“لبناننا” يمسك بالصيفي: الكتائب خارج 14 آذار
هل هو قدر حزب الكتائب اللبنانية أن تتنازعه جيلاً تلو جيل فكرتان تأخذه أحداهما صوب لبنان الصيغة الشهيرة التسووية التي أرهق الشيخ بيار الجميّل المؤسس اللبنانيين بتكراره يومياً وبلا كلل تمسكه بها، في حين تأخذ الفكرة الأخرى الحزب إلى الثورة على هذه الصيغة (الموصومة بالمزرعة وغير المرضية لأحد) وإطاحتها والمناداة بما خالج على الدوام جزءاً ضئيلاً أو كبيراً من المسيحيين – يتغير ويتغيرون على مر الحقب – من نزعة إلى حكم أنفسهم بأنفسهم، وكما يريدون من غير اضطرار إلى تقديم تنازلات، يمس بعضها اقتناعاتهم الوطنية العميقة، إلى الشريك المسلم في الوطن؟
بتعبير آخر، أهو قدر أن يهرب بشير الجميّل من صرامة تمسك والده وتالياً الحزب بصيغة 43 وينشىء تنظيم “القوات اللبنانية” ليعود لاحقاً إلى الكتائب رئيساً للجمهورية تسووياً مع الشريك المسلم ولكن من موقع القوة، وأن يعيد ابن شقيقه سامي الجميّل المسيرة نفسها فينشىء “حلف لبناننا”، ثم أن يعود إلى حزب العائلة بعد اغتيال شقيقه بيار المأسوي بالمبادىء والشعارات التي حملها عمه بشير في مرحلة من تجربته السياسية والنضالية القصيرة ؟
الحديث هنا عن الفكرة التي تحدد السياسات، ولا مجال على الإطلاق للمقارنة لا بين الأشخاص ولا الظروف التي اختلفت بل انقلبت رأساً على عقب، فلم يبق شيء كما كان. ولو بقي الشيخ بيار الجميّل المؤسس حياً لكان رأى وسمع ولمس أن الإلحاح والإصرار كل لحظة على التمني يصنعان معجزة. ذلك لشدة ما كان الشيخ بيار الجدّ يتمنى في كل تصريح (يومي) أن يقوم زعيم مسلم لبناني ويقبل بأن يكون “لبنان أولاً”.
ولكان طبعاً أصيب بذهول لو رأى “مسيحييه” يرفضون التجاوب وملاقاة هذا الشريك المسلم ويذهبون في مناح أخرى. إنما هذا بحث آخر.
مناسبة هذا الكلام إن ما حصل في داخل الكتائب، في خضم الجدل والصراخ في الصيفي احتجاًجا على “إهانة” لحقت بالحزب في عملية تأليف الحكومة الأولى لسعد الحريري، غاب عن فهم كثيرين من السياسيين، إذ اعتقدوا أن المسألة مجرد زوبعة في فنجان، وأن الكتائب هم هكذا، تتملكهم أحياناً أطباع النساء (ليس كلهن)، فيحردون أحياناً دون سبب مقنع ولا مبرّر واضح، ولا يلبثون أن يعودوا إلى أوضاعهم العادية. ولا شك أن قيادة الحزب بسلوكها منذ أشهر مع حلفائها في قوى 14 آذار أعطت هذا الإنطباع عنها، ولكن من غير تبرئة لهذه القوى من تبعة أخطاء قد تكون ارتكبتها في التعامل مع “الحساسية” الفائقة التي تساور القيادة في الصيفي، خصوصاً عندما ترى الكتائبي السابق – المنشق في نظر الباقين في الحزب مهما فعل – سمير جعجع بـ”قواته اللبنانية” يُعامَل على أنه الركن الأساس، بل “المدلّل” بين مسيحيي قوى 14 آذار. أما أن تقوم قيامة حزب الكتائب مثلاً على تواضع حصته في الحكومة وعلى إهمال التشاور معه في شكل كافٍ قبل إعلان تأليفها في القصر الجمهوري، فأمر لا يستحق التوقف عنده، ويتحمّل أن يُعالج لاحقاً.
