانوا يشكّلون من نسبة تبلغ 70 بالمئة حسب التحديدات الإدارية الشيطانية، لأن أجهزة دولة الوحدة بقيت على نزعتها المعادية للكرد، وفي عهدها تقرر اجراء إحصاء استثنائي جرى تنفيذه زمن الانفصال وزارة بشير العظمة تمّ بموجب هذا الإحصاء العشوائي الاقصائي تجريد 160 ألفا من الكرد من جنسيتهم السورية حين ظهرت نتائج الإحصاء زمن البعث بعد انقلاب 8 آذار، وأصبحوا حاليا أكثر من خمسمئة ألف بالتكاثر بالولادات.
في دولة الانفصال احتفظ بالعربية في اسم الجمهورية وبعد انقلاب آذار 1963 صار اسم الدولة السورية “الجمهورية العربية السورية” التي تابعت سياسات التمييز والقهر ضد الكرد جماعة وأفرادا، كما قلنا آنفاً التجريد من الجنسية السورية وزعوا على فئتين ” فئة المكتومين” هكذا وفئة” اللاجئين الاتراك” ، حُرموا بموجب ذلك من كل الحقوق المدنية و الإنسانية وحتى تلك التي يحظى بها اللاجئون شرعاً بعد مرور سنوات اقامة، بدءا من حق امتلاك بيت أو منشأة تجارية أو وسيلة مواصلات وصولا إلى فقدانهم لملكيات الأراضي التي يحملون سندات ملكيتها من الدولة العثمانية، كما فقدوا حق الاستفادة من الانتفاع كفلاحين وحق التوظيف، وحق الزواج الرسمي أو تسجيل ولاداتهم رسميا، أو تسمية أولادهم بأسماء كردية وتمادت الى منع الغناء بلغتهم في الاعراس . أن لائحة الممنوعات على الكرد في “دولة البعث” الاسدية تجاوزت في سوئها واستعلائها وقسوتها ما لم تمارسه الهمجية الغربية إبان نشوء الدولة الامريكية الاستعمارية بحق الهنود الحمر، كما مارست قوانين الإصلاح الزراعي بشكل تعسفي بحق الملاّكين الكرد الذين جُرّدوا من أملاكهم التي ورثوها عن أجدادهم وحرمت على الفلاحين الذين حرموا من جنسيتهم حق الانتفاع الذي نصته دولة الاحتلال البعثي.
أي نحن اليوم أمام ثلاثة ملايين إنسان، يشعرون بالقهر والخوف من أعمارهم التي قضوها في الدونية مثلما حُرّم 500 ألف مُجرّد من الجنسية من كل حقّ قانوني حتى حقوق العبيد.
في دولة البعث تحددت حقوق الكردي وأمانه المستقبلي بمزاج الموظف الأمني ودرجة مرضه النفسي وشهوته للرشوة.
لقد عَرَّبت سياسات قهرية استبدادية أسماء أكثر من ثلاث آلاف قرية وبلدة وموقع أثري في المناطق الكردية.
أحيانا، حدث التعريب لأكثر من مرة مثلا بلدة “تربة سبية” أصبحت قبور البيض ومن ثم صارت “القحطانية”، يمكنك وانت تمر بالمناطق الكردية وانت ترى أسماء القرى والبلدات الفلسطينية من راس الناقورة الى غزة ومن حيفا ويافا الى القدس. فضلا عن البعث والعروبة والأسد.
كما حرمت هذه الممارسات الكرد من تسمية الولادات بأسماء كردية، مثلما فرضت على “المُجرّدين من الجنسية” استئذان الأجهزة الأمنية للسماح بالسفر أو المنامة في الفنادق، وطُرد عشرات المئات من الطلبة والموظفين من وظائفهم ومدارسهم بأوامر عرفية، وشهوات الفساد وسياسات فتنوية، لإثارة نعرات بين الكرد والعرب لجرهم إلى جمعية المرتضى الشيعية والأجهزة الامنية، أو لإدخالهم في قطعان “فرسان رفعت الأسد ” أو الحرس الجمهوري.
في عهد حافظ الأسد أُقيمت على أراضي الكرد 33 “مستوطنة” بأشراف القيادة القطرية والقومية للبعث المنبوذ تطبيقا لوثيقة منشورة سنة 1963 لضابط الأمن “محمد طلب هلال” بفلاحين استُقدموا من منطقة الرّقة، وسُلّحت وجهزت بآلات زراعية في أخصب المناطق السورية “خط المطر” العشر كيلومترات عن الحدود التركية السورية. هذه المستوطنات كما نصت وثيقة طلب هلال حرفيا على غرار ال “كيبوتزات” الإسرائيلية لخلق فتنة محلية بين الكرد والعرب تجاوزتها الجماعتان بحكمة عشائرية ولم تنضج جمرات الفتنة العنصرية لتغطي على سياسات الأسد الطائفية.
وبخاصة حين نشط اخوه جميل الأسد في تشييع أرياف الرقة والزور في جمعية ” المرتضى” شيعية في سوريا عام 1981، لا بل أطلق على نفسه أيضًا لقب “قائد المسار” بموازاة اللقب الذي أطلقه أخوه حافظ على نفسه “قائد المسيرة”، ورغم أن جميل ليس شيعيًّا إنما ينحدرُ من الطائفة العلوية، إلا أن جمعيته التي سُمّيت “جمعية المرتضى” تعتبر الأولى من نوعها لنشر التشيُّع في سوريا.
حين أراد بشار الأسد إبان الثورة السورية أن يرشي الكرد بإعادة الجنسية لهم، لم يتقدم إلى طلب الحصول عليها سوى ثلاثة آلاف كردي من أصل قائمة بخمسين ألف شخص كدفعة أولى.
عليه حين نرى الكردي يصرخ بأنني موجود بكيانيتي الخاصة، علينا أن نعرف السبب الذي يدفعه لهذه الصرخة، واليوم بعد ثورة الشعب السوري التي شاركوا بها منذ اليوم الأول، وبعدما أثبت الشعب السوري أنه بثورته أقوى من كل سلطة، لن يقبل الكردي أن يعود مواطنا من الدرجة الثانية، كما أن جيلا سوريا عربيا وكرديا في ثورته بقيم الحرية والكرامة والمواطنة لن يقبل بإعادة الشعب السوري إلى مرحلة ما قبل المواطنة بكل ما تعنيه الكلمة من الحقوق والواجبات.