الحق إن الحلفاء اعتبروا على الأرجح إنها “نوبة عصبية” تعبر في الصيفي، على جاري العادة. وليس الحق عليهم وحدهم. فالإلتباس تاريخي في الحزب الذي حمل الفكرتين المتناقضتين، ولكم عانى مناصروه قبل غيرهم بسببه في ما مضى. إلتباس جعل الحريري على الأرجح يفهم من أمين الجميّل في لقائهما في “بيت الوسط” الجمعة الماضي أن الحزب يتفهم، أو يمكن أن يتفهم حال الضرورة الضاغطة التي فرضت إعطاء الكتائب وزيراً واحداً ووزارة الشؤون الإجتماعية، وبالتالي لن تكون مشكلة عويصة. إلتباس جعل القيمين على 14 آذار أيضاً يعتقدون أن المسائل الشكلية والشخصية في التعامل مع الحلفاء الكتائب ليست ذات أهمية قصوى.
وثمة إلتباس آخر أهم بكثير يعود إلى عدم إطلاع على مشروع “لبناننا” وطروحاته الوطنية. والمعنى أن سامي الجميّل ليس مثل شقيقه بيار الجميّل في الموقف من 14 آذار، وهو أصلاً لم يشارك فيها إلا بحدود، وكانت له ولا تزال تحفظات عن بعض توجهاتها الرئيسية لا يخفيها. فالرجل صريح، خصوصاً عندما يتكلم على اتفاق الطائف والدعوة إلى تعديله وإرساء نظام التعددية. أدرك ذلك بالتأكيد من ختم بيان “الأمانة العامة لقوى 14 آذار” أمس بعبارة ان هذه الأمانة “ستواصل الإلتزام بمبادىء ثورة الأرز وفي مقدمها الشراكة الإسلامية – المسيحية”.
خلاصتها إن قيادة “لبناننا” أحكمت سيطرتها ونظرتها على قيادة الحزب في الصيفي. وإن حزب الكتائب خرج من “قوى 14 آذار”، وأي إنطباع آخر سيكون نتيجة للتعابير الكتائبية الملتبسة باستمرار. والسؤال الآن: خرج ولكن إلى أين؟
“لبناننا” يمسك بالصيفي: الكتائب خارج 14 آذار
هل هو قدر حزب الكتائب اللبنانية أن تتنازعه جيلاً تلو جيل فكرتان تأخذه أحداهما صوب لبنان الصيغة الشهيرة التسووية التي أرهق الشيخ بيار الجميّل المؤسس اللبنانيين بتكراره يومياً وبلا كلل تمسكه بها، في حين تأخذ الفكرة الأخرى الحزب إلى الثورة على هذه الصيغة (الموصومة بالمزرعة وغير المرضية لأحد) وإطاحتها والمناداة بما خالج على الدوام جزءاً ضئيلاً أو كبيراً من المسيحيين – يتغير ويتغيرون على مر الحقب – من نزعة إلى حكم أنفسهم بأنفسهم، وكما يريدون من غير اضطرار إلى تقديم تنازلات، يمس بعضها اقتناعاتهم الوطنية العميقة، إلى الشريك المسلم في الوطن؟
بتعبير آخر، أهو قدر أن يهرب بشير الجميّل من صرامة تمسك والده وتالياً الحزب بصيغة 43 وينشىء تنظيم “القوات اللبنانية” ليعود لاحقاً إلى الكتائب رئيساً للجمهورية تسووياً مع الشريك المسلم ولكن من موقع القوة، وأن يعيد ابن شقيقه سامي الجميّل المسيرة نفسها فينشىء “حلف لبناننا”، ثم أن يعود إلى حزب العائلة بعد اغتيال شقيقه بيار المأسوي بالمبادىء والشعارات التي حملها عمه بشير في مرحلة من تجربته السياسية والنضالية القصيرة ؟
الحديث هنا عن الفكرة التي تحدد السياسات، ولا مجال على الإطلاق للمقارنة لا بين الأشخاص ولا الظروف التي اختلفت بل انقلبت رأساً على عقب، فلم يبق شيء كما كان. ولو بقي الشيخ بيار الجميّل المؤسس حياً لكان رأى وسمع ولمس أن الإلحاح والإصرار كل لحظة على التمني يصنعان معجزة. ذلك لشدة ما كان الشيخ بيار الجدّ يتمنى في كل تصريح (يومي) أن يقوم زعيم مسلم لبناني ويقبل بأن يكون “لبنان أولاً”.
ولكان طبعاً أصيب بذهول لو رأى “مسيحييه” يرفضون التجاوب وملاقاة هذا الشريك المسلم ويذهبون في مناح أخرى. إنما هذا بحث آخر.
مناسبة هذا الكلام إن ما حصل في داخل الكتائب، في خضم الجدل والصراخ في الصيفي احتجاًجا على “إهانة” لحقت بالحزب في عملية تأليف الحكومة الأولى لسعد الحريري، غاب عن فهم كثيرين من السياسيين، إذ اعتقدوا أن المسألة مجرد زوبعة في فنجان، وأن الكتائب هم هكذا، تتملكهم أحياناً أطباع النساء (ليس كلهن)، فيحردون أحياناً دون سبب مقنع ولا مبرّر واضح، ولا يلبثون أن يعودوا إلى أوضاعهم العادية. ولا شك أن قيادة الحزب بسلوكها منذ أشهر مع حلفائها في قوى 14 آذار أعطت هذا الإنطباع عنها، ولكن من غير تبرئة لهذه القوى من تبعة أخطاء قد تكون ارتكبتها في التعامل مع “الحساسية” الفائقة التي تساور القيادة في الصيفي، خصوصاً عندما ترى الكتائبي السابق – المنشق في نظر الباقين في الحزب مهما فعل – سمير جعجع بـ”قواته اللبنانية” يُعامَل على أنه الركن الأساس، بل “المدلّل” بين مسيحيي قوى 14 آذار. أما أن تقوم قيامة حزب الكتائب مثلاً على تواضع حصته في الحكومة وعلى إهمال التشاور معه في شكل كافٍ قبل إعلان تأليفها في القصر الجمهوري، فأمر لا يستحق التوقف عنده، ويتحمّل أن يُعالج لاحقاً.
الحق إن الحلفاء اعتبروا على الأرجح إنها “نوبة عصبية” تعبر في الصيفي، على جاري العادة. وليس الحق عليهم وحدهم. فالإلتباس تاريخي في الحزب الذي حمل الفكرتين المتناقضتين، ولكم عانى مناصروه قبل غيرهم بسببه في ما مضى. إلتباس جعل الحريري على الأرجح يفهم من أمين الجميّل في لقائهما في “بيت الوسط” الجمعة الماضي أن الحزب يتفهم، أو يمكن أن يتفهم حال الضرورة الضاغطة التي فرضت إعطاء الكتائب وزيراً واحداً ووزارة الشؤون الإجتماعية، وبالتالي لن تكون مشكلة عويصة. إلتباس جعل القيمين على 14 آذار أيضاً يعتقدون أن المسائل الشكلية والشخصية في التعامل مع الحلفاء الكتائب ليست ذات أهمية قصوى.
وثمة إلتباس آخر أهم بكثير يعود إلى عدم إطلاع على مشروع “لبناننا” وطروحاته الوطنية. والمعنى أن سامي الجميّل ليس مثل شقيقه بيار الجميّل في الموقف من 14 آذار، وهو أصلاً لم يشارك فيها إلا بحدود، وكانت له ولا تزال تحفظات عن بعض توجهاتها الرئيسية لا يخفيها. فالرجل صريح، خصوصاً عندما يتكلم على اتفاق الطائف والدعوة إلى تعديله وإرساء نظام التعددية. أدرك ذلك بالتأكيد من ختم بيان “الأمانة العامة لقوى 14 آذار” أمس بعبارة ان هذه الأمانة “ستواصل الإلتزام بمبادىء ثورة الأرز وفي مقدمها الشراكة الإسلامية – المسيحية”.
خلاصتها إن قيادة “لبناننا” أحكمت سيطرتها ونظرتها على قيادة الحزب في الصيفي. وإن حزب الكتائب خرج من “قوى 14 آذار”، وأي إنطباع آخر سيكون نتيجة للتعابير الكتائبية الملتبسة باستمرار. والسؤال الآن: خرج ولكن إلى أين؟
إيلي الحاج
(elie.hajj@annahar.com.lb )